وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ملاك وخالد

نشر بتاريخ: 16/02/2015 ( آخر تحديث: 16/02/2015 الساعة: 10:48 )
ملاك وخالد
الكاتب: تحسين يقين
يواكب نشر مقالي هذا إفراج سلطات الاحتلال عن الطفلة الأسيرة ملاك الخطيب، ونحن بانتظار الإفراج عن الطفل خالد الشيخ.
لهما أحضان الوالدين الدافئة، والأهل، ورفاق ورفيقات المدارس، ولهما الملاعب، والكروم، لهما تفاصيل البيت والبلاد، لهما الحب الذي ازداد، ولهما دعاء الأمهات والآباء صباح مساء

الغرفتان مكانهما، خزانة الملابس والكتب المدرسية، والسرير المرتب، ودموع الأم ممتزجة بدموع الأب والأخوة والأخوات، وأسئلة بلا إجابات..
الذكريات الصغيرة والقليلة صارت كبيرة وكثيرة: هنا كان وهناك كانت، هذا ما أحبه من طعام وزهر وبرنامج كرتون للأطفال ولعبة شعبية، أو لعبة حديثة على الكمبيوتر.

الطفلة والطفل مقابل دولة الاحتلال، فيها ما فيها من دفاعات حصينة وهجوم على برّ القرى، وفضاء الكروم، حماية لجدار يفصل الأرض عن الأرض: شجرة قصفت، وأخرى قطعت، وسناسل نسفت، وصار التراب مدببا جارحا.
ممنوع التجوال والاقتراب والأحلام والانفعال، فما يفعل أطفال في عمر الزهور!
المكان مقسم، مقطع، فكيف ستقبل البريئة والبريء!
وهب أنهما حملا حجرا أو حجرين، فما الذي سيطيح بهذه المعادن؟ أما كان حريا بالجنود إعادتهما إلى ملاعب طفولتهما؟ كيف لكبير قاضيا كان أو ضابطا أن يستقوي على الأطفال!
ولا حياء ولا خجل، فكيف تكون دولة بدون إنسانية؟ فحتى ولو تم القبض على الأطفال بأفعالهم المناهضة للاحتلال، أما كان من الأفضل ردّ الأطفال لطفولتهم؟! هل كانت الأفعال مهددة للأمن الاستراتيجي؟

يتساءل الرفيق حسام الشيخ والد الطفل الأسير خالد في مرارة: "كيف لقاض في الخمسينيات من عمره أن يحاكم ويسجن أطفالا، وما هي القوانين التي تتعامل معها محاكم الاحتلال مع الأطفال، بينما مكان الأطفال الطبيعي هو البيت والمدرسة واللعب مع أصدقائهم؟".
تساؤل الأب حسام هو تساؤل كل أب وأم وفلسطيني، هو تساؤل والدي ملاك الخطيب، تساؤل حزما وبيت عنان، تساؤلنا جميعا...كيف؟
يسجن الطفل الفلسطيني، فتسجن أسرته معه وأقرانه والمجتمع، أما السجان فيشعر بالانتصار على طفل وطفلة لم يغادرا مدارج طيرانهما بعد.
يقودنا حادث اعتقال كل طفل/ة إلى أسر الأطفال وتعذيبهم طوال نصف قرن أو يزيد على أيدي الاحتلال، براءة طفولة مقابل جيش لا يرحم، وأجهزة أمن مدربة، لا تستحي من التحقيق الهمجي مع الأطفال وهم إنما يعبرون عن مشاعرهم الإنسانية الفطرية ضد ما هو ظلم وسطو على الأرض والحقوق.
لعلهما يلعبون في مقاومتهما، لعلهما عبّرا عن طاقة الحب دون أن يدريا ما يعده السجان من عقوبات تفوق الفعل.
هل كانوا أطفالا ذات يوم هؤلاء الجنود؟ أليس لهم أطفال؟

أم عبث نتساءل عن اعتقال الأطفال الفلسطينيين في ظل قتل الأطفال في المظاهرات، وقتلهم جماعيا في الحروب على المدنيين بمبرر الدفاع!
كان على الضباط الإسرائيليين ألا يفعلوا ذلك، وكان على الشعب الإسرائيلي أن يرفض ذلك، ونحن نعلم بوجود منظمات حقوقية إسرائيلية ترفض انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، وحقوق الأطفال الفلسطينيين، ولكن من يستمع ويصغي ويقرأ تقاريرها من نظام الحكم الإسرائيلي الذي يعسكر مجالات الحياة داخل المجتمع الإسرائيلي؟

