وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أمّي، حماكِ الله

نشر بتاريخ: 19/03/2015 ( آخر تحديث: 19/03/2015 الساعة: 12:10 )
أمّي، حماكِ الله
الكاتب: صادق الخضور
أمّي، حماك الله ورعاك، ولنا أبقاك، فمنك تعلمنا كيف يكون العطاء، ولك نطيّر في يومك خالص الدعاء بدوام موفور الصحة والعافية، فالأم وإن بدت حروف اللفظة محدودة تتجاوز بعطائها كل حدود ممكنة للعطاء، تعطي دون انتظار المقابل، وتتفانى وتقدّم وقتها وجهدها ونبضها وحبّها لنبقى ونرقى.

تحنو مهما تباعدت بنا السنوات، وكأننا لا زلنا أطفالا، ودعواتها الدائمة وقودا يشحذ الهمّة، ويوطّن في النفس اطمئنانا لا يطول البحث عن سرّه لأنها ببساطة عنوان الاطمئنان دوما.

الأم: تلك السنديانة الشامخة الباسقة الباقية الوادعة، فهي الأروع والأزهى، والأجمل والأرق، والأنبل والأكمل، والأزهى والأبهى، والأحن والأمثل، هي كل هذا وذاك، فهي التي تعطي أسماء التفضيل بعدا تفضيليا يفوق ما تحويه المفردات في ثناياها من رفعة وتميّز.

عراقة الأرض كامنة في تعريقات ثوبها المطرّز، ونقاء القلوب وبياضها تجسدّه غدفتها البيضاء المكتسية لون الحليب، وصفاء النوايا ماثل في كل تصرفاتها، وهي الوحيدة التي لا تخضع علاقاتنا معها لجزر، فهي المحيط الصانع لكل مدّ، والربيع الدائم الخصب، فربيعها لا يخضع لنواميس تبدّل الفصول، كلماتها مزهرة أنّى كانت المرحلة، وأزاهير عطائها تتفتح صبيحة كل يوم، بل كل حين.

الأم: كثيرا ما كتبوا عنها، لكنهم مهما كتبوا، فلن يبلغوا معشار ما تستحق من وصف، فأي قصيد بها يليق؟ وهي التي لطالما عودتنا على أنها أكبر من أن يحويها نص، وهي في كل يوم تكتب فصلا جديدا من فصول عطائها، وعطاؤها أكبر من رواية، وأعمق من موسوعة، وأغنى من أي قاموس، فكل ما يرتبط بمفردات الحقل الدلالي لمفردات عطائها قاموس في حدذ ذاته.

هي الإطلالة على ما كان، أمان الحاضر حين يعترينا القلق، اطمئنان العبور نحو الغد الآتي، فرضاها لا يقدّر بثمن، وهو باق هدفا مقترنا بطموح، نابعا من أعماق الروح، لتلك التي وقبل أن نأتي إلى الدنيا كانت بحبّها تبوح.

أمّي: وكلما ذكرتها تذكرّت جدّة نال الزمن منها فرسم محطاته تجاعيد على جبهتها لكنه لم يلغ تفاصيل حضورها على جبهة الروح، وكلما كنت مع أمّي، تذكرّت أمهاتنا في اليرموك وفي كثير من البقاع والمواقع التي جسدّت فيها المرأة الفلسطينية حضورا فاق الحضور ذاته، بصمود وعطاء قلّ نظيره في أصقاع المعمورة.

أمّي: شموح جبال الخليل ونابلس، رسالة نبيلة نبل بيت لحم والقدس، نسيم عطاء كنسيم رام الله،، رحبة روحها كسهل مرج ابن عامر، منسابة مشاعرها انسياب بحر يافا، منيعة مواقفها مناعة حصن عكا، جميلة روحها جمال روحها الجميلة أصلا، سميحة سماحة ما تبثه فينا من قيم، هي كل هذا وذاك.

لأمّي ولكل الأمهات: تحيّة، وتجديد للعهد، وبقاء على درب العطاء والوفاء، للراسمات خط سيرهنّ بنقاء، للعازمات على بقاء الحنان نبعا دافقا لا ينضب.
لها ولكل الأمهّات تحية، باقية ما بقي العطاء شاهدا على طيب حضورهنّ دائما في طليعة الركب، لا بقوة السلاح بل بمنطق الحنان وسطوة الحب.