وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أدونيس: لا تتحقق الديموقراطية ما دام الدين هو مرجع القيم

نشر بتاريخ: 22/06/2015 ( آخر تحديث: 22/06/2015 الساعة: 16:32 )
أدونيس: لا تتحقق الديموقراطية ما دام الدين هو مرجع القيم

بيت لحم - معا - نقلا عن السفير- شاركت أسرة وأصدقاء "السفير" في حوار مع الشاعر الكبير أدونيس.

كيف تبدو لك اليوم صورة ما يحدث في البلدان العربية؟
لا أعتقد أن أحداً تردد في الدفاع عن التحولات العربية والوقوف إلى جانبها. وهذا الانفجار كان محموداً ومطلوباً في تونس أو في القاهرة أو في البلدان العربية الأخرى. والجميع يعرف هذه التطورات، ولا أودّ الدخول في تفصيلاتها. لكن المأخذ الأولي عليها هو خلوّها من أي مشروع يشكّل خطوة نحو التغيير. ليس تغيير السلطة، بل تغيير المجتمع، وتغيير الأفكار، وتغيير الثقافة.

ولاحظنا أن وراء هذا الانفجار لم يكن هناك خطاب ثقافي تغييري، وأنّ الطابع العام لهذا الانفجار كان دينيا. ولاحظنا أيضاً أنّ المشروع السياسي لهذا الانفجار هو مشروع عودة إلى أصول خانها الناس ويجب العودة إليها، وهي أصول دينية بشكل أو بآخر.


إذا استثنينا القاهرة وتونس، لم يحدث تحرّك شعبي حقيقي وعضوي، بمعنى الانفجار لأسباب داخلية. فقد كانت الانفجارات اللاحقة خارجية أكثر منها داخلية. كنت أود أن أشاهد تظاهرة كبيرة تخرج من دمشق أو حلب، أي أن يخرج الناس إلى الشارع في تظاهرة لتغيير مجتمعهم، على غرار ما حدث نسبيا في تونس أو في القاهرة.

الملاحظة الأخرى، هي تحوّل هذه التحرّكات إلى حركات عنفية مسلحة، ما أفسح المجال لدخول عناصر من الخارج، مرتزقة، يمارسون القتال على الأرض. هذا الدخول في التفصيلات مهم إذا ما ربطناه بالتاريخ العربي.

باختصار، إنّ غاية الانفجار كانت تدور حول السلطة بهدف تغيير النظام، ولم يكن وراءها أي مشروع شامل على الإطلاق، فلم نشهد طوال تاريخ الثورات مشروعاً للتحرر يأتي من الخارج، لذلك فإنّ هذه التحرّكات قائمة على التبعيّة بشكل أو بآخر. واليوم، تبدو البلدان العربية أكثر تبعية للخارج من أي وقت مضى. فكيف يمكن أن نعيش حالة ثورية، في حين أن هذه الجماعات السياسية المسلحة تابعة لقوى الخارج ومرتهنة لها، وهو ما لم يحدث في تاريخ البلدان العربية، حيث باتت السياسة الأجنبية قادرة على احتلال العرب من داخلهم، وهذا الأمر يجب أن يرتبط بتاريخ معين وثقافة معينة.


ورد في كلامك عبارة: مشروع عودة إلى أصول خانها الناس ، ما يطرح علينا سؤالا جوهريا: هل النهضة التي انطلقت منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، لم تقدّم شيئا، بل كانت نهضة فاشلة؟

من دون شك، فحتى هذه النهضة نفسها كانت شكلا من أشكال العودة إلى الماضي.


إذاً، ما هي الرؤية التي نرتبط بها دينيا، ثقافيا واجتماعيا؟ بمعنى ما هي هذه الرؤية التي أسست ما نسميه المجتمع العربي؟


إذا قرأنا التاريخ العربي والنصوص الدينية، والنص القرآني خاصة، نرى أن الرؤية الإسلامية إلى الإنسان والعالم، كما سادت وكما تمأسست، تقوم على العناصر التالية: أولا، محمد خاتم الأنبياء، أي لا نبي بعده.

ثانيا، الحقائق التي نقلتها النبوة المحمدية في كل ما يتعلق بالدين وبالغيب وبالقيم الناتجة من هذه العلاقة، أي الأخلاق والمعاملات، هي حقائق نهائيّة، ولا حقائق بعدها.

ثالثاً، أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، فهو إذاً يجبُّ ما بعده بالضرورة. إذاً الفرد لا حقّ له في أن يعدّل، أو أن يغيّر، أو أن يضيف، أو أن يحذف، بل تقتصر حريته على أن يطيع وينفذ.

