![]() |
هل يتحول الجيش الإسرائيلي من جيش "الشعب" إلى جيش محترف؟
نشر بتاريخ: 03/07/2012 ( آخر تحديث: 05/07/2012 الساعة: 10:12 )
بيت لحم-معا- حالت اسطورة جيش الشعب التي رافقت الجيش الاسرائيلي منذ اقامته وانغرست عميقا في الوعي المجمعي الاسرائيلي دون ان يكلف احدا من الساسة الاسرائيلييين نفسه عناء حتى التفكير في الخيار الثاني، والمتمثل بإلغاء التجنيد الاجباري الى ان جاء النقاش الحاد الذي تشهده اسرائيل حاليا حول قانون "طال" المختص بتجنيد اليهود المتدينين والعرب.
هذا النقاش الذي تجاوز كل اطر الخلاف الائتلافي ليمس الأسس العميقة للهوية الاسرائيلية حسب تعبير صحيفة "هأرتس "العبرية التي تناولت اليوم "الثلاثاء" الموضوع بالتحليل والدراسة ومحاولة طرح البدائل المنطقية للخروج من الأزمة العميقة . واضافت الصحيفة في تحليلها "كشفت الدعوة لتجنيد اليهود المتدينين والعرب للخدمة العسكرية او الخدمة المدنية حقيقة الواقع الذي يعيشه الجيش الاسرائيلي والقاضي بوصول دور "مفاعل الصهر" الذي لعبه الجيش حتى الان الى نهايته واصبح بدلا من ذلك مركزا للانقسام والخلافات والنزاعات بين القبائل والطوائف وهذه هي القضية الحقيقية المطروحة للنقاش وليس اذا شعر موفاز بالاهانة لتصرفات نتنياهو او هل تبقى كاديما ضمن الحكومة ام لا ؟ التغير الذي حدث على وظيفة الجيش الاجتماعية نبع أساسا من زيادة أعداد اليهود المتدينين والمواطنين العرب الذين أعفاهم القانون من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية اضافة الى مشاركتهم المنخفضة في القوة العاملة وحتى تستطيع إسرائيل البقاء اقتصادية على قيد الحياة يتوجب عليها دمج العرب والمتدينين في سوق العمل وزيادة نسبتهم في القوة العاملة بشكل كبير، ولكن لعملية الدمج هناك ثمن، العرب واليهود المتدينون الذين بقوا خارج الاجماع " القومي" منذ حكم بن غريون يجدون صعوبة حاليا في تقبل قواعد هذا الإجماع، وهم لن يتنازلوا عن الامتيازات التي يتمتعون بها وعلى رأسها إعفاء شبانهم من الخدمة العسكرية الإلزامية . ان ازدياد وزن الاقليات داخل المجتمع الاسرائيلي يرفع من وتيرة الضغوط على المجتمع العلماني والمتدينين الوطنيين الذي ينؤ تحت أعباء الخدمة العسكرية والضرائب وهم القوة التي تحرك النقاش العام في اسرائيل على مدى السنوات الاخيرة وهذا ما دفع حكومة نتنياهو وليبرمان اليمنية الى موجة سن القوانين المعادية للعرب ورفع علم الدولة اليهودية، بهدف التمسك بالهوية الاخذة بالتفتت والتاكل منذ بدايات الاستيطان واقامة الدولة وهذا ايضا ما دفع بأبناء الطبقة الوسطى من اليهود الغربيين الى الساحات والميادين العامة الصيف الماضي، بهدف الحفاظ على مواقع ومواطن القوة التي فقدوها دون مقابل وهذا ما يدفع الان موفاز ويائير لابيد لصدام مع المتدينين ونتنياهو للانجرار خلفهم، وجميع هذه الصراعات تشترك في نتيجة واحدة " صفر" حيث لا يمكن لأي حديث يطلقه سياسي ان يقف امام التغير الديموغرافي وتأثيراته على الهوية الإسرائيلية . ان الجدل على الهوية يظهر بشكل واضح على شكل وتركيبة الجيش ايضا حين يكون غالبية الشبان " المتدينين ، العرب، النساء المتدينات ، المدانين اجراميا ، المعاقين ، وقليلا من المتهربين من الخدمة " لا يخدمون في الجيش بحكم القانون سيكون من الصعب التمسك بالشعار الخلافي "جيش الشعب" و" مفاعل الانصهار" وهذا الاتجاه وهذه الصعوبة ستزداد خلال السنوات القادمة كون غالبية الاطفال في الصفوف المدرسية الدنيا هم من العرب والمتدينين فيما تتشكل الهجرة المعاكسة بغالبيتها من اليهود العلمانيين لذلك فان نسبة التجنيد من مجموع الشباب ستتقلص وسيتحول الجيش من "جيش الشعب " الى جيش الاقلية ". وطرحت الصحيفة السؤال الأبدي، ما العمل ؟ الساسة والوزراء وعلى رأسهم نتنياهو يجتهدون في البحث عن صيغة تسمح لهم بالحفاظ على الكذبة القديمة "المساواة في العبء" لعدة سنوات اخرى ، العرب والمتدينون لا يريدون التجنيد ، اذا عليهم ان يتوجهوا للخدمة المدنية وهو الاسم اللطيف للعمل الإجباري القصري " او الذهاب لخدمة الطائفة او المجتمع الخاص بهم وهو عودة للوضع القائم حاليا مع فارق وحيد موافقة رسمية على ما هو قائم ويهددون في حال عدم توصلهم لهذه الصيغة السحرية باللجوء الى قانون "خدمة الامن ". وهنا نقول هل من المعقول ان يشرعوا باصطياد شباب سخنين ورمات بيت شميش ويقتادونهم عنوة لموقع التجنيد ؟ هذا لم يحدث سابقا ولن يحدث مستقبلا خلصت الصحيفة في معرض جوابها على السؤال الأبدي . وواصلت محاولتها طرح البدائل للاجابة على السؤال مضيفة "هناك طريق اخر لتحقيق المساواة في تحمل العبء وهي رفعه عن كاهل الجميع والغاء الخدمة العسكرية الاجبارية وتحويل الجيش الاسرائيلي الى قوة عسكرية احترافية يتجند من يرغب في ذلك فقط وهنا سيجد الجيش نفسه في منافسة مع مشغلين اخرين لاستقطاب الجنود النوعيين مقابل رواتب واقعية وبهذا ستتحدد التركيبة الاجتماعية للجيش وفقا لقوانين السوق واذا كان هناك من بين العرب واليهود المتدينين راغبون في التجند بدلا من العمل المدني او تلقي الدروس في المدارس الدينية او الجامعات وتتوفر فيهم الشروط المطلوبة لشغل المناصب والوظائف الشاغرة يكون بإمكانهم ارتداء البزة العسكرية كما يحدث في جميع الدول الديمقراطية الغربية التي تتفاخر اسرائيل بأنها شبيه لتلك الدول . كتب الجيش على موقعه الالكتروني بان هدفه " الدفاع عن الدولة وسيادتها وسلامته سكانها واجباط جهود العدو للتشويش على نمط الحياة فيها" ولم يكتب بان الجيش يهدف الى تحقيق المساواة في المجتمع الاسرائيلي او تجنيد غالبية الشبان او الحفاظ على الائتلافات الحكومية ويمكن تحقيق هدفه المعلن "الدفاع عن الدولة " من خلال جيش محترف يكون بكل تاكيد اكثر فعالية من الجيش الاجباري المثقل بالجنود الإداريين الزائدين عن الحاجة . هناك ادعاء من العيار الثقيل مؤيد للتجنيد الاجباري وهو القدرة وامكانية اختيار الافضل من بين جميع خريجي الثانوية العامة وضمهم لدورات تخريج الطيارين والوحدات المختارة والاستخبارات اضافة لمشاركة ابناء الطبقة الاقتصادية والاجتماعية العليا "عليت " في تحمل عبء الخدمة العسكرية النظامية والاحتياطية بما فيها من مخاطر القتل والإصابة والوقوع بالأسر وهذه الادعاءات يجب مقارنتها بالحقائق الديموغرافية التي حولت الجيش الى "جيش اقلية إجباري" او جيشا للتمييز ضد العرب والمتدينين . واخيرا كتب "عوفر شيلح" في كتابه الصادر 2003 باسم " الطبق والذهب " داعيا الى تحويل الجيش الى قوة احترافية لكن ايا من الساسة لم يملق خاطره عناء البحث في هذا الخيار وكان عوفر صوتا معزولا فيما اكتفى الساسة بكثرة الأحاديث الفارغة مفضلين الشعارات السياسية الفارغة على نقاش جدي يتناول تغيير طريقة وشكل الخدمة عبر الغاء الخدمة الاجبارية وتأسيس جيش احترافي بما يشكل الخطوة الاولى على طريق إيجاد هوية وإجماع وطني جديد يضم في صفوفه العرب واليهود المتدينين . |