وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الموْتُ في البحرِ أهْون مِنَ الموْتِ هُناك

نشر بتاريخ: 15/06/2015 ( آخر تحديث: 15/06/2015 الساعة: 17:29 )
الموْتُ في البحرِ أهْون مِنَ الموْتِ هُناك
الكاتب: عطا الله شاهين
تجبرني الحياة الصعبة في ظل حرب تطحن بلدي أن أسير إلى موتٍ بمحض إرادتي وأرى بأنّ الموْتَ هنا في البحر أهون من الموت هناك .. فها أنا أقف على رصيف الميناء أنظرُ للمركبِ المليء بلاجئين هربوا مثلي من بلدانهم التي دمرتها الحروب ..
كانتْ حبيبتي التي أحببتها منذ أيام الدراسة تحاول إقناعي بعم الرحيل عندما جاءت فجأة إلى ذاك الميناء الغاص بالمعذبين ، لكنني لم أسمعها ، وبقيت أنظر في عينيها وصامتا ، ففهمت من صمتي أنني مغادرٌ بلا رجعة مع أن حُبَّي لها لمْ يمنعني من المغادرة ..
فقبل تحرك القارب أقترتْ مني وهمستْ أجمل همسة لم أذكر بأنها همست من قبل بصوت حزين .. وغادرت تبكي.. وأنا أبكي لأنني تركتها لتموت في وطنٍ مدمر .. وقبل أنْ تغادر كُنتُ أقول لها الموت في البحرِ أهون من الموت هناك في بلدٍ تركته للتو..
وحينما بدأ القارب بالمخرِ انعزلتُ عن الصياح الذي يدوّي على متنِ القارب من أطفالٍ ونساءٍ وتوقّعتُ أن يأتي الموت سريعا لأن القارب بدا متهالكا ..
أذكرُ بأنّ طفلا أتى صوبي وقال ما أجمل البحر يا عمو فأنا لم أرَ البحر من قبل .. فقلتُ له بحر بلادنا أيضا جميل ، لكننا نموت هناك فلا نستطيع الوصول إليه بسهولة مع أنه على بعد أمتار من منازلنا... وسكتُ لبرهة أتأمل البحر لآخر مرة قبل أن أغوص فيه بكل ألمي.. فأنا أهرب الآن إلى الموت بإرادتي ففي داخلي شيء يحثني على الهروب من موتي هناك .. من عذاب هناك.. من ألمي هناك .. وبعد مرور عدة ساعات أذكر بأن عاصفة قوية قلبت قاربنا ، ورحنا فرِحين إلى الموت ، فالموت في البحر أجمل بكثير وأهون من الموت هناك في بلد تطحنه الحرب ..