ما يعني أنه يعيش في عالم مغلق لا تقدّم فيه. ولا معنى للتقدّم هنا، لأن التقدّم الأقصى قد أنجز في الوحي الذي لا حقائق بعده. والزمن هو فرصة كي نعيش هذا الأصل الأول. فالزمن، هنا، لا يحمل المستقبل، بل هو ممارسة لا نهائية لتأصيل الأصول التي نشأنا عليها فكريا وروحيا. لذلك، نحن لا نقرأ أيّ مفهوم للتقدّم في التاريخ الإسلامي كله. ولا توجد حرية، ولا معنى للحرية في هذه الرؤية. حرية الفرد في هذه الرؤية، هي حريته في أن يكون مسلما وأن يمارس الإسلام، وبالتحديد الإسلام الذي ساد.


الإسلام نشأ عنفيا- كيف ساد الإسلام؟
الإسلام لم ينشأ كتبشير غير عنفي، بل نشأ، منذ البداية عنفياً. فالسيدة خديجة على سبيل المثال كانت تاجرة، ونبينا بدأ حياته في التجارة، والخليفة الأول كان تاجراً، والخليفة الثاني كان تاجراً أيضاً، وكذلك الخليفة الثالث...

ونشأ الدين كتجارة ومال، أي سلطة. ويجب أن نتساءل: كيف أنّ هذه النشأة قسّمت فوراً العرب. فقد كان العرب المسلمون قسمين: قريش والأنصار. والأنصار هم من ناصر النبي ودافع عنه ضدّ قبيلة قريش. وكيف أُقصي الأنصار حينما أفصح سعد بن عبادة الأنصاري عن طموحه في السلطة حين قال: منكم أمير ومنّا أمير، وكان القصد إحداث نوع من الشراكة مع القرشيين.

وعلى هذا الغرار بقيت قريش نفسها مقسومة، فحتى داخل قريش، صرّح الخليفة الثاني أنّه لا يحق لبني هاشم أن تكون النبوة والخلافة فيهم. بل إذا كانت النبوة فيهم فإن الخلافة يجب أن تكون في غيرهم. والخمسون سنة الأولى من تأسيس الإسلام كانت كلها قتالا قرشيا ـ قرشيا، أمويا ـ هاشميا. إذاً نشأ الإسلام في مناخ تجاري سلطوي عنفي. أي أن العنف كان جزءاً أساسياً من البنية الثقافيّة التي عشنا فيها طوال هذه الحقب.


طبعا لا يتفرّد الإسلام بذلك. جميع الرؤى الوحدانيّة الدينيّة تشترك في مثل هذا الأمر بشكل أو بآخر، لكن مع بعض الفروقات. والفارق الأساس هو فارق ثقافي. فالديانة المسيحيّة لم تبدأ عنفيّة، بل جوبِهَت هي نفسها بالعنف. كما أنّها تطوّرت في أحوال مختلفة كليّاً عن الوضع الإسلامي. وكذلك الديانة اليهودية ذات النشأة الغربيّة ثقافيّاً. فقد تطوّرت هذه الديانة، بعد أن تعرّضت لانفجارات عدة، من نوع آخر، أدّت بالتفاعل إلى فصل الدين عن الدولة.


أنت تعتبر أنّ المشكلة تكمن في الجذور، وهذه المسألة تحتاج إلى نقاش. إذ إنّ الشعوب العربيّة مرّت بأطوار عديدة منها الطور التأسيسي الأوّل وصولاً إلى الطور الكولونيالي وبالتالي يتراءى كأنّ المسألة هي مسألة أديان، مسألة الإسلام واليهودية والمسيحية.


أنا لا أقول إنّ المشكلة تكمن في الأصول. إن المشكلة تكمن في قراءة الأصول. المشكلة ليست في المسيح، بل كيف تمّ فهم المسيح. المشكلة هي كيف نقرأ النص. فالأصول تمأسست في ظلّ قراءات سلطويّة وسياسيّة. ومع ذلك لا أقول إنّ الخطأ فيها وحدها إنما أقول إننا لا نستطيع أن نفهم ما يجري اليوم. ولا نستطيع أن نفهم حتى داعش أو النصرة أو التيار الديني السائد ما لم نفهم هذه الأصول ونصوصها التأسيسية، لأن داعش لم تأتِ من فراغ. داعش جزء أساسي من التاريخ الإسلامي وهي أيضا جزء أساسي من الحاضر.هذا يثبت وجهة نظري أكثر. هذه حجة إضافية على أنّ هذا الماضي لا يزال حاضرا.


الأصول
لماذا تهيمن الدعوة الدينية ولا تهيمن الدعوة الليبرالية أو الدعوة الاشتراكيّة مثلاً؟


أزعم أننا لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا إذا فهمنا الأصول: كيف تطوّرت وكيف لا تزال تحيا حتى اليوم. في الشارع نحن نعيش أصول عمر وأبي بكر وعثمان، وأتباعهم هم الذين يطلقون النار ويستولون على السلطة... لماذا غابت القوى الأخرى المناوئة للقوى الدينية. هذا سؤال استطرادي.


تمّ إقصاؤها وإلغاؤها.

لا أحد يستطيع أن يقصي إنساناً فاعلاً مستعداً للموت. لا أحد.