قال عمنا الحاج راشد داود رحمه الله مختار قريتنا للقاضي العسكري في إحدى المحاكم العسكرية في الانتفاضة الأولى: هناك ما هو فوق القانون، فاستغرب القاضي، كيف يكون هناك ما هو فوق القانون، فأجابه الفلسطيني الحكيم: الإنسانية!
نعم هي الإنسانية التي تنادي على السجان بأن يرحم طفولة أبنائنا وبناتنا، وأن يفرج عنهم كي يعودوا إلى غرف البيت وغرف المدرسة.
للاحتلال أن يجد مبررا طبيعيا، فيعفو عن مقدرة، ويعيد الطيور إلى أعشاشها، بهدف إحياء الآمال بطريق السلام. إن حسن النوايا الإسرائيلية مطلوبة اليوم، ولن يخسر الإسرائيليون شيئا.

كما أعدتم ملاك إلى أهلها في بيتين أعيدوا خالد إلى أهله في بيت عنان، وأعيدوا أطفال فلسطين إلى بيوتهم، وأفرجوا عن الأسرى، تلك نصيحة ثمينة، وهي من ستعيد الاعتبار للعملية السياسية التي نحتاجها جميعا، الفلسطينيون والإسرائيليون، إلا من يرفض ذلك.
أما خالد وملاك، فلهما محبتنا:
فحين نحمل أطفالنا إلى النوم أو ندعوهم لمتابعة أحلامهم في أسرتهم نتذكر خالد وملاك.
كذلك حين نجلس على مائدة الطعام..وحين يذهب الأطفال للمدارس، وحين نراهم يلعبون، فإن ملاك وخالد حاضران بيننا هما وأسرتيهما في حزما وبيت عنان، ومعهم الأسرى صغارا وكبار..
فماذا نقول لهما؟
ماذا نقول غير إن هذا الطريق مهما كان شاقا، فنتيجته الحرية، وما دمتما قررتما الطريق، فإنها لن تخذلكما، الآن لا مجال للحديث عن الماضي القريب، ولكن عن المستقبل القادم بكل شمسه ودفئه لأطفال فلسطين.

في المعتقل ستتعلمان في مدرسة أخرى جديدة عليكما، فاغتنما التعلم، وكتابة اليوميات، وكلا واشربا، واقويا بمحبة البشر لكما. هي أسابيع أو أشهر، وتعودان لاستئناف دروسكما وألعابكما ومشاعركما تجاه هذا الكون الواسع، الأوسع كثيرا من قلوب سجاني الأطفال.
اقويا بالحب وامنحانا القوة، تبسما في وجوهنا، وقولا لنا: كل شيء على ما يرام..
ونحن سنوصل سلامكما لبلابل بيتين وبيت عنان التي تستعد لبناء الأعشاش..
سنوصل شوقكما للأزهار والورود في جبال القريتين.
سنحمل محبتكما لزملاء وزميلات الدراسة في المدرستين.
سننقل حنينكما لخبز الأم وأصناف الأطعمة اللذيذة.
وسنخفي دموعكما عن الأمهات والآباء والأخوة والأخوات والأهل.
أما السجان يا ملاك وخالد، فلن نقول له شيئا، لن نرجوه لا قليلا ولا كثيرا، سنتركه عذاب ضميره، إن بقي بقية منه، وسنتركه لقلق المستقبل، لأن لهذا الاحتلال ضريبة، وأنه لا استهانة بالعصافير المقهورة أبدا!
آن الأوان للحرية أن تزور فلسطين وتقيم فيها، لأننا نريد، ولأن ملاك وخالد يريدان، ولأن القدر لا بدّ سيستجيب، ولا يمكن أن يدوم هذا الحال، ففي العالم والبشر من هم يقلقون مثلنا على ملاك وخالد وآخرين؛ فالإنسانية أيضا أن لا نيأس منها؛ فهناك من ينضم إلينا كل يوم، لترى دولتنا النور، والحرية، لينعم فيها خالد وملاك وأطفالنا بالهناء، ولا يضطرون لترك ملاعبهم لمناهضة جنود الاحتلال.