وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أزمة إضراب المعلمين: بهدوء وصراحة

نشر بتاريخ: 05/03/2016 ( آخر تحديث: 05/03/2016 الساعة: 10:45 )
أزمة إضراب المعلمين: بهدوء وصراحة
الكاتب: تحسين يقين
آنيا، حتى لو تمت زيادة الرواتب بمئات الشواقل، فإن أزمة المعلمين والموظفين والمواطنين ستظل قائمة في ظل مشكلة القدرة الشرائية، والنظام الاجتماعي-الاقتصادي ذي الصبغة الاستهلاكية.

استراتيجيا، عدم إدارة الأزمات إدارة مهنية ووطنية يغري آخرين كثر للتدخل في شؤون الشعب الفلسطيني، بما يتجاوز الأزمة نفسها، وصولا لتدخلات سياسية ومالية، أي وصاية دولية، فحتى لو بقي الحديث عن طلب الاتحاد الأوروبي إيضاحات عن رواتب الموظفين من باب الشائعة لعدم تأكيده، لكن ذلك لا ينفي إغراء التدخل في شأننا.

ولعله في ظل هكذا ظروف، فإنني لأرجو ألا أكون مصيبا في شعوري منذ أشهر، بأن هناك من يسعى لفوضى ما، يستفيد منها بشكل خاص من يدعو للفصل ليس في القدس فقط، بل في مجمل الضفة الغربية: من غيرها؟ إسرائيل!

تتبع ردود الفعل هنا وهناك، تنبئ للأسف أن القرار الفلسطيني في خطر، وما تردد الحكومة والقوى المؤثرة، إلا دليلا يدينها، خصوصا أنها بقصد أو بغير قصد تحرّض على السلطة الوطنية-كياننا السياسي الذي نري أن نصنع منه دولة، وآخرون يريدون تحجيمه ليصل إلى الحد الأدنى. ويدخل في باب التحريض مستوى الخطاب، والمعلومات التي تتحدث عن نسب دوام المدارس، علما أنه لو عاد أكثر من 70% من المعلمين للمدارس، فإن ذلك لا يعني استقرار العملية التعليمية، خصوصا أن المشكلة أصلا هي في المدارس الحكومية في الضفة الغربية بما فيها القدس.

بالرغم من عدم ميلي لأنخرط بكليتي في أية أزمة، سوى ما أستطيع أن أضيف فيها، وأن أضع مقترحا لعل هناك من يقرأ، ويحلل، ويجمع تلك المقترحات لصناع القرار، بالرغم من أن هناك في فلسطين ما هو جميل وضروري لنكتب عنه غير الأزمات، وبالرغم من أن أية أزمة هي لقطاع من الشعب، وليس من الطبيعي أن يكون صبح حديثنا ومساؤنا في الموضوع نفسه، إلا أنني أجد نفسي مهتما للحديث الموجز، خصوصا بعد تتبع بيانات وأفعال المعلمين، ردود فعل الحكومة، رأي المجتمع، ومبادرات المجتمع المدني والأسرى والكتل النيابية. وهذا ربما يحتاج لندوة بعد انتهاء الأزمة، لتحليل حال جمهور المعلمين والمعلمات (وموظفي القطاع العام بشكل خاص) وحال شعبنا وقياداتنا والحكومة في التعاطي مع الموضوع.

لعلي ومعكم/ن نعيد الأمور لأصولها قليلا:
لنتأمل:
- وجود السلطة الوطنية ككيان سياسي في النطاق الاقتصادي الكولينيالي الإسرائيلي. وما يعنيه ذلك من ارتباط يؤثر سلبا على القوة الشرائية الفلسطينية.
- الثانية مرتبطة بالأولى، وهي اختيار نظام السوق الحرّ.

- الانفتاح الاجتماعي-الاقتصادي، وشيوع نظام الاستهلاك والاندماج مع العصر، في ظل عدم تحقق الاستقلال الكامل لا سياسيا ولا اقتصاديا، فكان يمكن مثلا السيطرة على جزء من النفقات، ولكن صعب ذلك، كون الأطفال والفتيان والشباب/ات، سيشعرون بالحرمان إن لم تتوفر لديهم منتوجات تكنولوجيا المعلومات، وما يجرّ ذلك إلى محاكاة أخرى في الطعام والشراب والملابس، والذي يلتهم جزءا آخر من الدخل.

- ونأتي إلى نقطة مهمة تتعلق بسلّم الأجور الحكومية.
لنفكر:
لنفكّر، فيما يبدو مألوفا ومكررا، وهو أن تحقق الاستقلال والسعي إليه أولا سيؤمن للخزينة العامة دخلا مهما كوننا سنسيطر على الإيرادات في سياق سيادتنا على الأرض، وسيخلق حلولا اقتصادية للبطالة على وجه التحديد، لذا فمن المهم التشبث بهذا الخيار الاستراتيجي، الذي يعني في المقام الأول الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي، لنمضي نحو المعركة السياسية موحدين وموحدات.