ألا يوجد أثر ما للعولمة التي تجاوز عمرها اليوم الأربعين سنة؟ بمعنى أننا شهدنا في سياق هذه العولمة الجديدة انهيارا للدول، وانهيارا للأفكار، وتهميشاً لفئات كبيرة جدا من المهاجرين إلى أوروبا، ومنهم المسلمون بالتحديد. ما الذي يدفع شبانا مسلمين من أوروبا وإنكلترا وألمانيا والشيشان... إلى أن يأتوا ويقاتلوا في سوريا والعراق؟. هل تجد أن هناك رابطاً بين هذه العوامل وإطلاق هذه القومة الإسلاميّة؟


جوابي هو سؤال آخر: لماذا انفجرت في العولمة هذه القوى الدينية ولم تنفجر القوى الأخرى المناوئة؟ لماذا احتضنت العولمة هذه القوى الدينية ولم تحتضن القوى الأخرى الحية في المجتمع والتي تمتلك مشروعا للمستقبل؟ ما يعني أنّ ثمة شيئاً آخر وهو أن الشعوب، مع الأسف، ليست هي التي انطلقت بنفسها وثارت، بل ثارت قوى أخرى.


تقصد هنا انطلاقة الثورات لا مصيرها؟
المهم النتائج وليس البدايات. طبعا هناك استثناءات. ولكن في سوريا مثلا، فإن ثلث الشعب هاجر. لا يوجد شعب في العالم يهاجر ونستمر في تسميته بأنه شعب ثوري.


الجماهير المدنية التي شاركت في الثورة أصبحت خارج الفعل. اليوم من يقاتل في سوريا؟ معظم المقاتلين جاء من الخارج. مَن يقاتل في الأرياف ليس الشعب. فقد حصل تحوّل هائل حتى ما عاد بإمكاننا تسميتها لا ثورة ولا انتفاضة. هناك حرب حقيقية الآن تجري في سوريا ذات طابع أهلي وطائفي.


ليس الشعب الذي نتحدث عنه ونتمنى أن يثور هو الذي ثار. والدليل سوريا. ونحن جميعنا، وأنا أوّلهم أقف إلى جانب تغيير الأنظمة. لكن نحن بحاجة إلى أن إلى نفهم ما يجري. باختصار، أستطيع أن أقول إنّ الأنظمة لم تكن هي الهدف على الإطلاق. كانت الأنظمة مجرّد أداة، لأنّ الهدف الأساسي هو تدمير البلاد.


القوى الأجنبية- من الذي يريد أن يدمّر هذه البلاد؟
القوى الأجنبيّة. كما حصل مع تدمير النظام العراقي، أو النظام الليبي، وكما يحصل في سوريا الآن. كيف تقود القوى الرجعية والقوى الأجنبية الثورة؟ في العالم كله وفي جميع مراحل التاريخ، هل من ثورة قادها رجعيون ومرتهنون للخارج؟


في تاريخنا الحديث، الإخوان المسلمون الذين ظهروا في مصر سنة 1928 كانوا رداً على الدولة الديموقراطية الحديثة، أو الصعود الديموقراطي الليبرالي الحديث. برأيك هذه الموجة الهائلة التي نشهدها الآن هي رد على ماذا؟ خاصّة أنه لم يكن لدينا أي مشروع للديموقراطيّة، ولم تسمح القوى الأجنبية بتأسيس دول علمانيّة في المنطقة قائمة على الديموقراطية.


صحيح، لنتخذ أميركا مثلا. أعطني مثلا واحدا على أنّ السياسة الأميركية وقفت إلى جانب الشعوب المستضعفة أو المرتهنة وحرّرتها أو ساعدتها في التحرر.

أميركا هي أول دولة استخدمت القنبلة الذريّة ضد البشر. والنظام الأميركي نفسه قام على إبادة شعب بكامله أي الهنود الحمر. ومع ذلك فـ الثوار العرب مغرمون بأميركا. ما يحدث في العالم العربي غير معقول. في ليبيا مثلاً، ونحن جميعا كنا ضد القذافي، هل يعقَل أن تدمّر البلاد بهذه الطريقة؟ والأمر نفسه في سوريا ينطبق على العراق. أي ثورة عدوّها تمثال أو متحف أو جماعة مثل الايزيديين حتى تتم إبادتهم؟


إذاً ما هي الرؤية التي يمكن أن نرتبط بها كمجتمع عربي؟
المشاريع والأفكار والمستقبل تولد على نار التحليل. لا توجد رؤية جاهزة سلفاً. إذا لم نفهم حالنا فلا يمكن أن نخرج إلى أيّ أفق، بل سنبقى غارقين في مشكلاتنا. الآن في معمعان الثورة، التي هي ميدان الحرية والتحرّر، نجد أنّ المفكّر بات معرضاً للخطر أكثر مما كان في أيام الطغيان. هل هذا معقول؟ إذا كان الإنسان المفكر غير حرّ في جسده، وغير حرّ في رأيه أو تفكيره، وغير حرّ في تنقلّه في زمن الثورة، فكيف نفكّر؟ أين الثورة؟ هناك خلل، ونحن نعمل على حجبه مع الأسف لسبب أو لآخر.


