وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ستُزهر شقائق النعمان من جديد فوداعاً 2015...

نشر بتاريخ: 02/01/2016 ( آخر تحديث: 02/01/2016 الساعة: 17:52 )
ستُزهر شقائق النعمان من جديد فوداعاً 2015...
الكاتب: هبة الوعري
(آلامنا بقدر أحلامنا) اخترت هذه الكلمات لكي أبدأ بها مقالي، كون أن آلامنا تأتي بقدر ما نحلم به بل أحياناً أكثر، فقد أصبحت حياتنا سيمفونية من الحزن ممزوجة بالأمل, لا ندري ما الذي يحمله لنا عام 2016 في جعبته سواء كان موشحاً بالبسمات أم الدمعات، وها نحن نودع 2015 ودموع القدس لازالت تزخ ألماً، ووجع الأقصى لم يندمل, وقصص التراجيديا التي يعج بها قطاع غزة المفتوحة جراحها لن تُطوى مع طي صفحات هذا العام، وحرقة قلوب الأمهات المغلّفة بالصبر في الضفة الغربية على رحيل فلذات أكبادهن يومياً لن يذوب لهيبها، وآهات وويلات اللاجئين السوريين ورحلات الألم والموت التي تعتصر قلوبهم وحياتهم كل يوم أصبحت بحجم هذه المجرة.. وبكل أسف!.

لن تستطيع أكثر تعبيرات اللغة العربية بلاغة وصف ما عبرت به عيون أم محمد عندما رأيتها واقفة شاردة الذهن بجانب قبر جميع أفراد عائلتها الذين استشهدوا في الحرب الأولى على قطاع غزة والتي تأتي ذكراها السابعة في مثل هذه الأيام، وبعد أن وضعت باقة من الزهور على قبر زوجها وأولادها الأربعة حدثتني عن طريق عيونها فقط، ربما صعبت الكلمات على لسانها من شدة ألمها وفاجعتها باستشهاد كل حلمها فقد كانت تقضى أم محمد في مثل هذه الأيام من كل عام أجمل أيام العمر خلال إعدادها المأكولات الطيبة ببيتها الصغير في ليلة رأس السنة والاحتفال بقدوم كل عام جديد مع زوجها وأولادها!.

لو تحدثتُ أكثر عن الآلام في مقالي فلن يحتمل قلمي الكتابة أكثر بل سيتوقف عن التعبير وسيجف الحبر، لأن دموعي هي حبر قلمي التي أدمتني ولكن ومع تساقط زخات المطر أدعو الله تعالى أن تحمل سنة 2016م الأحلام والآمال أكثر من الآلام، ولنزرع جميعاً فيها الصبر لنحصد الورد والأمل بإذن الله.

2015 عام رحل وحمل معه للعام الجديد كل ما يؤلم شعبنا الفلسطيني، الانتفاضة الباسلة التي احتلت الحدث الأبرز والأعظم خلال العام المنصرم في الضفة الغربية وقطاع غزة وتساقط الشباب يومياً وهم في عمر الورد، واختلاط بكاء وزغاريد الأمهات في وداع فلذات أكبادهن، وسفك الدماء وتشييع الشهداء كل هذه المشاهد عادت من جديد لتتصدر الساحة الفلسطينية بامتياز.

تساقط الأحلام والآمال والأمنيات على بوابات معبر رفح فإن إغلاقه لشهور متواصلة جعل غزة تئن وتتلوى من شدة غليانها، فقد أصبح معضلة لا وصف لها لكن دون حلول واقعية من أي جهة.

اعتقال الأطفال القصر بات موضوع بارز على الساحة فإن الاعتقالات المتكررة يومياً في الضفة الغربية والقدس الشريف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب والضرب التي قد يواجهها من هم دون الثامنة عشرة، كل هذا يستدعي وقفة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية لمجابهة هذا الكسر الصارخ لحقوق الطفل ناهيك عن سلب أرضه وحقه في الحياة.