ثانيا، لا بدّ من تأمل ميزانية الأسرة، أسرة المعلمين والموظفين العموميين وموظفي/ات القطاع الخاص، إضافة للعاملين والعاملات غير المنتظمين.
لماذا؟

لأنه في أفضل الحالات، كم ستزداد الرواتب؟ 200 شيكل؟300؟ 400؟ 500؟ إن ذلك لن يكفي ما دام نهج المنفقين والمنفقات لا يضع أولويات للصرف. إذن فإن لنا في العامل الذاتي خلاصا اقتصاديا، وإلا فلنتذكر أنفسنا كيف عشنا ونخن أبناء وبنات؟ كيف تعلمنا في المدارس والجامعات؟ كيف بنينا؟ كيف تزوجنا؟ كيف عشنا وأباؤنا وأمهاتنا بدون دخل، لا هم موظفين ولا هن؟

عشنا وبقينا فقط من خلال إبداعهم/ن في الإنفاق، ولم نكن نشعر بالفقر، وكان كل منا أحرص من الآخر على العطاء والكرم دون خشية الأيام.

ثالثا وأخيرا: سلّم الأجور الحكومية. وسنحللها من منظور نفسي واجتماعي، ولعلها بيت قصيد الأزمة.

في ظل معرفتنا الاجتماعية ببعضنا بعضا، وكيف تم تأسيس السلطة، بمراكزها ووظائفها، كان الحصول على وظيفة في أواسط التسعينيات أمرا رائعا، لكن لم تكد تمر خمس سنوات حتى طارت جزء من الروعة وظلت تطير. والسبب هو ما حدث من تحولات اجتماعية واقتصادية، شكلت تحديا للرواتب بدخلها شبه المحدود. لقد ابتعلت التحولات وأسلوب الاستهلاك كل زيادة في الراتب.

وهنا، بدأ الموظفون/ات بالنظر حولهم، وليس في داخلهم ومجالات سيطرتهم.
في ظل الجمود السياسي وعدم تحقق الخلاص الوطني، وفي ظل الاقتتال السياسي، وفي ظل السوق الحر والغلاء، في ظل استسلام الأسر لنظام الاستهلاك، وقلة الإنتاج خاصة في القرى، صار صغار الموظفون ومنهم المعلمون، يقارنون دخولهم بدخول موظفي فئات أعلى، ولما كان كل واحد من الفئتين عليه التزامات مادية متشابهة، صار هؤلاء يشعرون بالفقر والظلم، فبدأت دواوين الكلام عن هذا وذاك، وظل هذا الحديث يتسارع صوابا وخطأ ومبالغة وصولا لحالة ليس الحراك النقابي فقط، بل الحراك السياسي، ولما كان يصعب فصل الأمور عن بعضها، فإنه دخل في الحراك أمور أخرى، ودلالة ذلك العناد:
- للأسف عناد المعلمين من جهة.

- وعناد الحكومة من جهة أخرى، فهل هناك من يزيد حالة العناد هذه لتتطور حالة الحراك لتذهب باتجاهات أخرى، سيجني ثمرها أولا من يتحدث عن الفصل في القدس، فصل 28 قرية فلسطينية عن القدس!
في مبادرات حلّ الأزمة ما يخلق حلا لو صفت النوايا:

- مواءمة المبادرات.
- وضع المجتمع وبخاصة ممثلي المعلمين الحكوميين في الاشتراك ببحث الميزانية، فهذه هي الإيرادات والمساعدات، وهذه هي النفقات، هلموا لنتعاون في ذلك، إلى أن تتهيأ الأمور لحياة سياسية وبرلمانية ونقابية مستقرة أداتها الانتخابات الحرة.

- إعادة النظر في أجور الموظفين، بحيث لا تكون هناك فجوات كبيرة، فالموظف الصغير والكبير كلاهما عليه التزامات. ولا بد من حدّ أدنى معقول.
- العودة إلى الخبرات الاجتماعية-الاقتصادية. وضرورة الاقتصاد خصوصا في فترة المتطلبات المالية.
- التفكير بعادة الادخار مهما كان محدودا.
- أخذ العبر من الأسر الناجحة قديما وحديثا، خصوصا تلك التي نتشابه معها في الدخل.

باختصار:
- نحن بحاجة لنكون معا أولا، بحيث نشجع الوصول إلى حل وسط يحفظ كرامة المعلمين/ات.
- تحقيق الحدّ الأعلى من الوحدة لزوم رحلة التحرر والاستقلال.
- غير ذلك تفاصيل لن يطول اختلافنا عليها، خصوصا أننا شعب ما زال للأسف تحت الاحتلال بدون أن نحمل بعضنا الآن مسؤولية الماضي ومن أوصلنا (كلنا) لهذه الحال.

- إنهاء حالة الاغتراب عبر العودة إلى التضامن الجميل.
- البدء بفكفكة نظام السوق الحرّ بالتدرج، وبناء ما يشبه القطاع العام الإبداعي الملائم لحالتنا الاقتصادية والسياسية والنضالية.
لعل فينا أكثر من رجل رشيدة وأكثر من امرأة رشيدة.