لذلك أقول إن في ضوء فهم الاصول والجذور نستطيع أن نفهم ما يحدث الآن في شكل أدقّ. فلا يمكن النظر إلى ما يحدث في الدول العربية الآن، كأنه شيء منفصل عن التاريخ، أو كأنه مفاجئ، بل كجزء متأصل. طوال أربعة عشر قرناً لم يستطع العرب تحقيق المواطنة. بينما حقق الرومان ذلك في جميع أنحاء الامبراطورية، ومنحوا الجنسيّة الرومانيّة لجميع الرعايا. العرب لم يستطيعوا أن يفكّكوا بنية القبيلة ولا بنية العشيرة، ولا البنية المذهبية. لم نقم بأي شيء جذري.


إذاً لا تزال المفاهيم ثابتة، ولم تتحوّل بالمعنى الجوهري للرؤية.


طبعاً، من دون شك. المشكلة في تطبيق النظرية والرؤية. وإلا فكيف نشأ المأمون إذاً؟ كيف أنّ خليفة كالمأمون قرّر أن يترجم الآخر المرفوض كليا؟ كيف نشأ شاعر مثل أبو العلاء المعري أو الراوندي؟ لماذا لم يكن الخلفاء الأمويون مثل عبد الملك بن مروان الذي كان يستقبل شاعرا مسيحيا اسمه الأخطل وهو سكران ويقول له:


إذا ما نديمي علّني ثمّ علّني
ثلاث زجاجات لهنّ هديرُ
خرجتُ أجرّ الذيل مني كأنني
عليك أميرَ المؤمنين أميرُ


وفي الوقت نفسه قتلوا عمر بن عبد العزيز لأنه كان منفتحاً! ومقابل ذلك كيف لا نجد شاعرا عربيا واحدا كان مؤمناً؟ إن ذلك يشير إلى أن الإسلام سلطة ومال وليس ثقافة. أي لم يكن هناك سياق تاريخي لمشروع حقيقي تغييري. كان هناك مشروع سلطة وخلافة، كما يقول التراث الإسلامي: المُلك لمَن تغلّب. الخلافة لمن غَلَب. ليست هناك رؤية ثقافية على الإطلاق، بل تناقضات غريبة.


هل من الممكن تكوين جبهة مدنية عربية علمانية؟
هذا مشروع، ويجب أن يتحقق. أنا أعتقد أنه بدلاً من الدعوات القومية الواحدية العربية على طريقة القرن التاسع عشر والقرن العشرين، يجب العمل على أساس مدني علماني.


ألم تفشل ثورة الليبراليين وثورة عبد الناصر، واعتُبر ذلك الزمن زمن الخيبة؟
ماذا فعل الليبراليون؟ وماذا فعل عبد الناصر؟ إذا أردنا أن نقارن ثورة عبد الناصر بثورة ماو في الصين. فالزمن هو نفسه، أي سنة 1958. لنتأمل منجزات ماو، ونقارن كيف أنّ عبد الناصر لم يستطع تأسيس جامعة واحدة ذات مستوى عالمي. أعود وأقول إن من دون تحويل قراءة الدين إلى قراءة جديدة، بحيث لا أحد يحارب أحداً، وتصبح جميع الأديان عبارة عن إيمان شخصي فردي حرّ، ويكون دين المجتمع هو الإنسان وحريته وحقوقه، فإن من دون ذلك لا يمكن إنجاز أي تقدّم.
 والديموقراطية؟


أول شروط الديموقراطية هي الاعتراف بالآخر، وأن تعترف بالآخر ليس على سبيل التسامح، بل على سبيل المساواة. وهذا مستحيل أن يتحقّق ما دام الدين هو مرجع القيم. إذا أردت أن تتحدّث عن الحرية أنت بحاجة إلى إنسان فرد يكون مسؤولاً فعلا، ولديه ذاتية مستقلة، ويكون سيّد نفسه ومصيره. لا يمكن أن تتحدّث عن الحرية في حين أن أي مواطن لا يستطيع مهما علا شأنه وثقافته، ولو كان عبقري زمانه، أن يتسلم منصباً إلا على أساس طائفي كما يحدث في لبنان مثلاً. لذلك، فإنّ لبنان، وجميع العرب، يدورون في حلقة مفرغة.

أمضينا العمر لا نسعى إلا إلى تغيير السلطة، واستبدال وزير بآخر ألطف منه، أو أكثر معرفة منه، ولكن ليس بإمكانه تغيير أي شيء أو القيام بأي شيء. نحن العرب، على مدى قرن، لم نقم بأيّ شيء سوى تغيير السلطة وتغيير الأنظمة. مئة مرّة غيّرنا الأنظمة، ولكن ماذا غيّرنا مع الأنظمة؟ لم نغيّر شيئا، لا التربية ولا المدرسة... هذه القوى التي أطلقتم عليها صفة الخيبة ليست خيبة، هي نفسها كانت الخيبة، لأنه لم يكن لديها أي مشروع.


