وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مطالعة راهنة في ظل سرية المفاوضات ....

نشر بتاريخ: 31/07/2015 ( آخر تحديث: 31/07/2015 الساعة: 11:00 )
مطالعة راهنة في ظل سرية المفاوضات ....
الكاتب: يونس العموري
من الوضح ان المسألة الفلسطينية قد دخلت في مرحلة جديدة يمكن تسميتها بالصراع الداخلي المتأجج الذي يرتبط بشكل او بأخر بالمشاريع الإقليمية الدولية المتناحرة على ساحة الفعل السياسي الدولي في اطار اصرار راعي المنطقة (البيت الأبيض) على اعادة ترتيبها من جديد، ولعل السؤال الأكبر والأبرز والإستراتيجي الذي يطرق رؤوس الجميع وينهك وعي الجميع، هو لماذا كل هذا الضجيج والصخب على ما يسمى بالسلطة الوطنية والسيطرة على صناعة القرار فيها مع العلم ان كل الأطراف تعلم علم اليقين انها لا تملك من امرها شيئا ولا تملك سلطة صناعة القرار بالمعنى الفعلي للكلمة ... وبمفهوم اخر انها مجرد سلطة خدماتية على شكل مجلس بلدي كبير تعجز حتى عن تقديم خدمات المجالس البلدية ذاتها... وليس أدل على ذلك سوى وقائع المعايشة الفلسطينية اليومية لشعب السلطة الذي اضحى شعبا متسولا للقمة العيش اولا ... ولكرامته وامنه ثانيا... وفي ظل كل هذا نعاود مرة اخرى طرح اسئلتنا المعهودة... لماذا الصراعات والخلافات الفلسطينية –الفلسطينية حول (الاعتراف بشروط واشتراطات اللعب الدبلوماسي ) وما يسمى بالمفاوضات ...؟! الأمر الذي قد اضحى اضحوكة في ظل الواقع الراهن، حيث الجمود والانجماد بكل شيء ناهيك عن معاودة تجريب المجرب مرة اخرى من خلال العودة الى طاولة المفاوضات وهذه المرة بطاقم جديد كما تقول العديد من وسائل الاعلام استناذا لمصادر فلسطينية مطلعة ... او حول الدخول او عدمه في اللعبة الدولية ذاتها المستمرة منذ عقود...؟

بعد ان كُشفت الكثير من الحقائق على مدار سني هذا الصراع وتحديدا في العقدين الاخيرين و ما يسمى باللعبة الدولية في اطار المفاوضات العديدة المتعددة ما بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلين ولعل الواقع الراهن والذي يبدو فيه توقف المفاوضات الثنائية وتجميدها الا ان المعلومات تشير الى استمرارها بشكل او باخر في ظل الاصرار الفلسطيني الرسمي عدم مغادرة منصة التفاوض والبقاء في هذه البوتقة حتى اشعار اخر، وهنا لابد من اعادة التذكير ليكون التذكير جزء من ممارسة الحق بالقول والفهم والإفهام لما يجري في واقع الامر على الساحة الفلسطينية الأمر الذي يعني ان السادة في القيادة الفلسطينية باتوا يعتقدون ان مصيرهم ومصير القيادة مرتبط بالابقاء على تواصل الفعل التفاوضي بشكل او باخر وان كانت سرية في جحور مظلمة وهو ما يطرح العديد من الاسئلة حول منهجية هذه القيادة...

وبالعودة الى تاريخ تلك المفاوضات العبثية وما تم عرضه نجدنا امام حقائق لعل ابرزها ان افضل تلك المسماة بالعروض السياسية تلك المقدمة في كامب ديفيد 2000 من قبل الرئيس الأمريكي كلينتون وليس من رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك، وتنص على إنسحاب 20% من المستوطنين) وهذا يعني ترك 180.000 مستوطن في 209 مستوطنات، ذلك الكم يحتل 10% من أراضي الضفة الغربية بما في ذلك أراضٍ ستكون مستأجرة للإسرائيليين إضافة إلى أجزاء من غور الأردن وشرقي القدس تلك النسبة ( 10% ) كانت مجرد خدعة حيث قصد بها الحدود المجردة للمستوطنات ولكن الواقع مغاير تماماً حيث طلب الإسرائيليون منطقة أمنية تحيط بكل مستوطنة بواقع 400 متر في جميع الإتجاهات وطالبوا أيضاً بمناطق شاسعة أخرى تخصص لإحتياجات إسرائيلية بحتة كالطرق التي تربط المستوطنات فيما بينها والتي تربطها جميعاً بالقدس، أضف الى ذلك الضرورات الحيوية للمستوطنات كالماء والكهرباء والمجاري والإتصالات، وهذه المقاطع تتفاوت في عرضها ما بين 500 الى 1000 متر وهي أيضاً ستكون محرمة أيضاً على الفلسطينيين وحيث ذلك فان تلك الخلايا الإستيطانية وشبكت الإتصالات بينها كانت ستقسم الضفة الغربية الى جزيئات صغيرة ليس بينها تواصل جغرافي وبالتالي غير مناسبة للسكن ولا يمكن حتى الوصول اليها، ومما يزيد الأمور سوءاً أن السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن ستحرم الفلسطينيين من التوجه شرقاً الى الأردن، وسيكون هناك أكثر من 100 حاجر عسكري تحيط بالفلسطينيين فضلاً عن أن قسماً كبيراً من الطرق الفلسطينية ستبقى مغلقة بالمكعبات الإسمنتية وأكوام التراب. ويخلص جيمي كارتر الى أنه لم يكن ممكنناً لأي قائد فلسطيني أن يقبل بمثل ذلك العرض دون أن يحاسبه التاريخ السياسي، وبالرغم من ذلك فقد نجحت البيانات الرسمية الصادرة عن واشنطن وعن القدس ( تل أبيب ) في إلقاء اللوم على ياسر عرفات وتحميله فشل المفاوضات .

