وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحاجة إلى قطب إقليمي عربي

نشر بتاريخ: 06/05/2015 ( آخر تحديث: 06/05/2015 الساعة: 18:39 )
الحاجة إلى قطب إقليمي عربي
الكاتب: عثمان أبو غربية


في خضم تبلور لأقطاب إقليمية غير عربية في منطقة تشكل فيها الدول العربية العدد الأكبر والأكثر امتلاكاً لمقومات الأمة، لم تتوفر في هذا الخضم فرصة لاستقرار الأمور لقطب عربي قادر أن يلعب دوراً إقليمياً، وخاصةً في الحفاظ على الأمن القومي العربي، وفي إرساء صيغة تعاون وتكامل عربي في مجالات الاقتصاد والتنمية والاستثمار، والتي يمكن لها أن تكون نواة لصيغة وحدة عربية حتى لو اتخذت مساراً تدريجياً.
وعندما نقف أمام ضرورة وجود قطب إقليمي عربي، لا بد من توفر أو توفير معايير القطبية الإقليمية وشروطها واتجاهاتها.
ولعل من أهم هذه المعايير الضرورية لأية دولة تتصدى لهذا الدور في واقعنا العربي هي:

أولاً: أن تمتلك هذه الدولة وربما إضافة لتحالفاتها مقومات القطب الإقليمي وحتى آفاق اللاعب الدولي، وهو أمر يحتاج إلى معادلة من الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد والقوة العسكرية والتماسك الداخلي والاستقرار والوحدة مع الشعب.
جميع هذه العوامل ضمن حساب نسبي ينبغي أن تتكامل لتوفير ناتج لمعادلة مؤهلة.
ولعله من الطبيعي جداً أن تكون دولة مثل مصر هي الآكثر امتلاكاً لناتج هذه المعادلة.
ثانياً: توفر الحافز الشمولي، وقد أثبتت التجربة وتقتضي الحاجة إلى امتلاك راسخ لأركان الرسالة للأمة العربية بأسرها تندرج في ثلاثة هي:
- فكرة العروبة كفكرة موحدة لدائرة هي الوطن العربي، الذي يمكن أن يتحول إلى قوة عالمية تسهم في الأداء الحضاري الإنساني.
- فكرة التحرير والتحرر من الاحتلال الأجنبي وفي المقدمة فلسطين التي تشكل ركناً لا يمكن قيام قطب عربي بدونه، حيث لم تقف قوة إقليمية على قدميها بدون غطاء فلسطين.
- فكرة العدالة والتنمية والكرامة وهي البرنامج والوعد للإنسان العربي من خلال إقامة الحكم الرشيد والاستثمار المشترك والتكامل واحترام حقوق المواطن ودوره ومشاركته.
يجدر التطرق إلى معادلة جوهرية لكل فكرة من هذه الأفكار:
* فكرة العروبة أو القومية العربية في إطار الوطن العربي كله. والتي يجب أن تنطوي على صيغة لا تتعارض مع التنوع الديني أو المذهبي أو العرقي وحقوق جميع هذه العناصر المكونة للأمة في هذا التنوع.
يمثل الإسلام دين الأغلبية وهو مرتبط بالعروبة إرتباطاً خاصاً، حيث أن لغة القرآن الكريم هي اللغة العربية، وقد أبرزت بعض آياته هذه الصفة.
لا بد من التكامل وضبط الإيقاع بين العروبة والإسلام على أسس سليمة، حيث أن فكرة العروبة ضمن بعض الخصوصيات تكون هي أساس وحدة المجتمع والدولة، بينما يكون الإسلام في مواقع أو خصوصيات أخرى أكثر توحيداً، وإذا كانت الوحدة في إطار الوطن العربي هي الهدف فإن من الضروري التكامل بين العروبة والإسلام.