كان هذا المشروع مشروع نخب. ماذا قدّمت هذه النخب، وأين هي الآن؟


هُزمت، وحلّ محلها، في هذا الفراغ، القوى الإرهابية الحالية التي لها جذور تقوم عليها وتنادي بالعودة إليها وتحكم وتقتل باسم الدين.
ماذا نفعل؟ هل نستسلم لذلك؟


ما عاد في إمكان النخب تكرار ما قامت به سابقاً. خطابها الماضوي انتهى. يجب البحث عن خطاب آخر. قلت وأكرّر، لا يمكن هذه القوى الحيّة الجديدة اليوم أن تشتغل إلا على أساس مدني علماني. وإلا لا معنى لعملها كله. وإذا لم تعمل على هذا الأساس الواضح والمباشر، ستقع في المطب نفسه الذي وقعت فيه الحركات القومية والحركات الوحدويّة السابقة. وأنا قلت ذات مرة أن علينا تأسيس جبهة مدنية على امتداد العالم العربي.


إلى أي مدى يمكن تطبيق هذا الحل على أرض الواقع؟
لا أعرف إلى أي مدى يمكن تطبيقه. إنها أفكار نتداولها. المهم كيف نستبصر ونستكشف ونغيّر أساليب العمل السابقة التي فشلت في التغيير. هذا هو المهم. لا توجد حلول جاهزة إلا في الدين والإيديولوجيات. ونحن جرّبنا الدين فقتلنا، وجرّبنا الإيديولوجيات فقتلتنا.


في ظل هذا الانهيار هل إن من الممكن إعادة صوغ هذا الخطاب بطريقة ما؟


نعم طبعاً، لأن من غير الممكن الحكم على الشعوب بالنفي أو السلب.


ولكن هل النخب العربية هي علمانية؟


هناك سياق تاريخي عربي انكسر نهائياً هو السياق الذي عشنا فيه، وهو استمرار لعصر النهضة. إنه السياق الوحدوي والقومي العربي الذي وجد تجسيده الفعلي في جامعة الدول العربية. لا يوجد أي شيء آخر. نحن، على الرغم من ثرواتنا الطائلة الهائلة لم نتمكّن من إنشاء جامعة واحدة ذات قيمة في العالم. لم نتمكّن من إنشاء مركز للأبحاث في أي ميدان. لم نتمكّن من إنشاء متحف حديث له قيمة.

جميع المنجزات التاريخية التي هي علامة النمو والتقدّم، لم نحقق منها شيئاً. وإذا قارنّا ذلك، في عصر الانقلابات المعرفيّة في القرن العشرين، وجدنا أنّ هناك دولاً أفريقية، ليس لها تاريخ كتاريخ الدول العربية، وليست عريقة كالعرب، لكنها أنجزت خطوة إلى الأمام لم يستطع العرب أن يقوموا بمثلها. نيجيريا مثلا. العرب ليس لهم حضور خلاق كأمم وشعوب، بل هم، في نظر الخارج، مجرّد فضاء إستراتيجي، ومجرد ثروات.


نحن العرب أفراد كسالى، يجب أن ننتقد أنفسنا دائماً. كما تقول الآية: إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. خذ مثلا الشعر العربي، وهو من أهم ما كتب في العالم. وحتى الآن لم تتم كتابة أي بحث عن جمالية اللغة الشعرية.


وماذا عن الجرجاني مثلاً؟
الجرجاني تحدّث عن لغة القرآن واستشهد ببعض الأبيات الشعرية فحسب. إن ما قام به المأمون، وهو خطوة هائلة على صعيد الترجمة التي ربطت العرب بالغرب. لكنّ هذه الخطوة ماتت. إذاً، الأفراد هم من كانوا يقومون بتلك الأمور، وليس النظام أو الرؤيا أو المنهاج.


هل المواطن العربي لا يستطيع القيام بأيّ حراك لأنه مكبّل بالدين؟ أي أن سبب العجز يعود إلى الدين وحده؟


ليس هذا السبب الوحيد طبعاً، ولكن هذا يشبه السكنى في منزل مقفل. كيف سنخرج؟ علينا أن نفتح الباب، أي فصل الدين عن الدولة، أي أنّ مدنية المجتمع هي الخطوة الأولى. ولكنها ليست كافية طبعاً. الديموقراطية في أوروبا نشأت منذ عدّة قرون. وحتى الآن ما زال الأوروبيون يواجهون المشكلات. هذه مشروعات منفتحة، ليست لديها حد تقف عنده، بل هي في تطوّر دائم. ولكن من دون علمنة المجتمع ومدنيته لا نستطيع أن نقوم بأيّ شيء. ولدينا مئتا سنة تجربة يجب أن نختبرها. كان هناك مفكرون في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مفكرون كبار، أبدعوا أفكاراً مهمة. حتى أنّ بعضهم كان أكثر جرأة منا نحن اليوم. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ يجب أن نتأكد أن المجتمع لا يتغير إلا إذا تغيّرت المؤسسة.