في الأيام الأخيرة من رئاسة كلينتون عقدت جولة جديدة من المباحثات في طابا عام 2001 بين الرئيس عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي ثم إدعى الإسرائيليون بعدها أن الفلسطينيين رفضوا ( عرضاً سخياً ) من يهود باراك زعموا من خلاله أن إسرائيل ستحتفظ بـ 5% فقط من الضفة الغربية
يقول كارتر " في الحقيقة لم يكن هناك عرضٌ كهذا " وقد قال باراك لاحقاً " كان واضحاً لدي أنه ليس بالإمكان التوصل الى إتفاق في طابا وبالتالي قلت لن تكون مفاوضات ولا وفد ولا حوار رسمي ولا توثيق ولن يكون للأمريكيين حتى تواجد في نفس الغرفة وإن كل ما إتفق عليه في طابا كان مجرد عقود غير ملزمة بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين " ..بعد ذلك في عام 2003 قدمت الرباعية الدولية خطة " خارطة الطريق " كحل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وقبلها الفلسطينيون بمجملها إلا أن إسرائيل طلبت 14 تعديلاً وشرطاً البعض منها يكفي لعرقلة أي مباحثات سلام نهائي ... وأهم ما جاء في إنتقادات كارتر أنه وصف الجدار الأمني الإسرائيلي بـ (جدار السجن) الأمر الذي يعني برأيي احقية جماهير شعبنا وقواه الحية بمواصلة النضال التحرري في تفكيك هذا الجدار وهذا ما يتنافى مع دعوات الاعتراف بدولة الاحتلال. وامام هذه الحقائق التفاوضية تعود مرة اخرى الأدارة الإمريكية لتبشرنا بأنها ما زالت ملتزمة برؤية سياسية ملتزمة حول ضرورة قيام الدولة الفلسطينية برغم صعوبة الوقائع الراهنة.

ونجد انفسنا دائما امام خيارين لا ثالث لهما يروج لهما انصار القيادات الجديدة على الساحة الفلسطينية اما الولوج والعبور بالمفاوضات الثنائية مجددا وفقا لرغبات المجتمع الدولي او ان الإقتتال الداخلي سيكون سيد الموقف. ثم لماذا تكون الخيارات الفلسطينية فقط ما بين (الاعتراف) او (الاقتتال)...؟! وكأن البعض فينا قد اصبح وكيلا حصريا لإرادة المحافطين الجدد في الإدارة الأمريكية المتحالفين مع الواقعين الجدد على الساحة الفلسطينية والعربية بهدف انجاز اعترافا للدولة العبرية بالشكل والمضمون التي تريده. اليس هناك من بديل ثالث ينقذ الوضع الفلسطيني من هذه الثنائية العقيمة..؟؟

مرة اخرى نجد انفسنا في دوامة المواقف المتصارعة هنا وهناك وكل هذا يحدث وفلسطين تتعرض لأبشع جريمة طمس لهويتها ولحقيقة جغرافيتها، فبعد ان قبلت كافة اطراف الفسيفساء الفلسطينية بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران التي تشكل ما نسبته 22% من فلسطين نجد من يقبل ان يساوم حتى على هذه ال 22% وهو ما يدفعنا للتساؤل حول حقيقة دفع المجتمع الفلسطيني برمته نحو ممارسة الأعتراف بالدولة العبرية كما هي عليه الأن وفي ظل جداران الفصل العنصرية... او دفعنا نحو ممارسة عمليات الإقتتال المليشيوية....

مرة اخرى وحتى نستعيد التاريخ ويكون عبرة لمن يريد ان يعتبر ولا داعي لتجميل الكلام والهروب نحو لقاءات سرية بالعديد من العواصم .. اوليست فلسطين قد قالت كلمتها وما زالت تقول هذه الكلمة..؟ اوليس شعب فلسطين يقول كلامه جهارا نهارا... معلنا عن حقيقة مواقفه، ورفضه للإقتتال المليشوي المصالحي المرتبط بأجندات اخرى... هذا الاقتال الذي يصب في اتون من سيسطر على السلطة العقيمة الجدوى والفاقدة لقدرتها ومقدرتها القيادية للشعب.

ان فلسطين بمواقفها هذه على حق... ودائما على حق... وستبقى على حق.. برفض اطروحات كلنتون وباراك... ونتياهو واوباما والقائمة طويلة ... وشروط الرباعية الجديدة... وقد جاء من يشهد بأن فلسطين كانت وما زالت على حق وهذا الشاهد هذه المرة ليس من البيت الفلسطيني او حتى العربي...
بالتالي لابد من اعادة النظر بطاقم القيادة الفلسطينية الرسمية واعادة النظر هذه لابد ان تطال حتى بقاءهم بعد ان فشلوا بكل ما يتصل بالشأن العام ... ولعل عدم مغادرة منصة التفاوض تلقي بظلالها على ضرورة مغادرة هذه القيادة.