وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لحظات من الماضي برفقة أخي ..

نشر بتاريخ: 02/02/2015 ( آخر تحديث: 02/02/2015 الساعة: 16:05 )
لحظات من الماضي برفقة أخي ..
بقلم: سيراء حماد

أن تكون بسيطاً يعني أن تعيش بسعادة.. هكذا قالها لي أخي بلال وعيناه تملؤها اليقين بأن جمال تلك الأيام لن يعود..

في كل صباح كانت قطرات المطر تطرق باب بيتنا القديم الجميل، أصحو لأجد جدتي تقوم بإشعال كانون النار لتدفئة البيت، فنجتمع كلنا من حوله وتتسابق أيدينا فوق ذلك الفحم الرمادي ليجري الدم مجددا بها بعد ليلة طويلة باردة، تهم أمي بتحميص الخبز وغلي الشاي على الفحم وتعد لنا الفطور بنكهة لا يوجد لها مثيل..

في ابتسامة علت وجهه قال لي: في ساعات الظهيرة وعندما تشعر أن الأمطار توقفت، كانت جدتي تخرج لتفقد المزروعات وفي كل مرة لم أتردد في مرافقتها، نتحدث، نضحك، واستفيد بجمع المعلومات عن مزروعاتها البسيطة انذاك..

بعد جولتنا الصغيرة يعلو صوت جدتي وهي تنادي على شقيقتها أن تأتي لشرب القهوة، لا استطيع نسيان أحاديثهن وروعة الجلوس في حضرتهن.. ومع خيوط الشمس التي تختبئ خلف هذه الغيوم تأتي أمي تحمل لنا حبات من البرتقال، فنجلس أنا وأخواتي نستمع لأحاديثهن، ونضحك عندما تختلفان في الآراء، ونصمت عندما تبدأ جدتي بقص الحكايا الجميلة علينا..

للحظات سيطر الصمت على حوارنا.. ونظر لي بعمق وقال: في بعض الأيام كانت جدتي رحمة الله عليها ترسلني لطحن حبوب القمح في المطحنة ودون تردد أخرج من البيت مسرعاً، وقطرات المطر تتناثر على وجهي.. لا تعلمي كم كان جميل ذلك الشعور..
لا تعلمي كم كان جميل أن نجتمع في المساء أيضاً نتسامر، نشرب الشاي بالكاسات الصغيرة نتلذذ أثناء رشفها ونتحدث بحكايا طويلة يغلبنا النوم احيانا دون أن نعرف ما هي النهاية، كم كانت جميلة قطرات المطر عندما تحدث قطرات المطر عزفاً موسيقياً ننام على أنغامه وهي تدلف من المزاريب..

في كل مرة أزور بلدتي سلواد، أعود وأذهب لذلك البيت، وفي كل مرة أشعر بروح جدتي وأسمع صوتها وهي تحدثني، وأعود للحظات ذلك الصبي وأعيش تلك الأيام من جديد، اشتاق لكل ذلك.. اشتاقه.

لهفةُ عينيه، صوته، وجهه، ابتسامته أمام صمتي جعلتني أدرك أن جمال هذه الأيام لن يتكرر، بل رحلت رفقة جدتي وشقيقتها، ورحلت معهم نكهة الشاي المغلي على الفحم، وتلك الجلسة البسيطة الجميلة، أخذوا معهم جيلهم ومحبتهم وابتسامتهم، الابتسامة البسيطة التي يجهلها جيلنا وسيجهلها أبناؤنا، فعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات الا أن أخي لا يستطيع نسيان جمال أيامها، فعلى حد قوله أنه لم يكن هناك صعوبة في العيش على الرغم من كل الظروف، لم يكن كل شيء متوفراً مثل أيامنا هذه لكن البساطة التي حملتها تلك الأيام جعلتهم يحفرونها في عقولهم قبل قلوبهم..