هل استطعنا، طوال تلك الفترة، أن نبني مجتمعا؟
السلطة وحدها


كلا، لأننا لم نهتم بذلك، اهتممنا بالسلطة وحدها. الإسلام سلطة. وثقافة السلطة كانت دائماً هي المهيمنة. السلطة العنفية لمَن غلب. وإذاً، كلامنا عن الديمقراطية، وعن حقوق الإنسان وحرياته لا معنى له إلا إذا غيرنا هذه النظرة.


ماذا عن محاولة إصلاح الدين؟
الدين لا يتم إصلاحه. الدين إما أن تؤمن به أو لا تؤمن.


هذا ما يدفعنا إلى الانتقال إلى نقطة تتحدّث عنها دائما، وهي نظرتك إلى الثقافة العربيّة الآن. وهي غير قادرة أن تتخذ لها مكاناً في خضم ما يجري الآن، بل تبدو على هامش الصراع الدائر حالياً.


قبل الإجابة عن هذا السؤال، أعطني مثقفاً عربياً واحداً، من المحيط إلى الخليج، طرح سؤالاً أساسياً واحداً على الإسلام. أعطني كتاباً طرح سؤالاً عن قيمة الوحي معرفياً اليوم. كيف ستنتج معرفة في نظام ثقافي يهيمن عليه الوحي. مَن ساءل الوحي؟ مَن طرح سؤالا عن كينونة المرأة في الإسلام ككائن حر مستقل سيّد نفسه وسيّد مصيره؟ ليس هناك مفكّر عربي واحد طرح مثل هذه الأسئلة على الإسلام. الماركسيون وضعوا الدين بين هلالين واعتبروه توفي.

أقصى ما وصل إليه المفكّرون العرب أنهم اعتبروا أن من الضروري قراءة النص الديني بصفته نصاً تاريخياً. بمعنى أنّ النص القرآني نشأ في ظروف معينة، هذه الظروف تغيّرت، لذلك يجب النظر إليه كنص تاريخي. ولكن لا يكفي أن نقول إنه يجب النظر إلى النص الديني كنص تاريخي. يجب أن نسأل ما هذا النص؟
لم أطرح الأسئلة الأساسية


 تقول إنّ الثقافة الحالية لم تطرح أي سؤال، ماذا طرحت أنت كمفكّر عربي؟
على الرغم من جميع الاتهامات التي وُجّهت إلي، لم أطرح أي من هذه الأسئلة الأساسية. أنا لم أسأل ما القيمة المعرفية للوحي، ولم أعالجها. صحيح أنني أشرت إليها، ودرت حولها لكنني لم أجابهها. أنا لم أجابه السؤال الأساسي الآخر، وهو المرأة. اليوم يتم وضع النساء في الأقفاص وبيعهنّ بقروش، ولم يصدر بيان رسمي واحد يدين هذا الموضوع! أين نعيش؟ يجب أن نجابه هذه الأمور كلها بصراحة كاملة وإلا لن نستطيع أن نخرج من هذا المستنقع.


هل فضحت داعش صراحةً هذه الأفكار والخلفيات الدينية السائدة؟


لو قرأنا التاريخ جيداً لما كنا بحاجة إلى داعش . وإلى شناعة مثل هذه. وما يزيد الوضع سوءاً هو أنّ بعض المناهج العربية لا تسمح بالاطلاع على كتب مهمة وضرورية، حتى أنّ بعض المكتبات الأساسية تحجب عن الطلاب كتب ابن رشد!


بالانتقال إلى الثقافة والأدب، ترد في قصيدة الوقت العبارة التالية: قل لنا يا لهب الحاضر . أنتَ ماذا ستقول؟
لا أدري، يا ريت أعرف . هذا يعكس أزمتنا. يجب ألا نقارن أنفسنا بالغرب. أي هل كان الغرب سيئاً أو عظيماً. ولكن، مع ذلك، حقق الغرب خطوات أساسية في صراعه ضد الدين خصوصاً، وفي ثورته الصناعيّة. والمثقف في الغرب، أصبح جزءاً عضوياً من بنية المجتمع، يعبّر بحرية عن أفكاره، ولا أحد يسيء إليه أو يعاقبه.

بهذا المعنى، لدى المثقف قدرة على التأثير، لأنّ المجتمع، في الجامعة والمدرسة والحياة العامة، يعترف بالمثقف ككائن مستقل موجود. أما في ثقافتنا العربية، وهي ثقافة وظيفية، والمثقف موظف، فلا تتم قراءة النص كنص، بل يُقرَأ كاتبه. مَن هو؟ ما هي انتماءاته؟ في أي حزب هو؟ أما النص فلا يُقرَأ.