غزة ما زالت تتلمس طريقها المظلم بلا كهرباء، تضج داخليًا وتحلم بيوم كامل من توفر فيه هذه النعمة البديهية في القرن الحادي والعشرين.

غزة مازال موظفوها الذين يديرون قطاعها الحكومي بلا كلل غير معترف بهم، لا رواتب ولا مستقبل واضح لكل جهودهم وتفانيهم وإخلاصهم في عملهم.

الخريجون الذين تعتصر قلوبهم الاحباطات والصدمات بعد تخرجهم من الجامعة وانقراض فرص العمل وصف شهاداتهم على الرف.

تفاقم أزمة اللاجئون السوريون وهجرتهم عبر قوارب الموت بحثاً عن الحياة.

كما نستذكر الحروب الثلاثة المؤلمة والمدمرة على قطاعنا الحبيب كونها كانت تأتي في نهاية كل عام من الأعوام التي وقعت فيها كل حرب على حدة ونستذكر البيوت المهدمة والبرد القارس على أهالي الخيام حقاً كان الله في عونهم.

فجميع ما ذكرته يبقى شريط ذاكرة حيٌ وقاسٍ يدور في أذهان الجميع في كل وقت وخاصة مع بداية كل عام جديد وسنبقى مستبشرين أن يكون أفضل من سابقه.

لقد لفت انتباهي عبر إحدى شاشات التلفزة تقرير حول معنويات فئة الشباب بغزة بعد انتهاء عام 2015 لعل المضحك من كلام أحد الشباب عندما سأله المذيع (ماذا حققت في عام 2015 من انجازات؟) فأجاب الشاب بسخرية (أنا سأهدي نفسي ألف وردة لشدة احتمالي عام 2015م والصبر الذي تذوقته به والإحباط الشديد الذي لازمني طيلة هذا العام)، حقاً كلامه يبين مدى يأسه فهو شاب في مقتبل العمر تخرج ولم تُتَح له فرصة عمل بعد، من جانب آخر عبر معظم الشباب في التقرير عن أمنيتهم للعام الجديد بزيارة المسجد الأقصى والقدس المحتلة والضفة الغربية، وتمنى البعض تسليم معبر رفح، كما عرض التقرير صورة كاريكاتير لطفل صغير يسأل جده الختيار الذي يرتدي الحطة والعقال قائلاً: (جدي ما هي أمنيتك لعام 2016؟)، أجاب الجد: (أمنيتي هيا نفسها التي تمنيتها لسنة 1949 وكل سنة جديدة بتمناها يا ولدي وهيا أرجع لبلادي وأرضي).

وهنا سأشير إلى مجموعة من الهاشتاج الأكثر انتشاراً من قبل نشطاء الفيس بوك وأكثر تأثيراً في عام 2015م: (
سلموا_المعبر،
مش_متذكر،
غزة_بلا_كهرباء،
راجعين،
ليش_قتلوه، #غرق_طفل_سوري_ايلان_كردي).

كما أن من أكثر الجرائم البشعة التي آلمت القلوب النابضة خلال عام 2015 وهي جريمة حرق عائلة دوابشة في محافظة نابلس بالضفة الغربية من قبل المستوطنين وهي جريمة هزت الرأي العام، ومن سوريا صورة جثة الطفل السوري ايلان كردي وهو مرمي على أحد الشواطئ التركية والتي أدت أيضاً إلى تعاطف العالم أجمع.

رغم الألم سأُعاكس كلام كل المحبطين وسأقول كما طوينا صفحة 2015 سنطوي في عام 2016 ذل الاحتلال والحصار وذل الانقسام وتسليم المعبر بإذن الله تعالى ومهما كثرت الاحباطات فالحياة مليئة بالمفاجآت وستُزهر شقائق النعمان من جديد...

في النهاية أدعوا الله أن يكتب لنا في العام الجديد التوفيق والرضا وأن يحل فيه الأمن والسلام، وأن نحقق فيه كل الأمنيات.

وسأختم مقالي بكلمات الشاعر الراحل محمود درويش (ونحن لن نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة!).