ومن المهم التطلع إلى تطوير ديني وقومي لهذا التكامل.
ثمة اجتهادات تعتبر القومية متعارضة مع الدين الإسلامي وهو الأمر الذي حسمه القرآن الكريم في الآية الكريمة " يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ".
تقرر هذه الآية تكوين الناس شعوباً وقبائل وهي مصدر فكرة القومية، لأن القبائل في الأساس تعبر عن العرق.
وكذلك تقرر أن الهدف من جعل الناس شعوباً وقبائل أن يتعارفوا ومعنى التعارف هو الانفتاح الإنساني والتفاعلي الإيجابي بين الأمم والقوميات، والذي يمكن أن يصل إلى الوحدة بين من يختارها أو إلى منظومة الإنتماء الإنساني.
وتقرر أيضاً هذه الآية أن كل ذلك بدون تمييز عنصري أو شوفينية لأن أكرمكم عند الله أتقاكم.
من ذلك يمكن القول أن فكرة القومية العربية لا بد أن تتكامل مع دين الأغلبية في إطار استيعاب الأديان الأخرى والعرقيات الأخرى التي تدخل في إطار هذه الوحدة بدون تمييز.
كان لا بد من التطرق إلى هذا المعنى ليس لإصدار الفتاوي، فهذا الأمر له أهله وثقاته، ولكن لتوفير تكامل المعاني.
وعليه فإن هذه الآفاق القومية والتجارب وطبيعة تشكيل الوطن العربي تحتم المساواة في المواطنة دون أي تمييز بين أغلبية وأقلية، ومراعاة حقوق جميع الأطياف على كل المستويات. حيث يكون للمسيحيين والمسلمين بمختلف المذاهب والطوائف نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
قد تبرز فكرة العروبة كعامل راجح للوحدة في دول مثل مصر وبلاد الشام على سبيل المثال، بينما تبرز فكرة الإسلام كعامل راجح في دول مثل المغرب على سبيل المثال كذلك.
وهذا ما يجعل من الضروري تكامل الإيقاع.
من جانب آخر لا بد من الاعتراف للأقليات الدينية أو المذهبية أو العرقية بتمايزاتها وحقوقها الذاتية، بحيث لا يتم منع اللغات أو اعتمادها في الإطار الوطني أو الحد من الخصوصيات الثقافية وحرية الأديان، ينبغي الاعتراف المتساوي بحقوق الثقافة واللغة والدور للأقليات العرقية والمذهبية في إطار المساواة بين المواطنين ووحدة الأمة.
* تنطوي فكرة التحرر الوطني على التخلص من كل احتلال أو نفوذ أجنبي في الوطن العربي، وتبرز هنا مركزية قضية فلسطين ومهمة إزالة الاحتلال عنها لكل الأسباب والمعاني والآثار لذلك سواء: استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني أو الحقوق العربية في فلسطين، أو إزالة أهم عائق للوحدة والتواصل العربي بين مشرقه ومغربه، أو أزالة عامل الاستنزاف والتخلف ومناخ الصراع وسباق التسلح والأخطار وهدر الإمكانيات والفرص نتيجة لوجود هذا الاحتلال.
ينبغي على الأمة توفير كل الشروط اللازمة لتحقيق هذا الهدف الجامع لكل المشاعر العربية إسلامية ومسيحية. وتوفير كل الوسائل المجدية التي توصل إلى هذا التحقيق.
إن دعم وجود وبقاء أبناء الشعب العربي الفلسطيني في وطنهم هو محور مهم، وكذلك فإن قضية فلسطين هي مسؤولية قومية شاملة حتى وإن تطلبت ظروف الصراع والعلاقات الدولية إبراز العنوان الفلسطيني.
إن الموقف من فلسطين هو الركن الأقوى للقطبية الإقليمية.
* أما فكرة العدالة والتنمية فهي القضية التي تمس كل مواطن عربي وتتصل بإحتياجاته وبتوفير كرامته وتوفير الأنظمة والقوانين التي تحقق العدالة والمساواة وتوفير مقومات التنمية والتقدم والبناء النوعي للإنسان والارتقاء بالمجتمع وتأهيل الوطن العربي للتكامل والوحدة سواء الفورية التي تبدو بعيدة المنال الآن أو التدريجية، وتأهيله كذلك لأن يكون جزءاً من تحقيق رسالة الأمة العربية ضمن الأداء الحضاري الإنساني.
ثالثاً: لا بد لأي قطب عربي أن يساهم ويرعى حل الإشكاليات العربية سواء في إطار العلاقات الثنائية أو من خلال صيغ النظام العربي، يجب أن يكون قلعة للأمة ومرجعية في إطار التمييز العملي ضمن صيغة النظام العربي تقوم على أساس المساواة وتطوير هذا النظام وأن تستفيد من الوزن المميز للقطب العربي.
رابعاً: ينبغي للقطب العربي أن يتمتع بالتوازن في مضمار العلاقات الدولية على أساس رفض الهيمنة أو محاولات تقسيم الدول العربية والانكفاء بها حتى إلى ما دون القطرية.
ينبغي التمييز بين القوى الحليفة والقوى المعادية. ولا بد لأي قطب عربي أن يتمتع بدرجة من الاستقلالية وعدم الخضوع كمنطقة نفوذ لأي من الأقطاب الدولية.
ومن جانب آخر ينبغي أن يكون المعيار الاساسي في الموقف من أطراف التنازع الذاتي الحالي يستند إلى أساسين :
أ – التفريق بين الأطراف التي تصب مواقفها في هدف التقسيم وخلق كيانات متناقضة في إطار الدولة الواحدة وبين الأطراف التي تصب مواقفها ضد التقسيم والتدمير وضرب القوى العسكرية والإقتصادية.
ب – وكذلك التفريق بين الأطراف التي تقع في دائرة الهيمنة الأجنبية وبين الأطراف المؤمنة بالتحرر وعدم الخضوع.
يحتاج الوطن العربي إلى قطب إقليمي عربي تماماً مثلما تحتاج بعض الدول العربية إلى ضمان أمنها الاستراتيجي ليس عبر الإنكفاء وإنما عبر تأمين نطاقها الحيوي بأشكاله سواء في دائرة الجوار أو دائرة العوامل المؤثرة تأثيراً حيوياً.
ما زالت تيارات قائمة في الوطن العربي تتطلع إلى تجربة جمال عبد الناصر الذي تمسك به شعب مصر والأمة العربية حتى في ذروة هزيمة عام 1967 كتجربة مرشدة وكضرورة لاقتفائها.
لأن خط جمال عبد الناصر واتجاهه كان مميزا بهذه المعاني للقطبية العربية، وبالمعنى الأكبر لتطلع الإنسان العربي نحو العزة والكرامة.