والمثقف العربي إجمالا تابع أو موظف ليست لديه حرية كاملة. إذا كنت لا أمتلك حرية جسدية كاملة، والجسد جزء من هذه الحرية، مثل العلاقة بالله والمرأة، وإذا لم أكن قادراً على التعبير بحرية كاملة عن هذه الأمور المرتبطة بي، عما سأعبّر؟ عن أفكار عامّة؟ في آدابنا، نجد، في الرواية مثلا، نساء جريئات يتحدّثن عن علاقة جنسيّة كاملة. لكن العلاقة الجنسية جزء بسيط من ثقافة متكاملة.

أي لا تستطيع، عبر هذا الأمر الذي تتحدّث عنه، أن تزلزل قيماً، وأن تزلزل مجتمعاً وثقافة اجتماعيّة أو تاريخيّة... دائما تأتي الكتابة في الإطار الفردي الخاص، وهي خطوة جيّدة في أي حال ولكن إذا تناولناها على مستوى الجرأة، نجد أنهم كانوا في الماضي أكثر جرأة. الكاتب اليوم، إذا لم يزلزل التاريخ بكامله، لا يستطيع أن يفعل شيئاً. وحتى يزلزل التاريخ بكامله يجب أن يكون حراً. وهذا ما نفتقده في عالمنا العربي اليوم.


الشعر- فيما يتعلق بالشعر، لديك موقف سلبي مما صار إليه الشعر العربي.
 أولا، أود أن أذكّر، أنه إذا ما كان هناك أي شخص في العصر الحديث نشر للشعراء الحديثين وشجّعهم، فهو أنا. لذلك كان موقفي دائما مع كل ما هو جديد.

 والذي قمت به من أجل الشعر، قمت به من أجل الفنون الأخرى كالرواية والفنون. لكن حتى تكتب قصيدة جميلة وعميقة عن وردة مثلا، عليك أن تعرف بيولوجيا وتاريخ وعلم البيئة. نحن العرب نكتب قصيدة عن وردة قد تكون جميلة، لكن فكرنا محصور في هذه الوردة نفسها. لا يوجد أي خلفيّة إنسانية أو ثقافية خلفها. القصيدة يجب أن تكون شريحة كبيرة، ضمن حدودها.

يجب أن يشعر القارئ أن هذه القصيدة مفتوحة على جميع الاتجاهات، كالرواية التي يجب أن تكون شعراً وفلسفة وتاريخاً. هناك بعض الشعراء يكتبون قصائدهم ويطبعونها، وعندما يصعدون المنبر يجهلون كيفية قراءتها! هذا لا يطاق. ثمّ تسأل أحدهم هل قرأت المتنبي؟ أبي نواس؟ يضحك! إن من لا يقرأ اللغة التي يكتب بها، ولا يعرف جماليتها، كيف سينتج جمالا جديدا؟


 ما هو أهم نتاج عربي الآن؟
أهم نتاج عربي هو الفن التشكيلي. صار أهم من الشعر. أصبحت لغة الشعر مسوّرة، هناك كلمات، إذا ما دخلت القصيدة أو الرواية، تمنع سلطات الرقابة الديوان والرواية! الفهم الديني السائد دمّر اللغة العربية لأنه حدّدها، إما بحجة دينية وإما بحجة تشويه اللغة من خلال استخدام بعض المفردات، في حين أن العرب القدامى لم يكن لديهم أي حاجز على الإطلاق. كانوا يستخدمون كلمات يونانية أو فارسية ويعرّبونها. اللغة العربية مليئة بكلمات أجنبية. لذلك فإن اللغة العربية تختنق اليوم. أنا أفضل كاتبا يكتب رواية باللغة العامية على كاتب يكتب لغة عربية كرشونية .


لكن اللغة تمرّ بمسار طويل فيه منعطفات وتحولات.


هذا مؤكّد، ولكن على الإنسان أن يحترم أدواته.
 هل ستموت اللغة العربية؟


لا أحد يعلم. إذا كانت اللغة اليونانية التي كتب بها أرسطو وأفلاطون ماتت، علاوة على لغات أخرى ماتت... فلا يوجد أي مانع يحول دون موت اللغة العربية.

المأساة الكبرى، هي أن هذا الإسلام الذي جاء بهذه الثورة اليوم، يتحوّل إلى الهرب من كل تجربة روحيّة كبرى، ليصبح مجرّد سلطة. لدينا مليار ونصف المليار مسلم في الكرة الأرضية، ليس فيهم مفكر إسلامي واحد.


اللغة العربية تعيش أزمة كبرى، ومَن لديه أولاد يعي هذه الأزمة ويعيشها جيداً. والمشكلة ليست في اللغة العربية، فهي لغة عظيمة، بل تكمن مشكلتها في طرق تدريسها. مشكلتها ثقافية، أي أنّ مشكلة اللغة العربية تأتي هي من خارجها، وأول أسباب ذلك الدين الإسلامي، واعتبارها لغة مقدّسة.


