وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ياسمينة لتونس الخضراء

نشر بتاريخ: 19/03/2015 ( آخر تحديث: 19/03/2015 الساعة: 13:10 )
ياسمينة لتونس الخضراء
الكاتب: المتوكل طه


قرطاجُ غنّي، فإن الصوتَ غنّاءُ
وأجملُ الأرضِ في الأنحاءِ خضراءُ
أردْتِ أنْ يستجيبَ الدهرُ فانكسرتْ
سلاسلٌ، ويدُ الحمراء علياءُ
وقلتِ: هذي دماءُ البرقِ فانقشعي
يا ظلمةً، فانْجَلتْ في الضوءِ ظلماءُ
وجاءكِ الصُبحُ، ما أحلى النهارَ إذا
راحتْ وولّتْ عن الإصباحِ نكراءُ !
هذا أبو القاسمِ الرائيُّ على شَفَةٍ
من الزمانِ، وقلبُ الدَّهرِ إصغاءُ
***
يا ثورةَ الياسمينِ الحُرِّ لا تقفي
وواصلي زَفّةَ الفرسانِ إنْ جاءوا
سيفرح الشهداءُ الصَّيدُ إذْ وصلتْ
رسائلُ الوَعْدِ، فالأمواتُ أحياءُ
وطُغْمةُ الرُّعبِ في سردابِ طُغْمَتِها
تمضي، وأغنيةُ الأحرار غرّاءُ
فَلْتحذري كلَّ جلاّدٍ وداهيةٍ
يعودُ للَعرْشِ، فالخطّاء خَطّاءُ
يُبَدّلون وجوهَ الحُكْمِ إنَّ لهم
مليونَ وَجْهٍ، وللحرباءِ إخفاءُ
يا ثورةَ الشعبِ، إنَّ الشعبَ يعرفُهم،
فهم بُغاةٌ وَنُهَّابٌ وأعداءُ
وكلُّ ذي سَوءَةٍ يَلقى الجَزاءَ بها
والناسُ قبل اجْتِراحِ الوزْرِ أكفاءُ
وكلُّ دَيْنٍ يُوَفّى بالرّضا، فإذا
تطاول البعضُ، فالديّان جَبّاءُ
وإنْ تجرّأ حوذيٌّ على فَرَسٍ
فإنَّ آخرةَ الحوذيَّ شنعاءُ
وسوف يضحكُ ذو دمعٍ ومظلمةٍ
فالعدلُ نهرٌ على الأبواب غدّاءُ
وسوف يبكي على ما كان من يده
مَنْ يأكل السُّحتَ، أو يعلو به الداءُ
فَحَرَّري زيتَكِ المغصوبَ إنَّ لنا
سراجَنا، وفتيلُ النورِ وضّاءُ
وأَطْلِقي سَرْجَكِ الناريَّ، حُقَّ له
وللرجالِ، إذا ما قدّروا شاءوا
***
يا ثورةَ الجوعِ، والأحزانُ مثقلةٌ،
لا القَمْعُ يبقى ولا الضرّاءُ سرّاءُ
يا ثورةَ الغضبِ العالي، ولا أَمَةٌ
مَنْ أرْضَعَتْكِ، فأُمُّ الناسِ حوّاءُ
والناسُ مِشطٌ، فلا ربٌّ ولا قَدَرٌ
في الأرضِ، لكنّها في الخَلْقِ أسماءُ
واللهُ جُودٌ وحقٌّ، والخيارُ لنا،
وصيغةُ الخالقِ الرّحمنِ سمحاءُ
***
لا الخوفُ يُرهِبُ هذا الشعبَ، إنْ فزِعتْ
في الليل عينٌ، وللغيلانِ إيذاءُ
لا القتلُ يوقفُ هذا المدَّ، فاتّسعي
يا أرضُ، فالدمُ للأزمانِ بنّاءُ
هذا المخاضُ! وَبَطْنُ الأرضِ مُحْتَشِدٌ
فالطينُ ينبضُ، والميلادُ أبناءُ
والعيدُ يبدأ والأعراسُ مُطْهمةٌ
وللخيولِ بصَهْدِ الجرحِ حِنّاءُ
وصرخةُ أمرأةٍ أقوى، وإنْ قطعوا
لسانها، فكأنَّ القَطْعَ إسراءُ
ودمعةٌ ذرفتْها نخلةٌ حُرِقتْ
غيماً ستولدُ، فالسوداءُ بيضاءُ
والنارُ إنْ علَقتْ في الروحِ ليس لها
حدٌّ، وليس لجَمْرِ القَهْرِ إبطاءُ
***
و"البوعزيزي" ملايينٌ بلا عددٍ
وسوف تحرقُ هذا الغيبَ دهماءُ
كأنهُ حينَ دبّ النارَ في جَسدٍ
موسى، وتونسَ في الأحقابِ سيناءُ
ووزّعَ الشّررَ الوقّادَ، فابتهجت
بِرقْصةِ القبسِ الوهّاجِ غبراءُ
وأيقظَ الرعْدَ في صمتِ الغيوم على
طول البلاد، وريحُ العَصْفِ سقّاءُ
فَرَنّق المطرُ الدنيا وكان له
على التلالِ شبابيكٌ وأنداءُ
***
والسائرونَ على حدِّ السيوفِ لهُمْ
يومٌ، وفيهِ على الأغصانِ وَرْقاءُ
ويزرعونَ طريقَ الشوكِ سنبلةً
وحولهم ألفُ حقلٍ والمدى ماءُ
ويخرجونَ من الأكواخِ! إنّ لهُمْ
مهداً على نجمةٍ، والحُسْنُ إغواءُ
***
لا الجوعُ، لا السجنُ، لا مليونُ مشنقةٍ
تُملي الخنوعَ، وهل في الذلِّ شمّاءُ؟
هذا زمانُ جميعِ المعدمينَ وقد
جاءَ الزمانُ، وفي الأيامِ إيحاءُ
سيبدأ الوقتُ من تابوتِ مَذبحةٍ
ومن دموعٍ، وجفنُ الدهرِ بكّاءُ
ويكبرُ الياسمينُ الفذُّ في بلدٍ
حُرًّ كريمٍ، وللأحرارِ سيماءُ
يُحطمّون زنازينَ الطّغاةِ، وهل
يجيئُك، اليومَ، غيرُ النصرِ أنباءُ؟
طوبى لألفِ شهيدٍ سيّدٍ غَمرتْ
دماؤه رايةً، فالجرحُ رفّاءُ
شكراً لتونسَ أمَّ المجدِ إذ صعدتْ
كأنَّها الشمسُ، والبلدانُ أضواءُ