وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حينما يتصدر مروان البرغوتي ويحصد أعلى الأصوات

نشر بتاريخ: 08/12/2016 ( آخر تحديث: 08/12/2016 الساعة: 14:40 )
حينما يتصدر مروان البرغوتي ويحصد أعلى الأصوات
الكاتب: د. حسن عبد الله
أن يخوض المناضل مروان البرغوثي انتخابات مركزية حركة فتح، فهذا أمر عادي ومن حقه كمناضل ذي تاريخ طويل، لكن اللافت وغير العادي أن يحصد أعلى الأصوات وهو يقبع في زنزانته، لم يمارس تكتيكات ولا تحالفات ولم يجر اتصالات، وكل ما فعله أن أعلن ترشحه والباقي فعله الاسم والتاريخ والموقف. ما يؤكد بشكل لا يدع مجالاً للشك أن عذابات الأسر كانت شعاراً انتخابياً حاضراً وصادقاً لم ينافسه شعار آخر، وهذا ينسحب أيضاً على عضو اللجنة المركزية المنتخب جبريل الرجوب، الذي دخل الحياة السياسية من بوابة التجربة الاعتقالية، حيث إن مجموعة من العناصر قديمها في الأسر، وحاضرها في النضال والسياسة والرياضة، قد شكلت وصاغت شخصية حظيت بما حظيت من تأييد تحول إلى أصوات وضعته في المقدمة.

الأسر في تجربة البرغوتي لم يكن عزله، ولم يكن محطة خاوية، وإنما حوله بجهده ومثابرته وإصراره إلى ساحة إنتاج وإبداع، فقد كان له دور مؤثر وحاسم في صياغة وثيقة الوحدة الوطنية التي أبدعها الأسرى، إضافة إلى موقعه الوطني الجامع بشهادة مكوّنات الحركة الأسيرة على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، والبرغوتي الذي رشحته قوى وفعاليات عالمية لجائزة نوبل، أسس تجربة تعليمية تشاركية جسدت نظرية التعليم الحواري لـ(باولو فريري)، حيث خرج عشرات الحاصلين على البكالوريوس والماجستير في المعتقل بمتابعته وحثه واشرافه في تجربة تعليمية رائدة تقوم على الحوار والمشاركة والتعليم الجماعي المختلف جذرياً عن التعليم البنكي التقليدي.

في اعتقاله أنهى رسالة الدكتوراة وتفوق فيها، وكتب عديد المقالات والبحوث ووثق لتجربته في التحقيق، من خلال كتاب كل حرف فيه كتبه بأعصابه ودمه وعرقه وقدرته الفائقة على التحمل، فهو إذن صاحب تجربة فريدة مزيج بين نضالي وسياسي واجتماعي وتعليمي وتربوي وبحثي ووحدوي، فكيف لا تحضر كل هذه الأبعاد في انتخابات المركزية؟ وكيف لا تقول كلمتها بوضوح وحسم؟!

لقد قالت وحسمت وحصدت وتصدرت وكان حصوله على أعلى الأصوات تأكيداً بأن حركة فتح بمؤتمرها أحسنت قراءَة البرغوتي وأنصفت تجربته، لا سيما وأنه ظل في السنوات الأخيرة بمنأى عن التجاذبات والصراعات، لأنه كان منغرساً في موقعه كشجرة الزيتون ضربت جذورها في باطن جبل شامخ، لا تلتفت إلى التناقضات والأشواك والرياح التي تهب من كل الاتجاهات، وإنما ركزت كل اهتمامها في طرح الثمار بانتظام، محافظة على نضارتها وتألقها واخضرارها.
أن يحصد البرغوتي أعلى الأصوات، فهذه شهادة مزدوجة له وما يثمله وللحركة التي عبرت باصواتها عن وفائها لزيتونة تتنسم القضية، وعن قضية تتنشق عبق زيتونة فتتأكد أنها ما زالت حاضرة حية.

وكمحلل ومتابع لم افاجأ عندما رأيت اسم البرغوتي يتبوأ المكان الأول في النتائج، فمن يملك الحد الأدنى من أدوات التحليل يمكنه الاستنتاج سلفاً أن مقدمات صحيحة صاغها البرغوتي من الطبيعي ان تفضي إلى نتيجة مشرفة.
وإذا أراد المبتهجون بما حققه البرغوتي وأنا واحد منهم، أن يهدوا ما تحقق نيابة عنه، فإن الإهداء الأول للحركة الأسيرة وشهدائها والإهداء الأول كذلك للمؤمنين بالقضية الوطنية، والإهداء الأول وشهدائها إضافة إلى حركة فتح للكل الوطني، بل إن الإهداء الأول والأول لشعب يتوق للحرية والاستقلال باطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه.

البرغوتي الآن وهو يرسف في الأغلال استطاع أن يمارس حريته، وأن يبرهن أن الحرية غير مرهونة بالمكان والزنزانة الصفراء، وإنما هي معرفة الضرورة، فالحرية شعور وموقف وعمل، وكم على وجه هذا الكوكب من ملايين لا تعي الضرورة وتجوب الشوارع والساحات وتتمتع بالتسوق ظانة أنها حرة، لكنها في حقيقة الأمر هي غير ذلك، فالحرية ليست حركية فيزيائية وإنما هي وعي ومعرفة استشرافية تتجاوز الحدود والسدود والأسلاك الشائكة والمسافات.

وأخيراً فإن الذين يبحثون في مؤتمر حركة فتح عن نتائج مختلفة، فليمعنوا النظر جيداً، في نتيجة البرغوتي، التي ربما لم نجد شبيهاً لهذا سوى في ما كان يحققه نيلسون مانديلا وهو في معتقله، حينما ظل حزب المؤتمر يتعامل مع غيابه على أنه حضور مكثف، وبقي يتصدر الصفوف حتى وهو يقبع في زنزانته، وفي ذلك أكبر دليل بأن الحركات النضالية بالرغم من التقلبات والمحن لا تتنازل عن مفتاح الوفاء، القادر على فتح أصعب الأبواب وأكثرها منعة.