لكنها سبق أن عاشت عصور نهضة وانحطاط.


عصر النهضة أحيا اللغة التقليدية. التي كانت فقدت حيويّتها، وفقدت شعريّتها. من أحمد شوقي إلى حافظ ابراهيم، هؤلاء أحيوا النماذج التقليدية القديمة، ولم يحيوا اللغة التي نشأت في القرنين الرابع والخامس الهجريين، حين تمرّد الشعراء، أول مرة، على النموذج العربي. لم يتكلّموا على الأفكار والآراء والقضايا، بل تحوّلوا إلى الحديث عن القنديل والكرسي، أي خلقوا لغة يوميّة شعريّة بديعة جداً. وصار الشعر يتكلّم على الأشياء وليس على الأفكار. وبدلاً من أن يكملوا بهذه الطريقة اعتبروه انحطاطاً، في حين أنني أراه من أجمل عصور الشعر العربي. وهؤلاء أحيوا القصائد التقليدية كالتي ظهرت على أيدي البحتري وأبو تمام والمتنبي، والتي كانت جميلة في زمانها، لكنها استُنفِدَت كلغة شعرية. لذلك أنا أرى أنّ عصر النهضة هو عصر انحطاط على مستوى اللغة. وكأن هناك في البنية العقلية السائدة ما هو ضد كل ما هو حديث. حتى قصيدة النثر، لم تدخل الذائقة الأدبية العربية، ولا تزال بعض الجامعات ترفضها.


هذا يقودنا إلى مستقبل الشعر.
 ما دام الحب موجوداً فالشعر موجود.

جيل اليوم يعود إلى الكلاسيك. يكتب قصيدة موزونة على غرار التفعيلة. كيف تفسّر ذلك؟
أعظم شيء في الشعر أنه لا يُحدّد. متى حدّدت الشعر قتلته. وهو قابل لأن يتخذ جميع الأشكال. المهم اللهب داخل الموجود في اللغة التي يكتب بها الشاعر.
المسكوت عنه

ما هي أسوأ الفنون اليوم؟


الكلمة العربية تعبانة من جميع النواحي. ما هو الفن إجمالاً؟ أن تعطي أسماء جديدة للأشياء، وأن تسمّي الكون من جديد. الكلمة اليوم قاصرة عن ذلك، إما بسبب منها، أو منا، أو بسبب الوضع الثقافي العام والوضع السياسي. هناك انهيار هائل بحيث أن الكلمة باتت مقصوصة الأجنحة، ما عاد في إمكانها أن تقدّم مشروعاً. وهي ظاهرة موجودة في أوروبا أيضاً. يمكن أن تترجم في الخارج بسبب طغيان العصر الصناعي والانترنت. جميع ذلك يضعف النتاج الشعري.

الأمر نفسه ينطبق على العالم كله حيث هناك عناصر تفسّر هذه الظاهرة. ولكن في العالم العربي كيف يمكن تفسير ذلك؟ ليست لدينا تقنيات أو صناعات، ولا نزال مجتمعاً رعوياً طائفياً وقبلياً... حياتنا كلها مشكلة. وأعتقد أن ما يعذبنا أكثر أن في تاريخنا الثقافي المعاصر لم نجابه المشكلات بصراحة، ولم نحلّلها ونفكّكها كي نعرفها.

وأنا أستغرب يا عرب كيف أنّ بلداً مثل تركيا، حيث ظل العثمانيون على مدى أربعمئة سنة يدمّرون العرب لغة وثقافة وتاريخاً وها هم قادة العرب يتوسلونهم. لا يوجد أسوأ من تاريخ كهذا، أي أن تكون تركيا قائداً من قادة الثورة العربية. يجب أن نتعاون جميعنا كي نكشف الخلل ونسعى إلى القضاء عليه. المسكوت عنه في المجتمع العربي هو ميدان الكتابة والشعر. ونحن نطوّق المسكوت عنه أكثر فأكثر ونتحاشاه أكثر فأكثر.


لكن هناك كشف للمسكوت عنه.
 في إطار واحد. المرأة تتحدّث عن جسدها بحريّة، لكن هذا لا يكفي. خاصة أن الجسد المحكي عنه هو جسد ثقافي، في حين أنّ الجسد الذي يجب أن ينفجر هو الجسد الخاص، الحميم، الأنثوي، جسد الهواجس والأحلام والحريات... بحيث أنك إذا قرأت رواية لسيّدة أو رجل، لا تقرأ ما يشبهها عند آخر. أقرأ جسداً معيّناً بمشكلات محدّدة، لأنه بذلك سوف يضطر كاتبه إلى أن يخرج من الثقافة العامة إلى ذاته. لا يوجد أي إنسان يحلم الحلم ذاته الذي يحلمه آخر، حتى لو كان شقيقه. نحن نشترك في العموميات فحسب. لذلك لا تزال ثقافتنا وكتاباتنا في إطار المشترك العام، الذي هو نقيض كامل للإبداع الخاص.