وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"قاتل أبيه" يموت يوميا في الخليل

نشر بتاريخ: 28/03/2017 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
"قاتل أبيه" يموت يوميا في الخليل
جنين- خاص معا- إنها صباحات آذار حيث تختلط رائحة نبتة الزحيف القوية مع النسمات الصباحية الباردة، وتبدأ طيور الشنار بوضع بيوضها المعرضة للسرقة في أي لحظة في الأعشاش بين الشجيرات الكثيفة، دورة الطبيعة تلك لا تختلف عن دورة حياة أبو علي في بحثه عن"قاتل أبيه" بين أشجار البلوط والقنب والصنوبر في داخل محمية زرعها العثمانيون بجانب مخيمه، لم يمنعه الغطاء الحرجي ولا الثعالب البرية وابن أوى، من شغف البحث، ولكن اليوم يبدو مختلفا، فقد بدت الغيوم تنذر بانتهاء مستقرضات شهر آثار الباردة ، ولم يجد أبو علي "قاتل أبيه" بعد!
على مقربة من مخيم العروب، يتكامل التنوع البيئي في محمية القرن شمال محافظة الخليل، والتي أنشئت على زمن العثمانيين، وبقيت تحظى بعناية حتى اتفاقية أوسلو التي صنفتها إلى منطقة (ج)، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن تخضع للسيطرة الإسرائيلية وإدارة متواضعة من قبل السلطة الفلسطينية باعتبارها مصنفة ومنذ السيطرة الإسرائيلية على المحمية التي تبلغ مساحتها 679دونم بحسب إحصائية عام 2013، خضع سكان المنطقة إلى امتحان في المحافظة على المحمية المهددة بالمصادرة في كل لحظة ، فهل نجحوا في الامتحان؟

مهددة بالانقراض

عاد المزارع أبو علي أبو غازي 43 عاما من مخيم العروب إلى بيته بعد جولته المقيتة في تصيّد نبته "قاتل أبيه"، لينعم بليلة دافئة بعد احتراق سيقان تلك النبتة الحمراء، لا يعلم أبو علي الروايات التي قالها الفلسطينيون عن سبب لون نبته القيقب "قاتل أبيه" بالأحمر، فيقال أن أحد المزارعين طلب من أبيه أن يزوجه عروسا فائقة الجمال، فلما ذهب الأب لخطبتها لابنه، انبهر بجمالها فتزوجها هو، ولما علم الابن بذلك قتل والده في ذلك المكان، فالتصقت الدماء على الشجرة وأصبح لونها أحمر قاتم.
تصنف نبته القيقب في محمية القرن من النباتات المهددة بالانقراض بسبب الممارسات الجائرة من السكان المحليين في تقطيعها، ورعيها، حالها كحال شجر النتش والقطلب والصنوبر، حيث أزيل ما نسبته 70%من مساحة المحمية الخضراء بحسب إحصائية أريج للبحوث عام 2010، يحتاج ابو علي ما لا يقل عن 3 أطنان من الخشب في كل موسم، يبيعها ويستخدمها في التدفئة، نظرا لاشتهار التدفئة "بصوبات الخشب" في الخليل3.
ويقول ابو علي في ما يخص استغلال المساحة الخضراء للمحمية "صدقا، لا أعلم متى سيقوم الاحتلال بمصادرة تلك الأراضي، وأنا أحاول استغلالها اقتصاديا وعمرانيا، وخاصة أنها تقع ضمن معادلة ثلاثية ضاغطة علينا، فهي تقع ضمن منطقة ذات كثافة سكانية عالية، سكانها يعيشون فوق بعضهم، والأبلى من ذلك أن سكانها وضعهم الاقتصادي متردي، والضغط العسكري الإسرائيلي يطوق المنطقة من ثلاث جهات".
وأنهى حديثه بقول" العدو من وراءكم والبحر من خلفكم، وين نروح بحالنا يعني؟"
أشعلت آخر جملة أفواه ولديه الجالسان بجواره الملتزمان بالصمت طيلة فترة الحديث، وانتقل الحديث من نبات قاتل أبيه المهدد بالانقراض إلى الجهات المسؤولة عن المحمية.

ممنوع الدخول
ويقول مراقبون إن محمية القرن في الخليل تعاني من إهمال إداري واضح حالها كحال معظم المحميات الطبيعية في فلسطين، حيث تقع معظمها ضمن الأراضي المصنفة "ج"، بينما يقع فقط 13 % من المحميات ضمن مناطق "ب" بحسب جهاز الإحصاء المركزي، وتبعا لذلك يصعب على وزارة الزراعة وسلطة جودة البيئة حماية المحميات.
وتقول رئيس سلطة الجودة عدالة الاتيرة في ما يخص إجراءات السلطة "المتواضعة إداريا" في حماية المناطق من الرعي الجائر واقتلاع التنوع الحيوي الموجود في محمية القرن: "السلطة تتجه باتجاه إصدار قرار من مجلس الوزراء لدراسة كل المحميات بالتعاون مع الجهات المسؤولة، وتكوين خطة إدارية للمجتمع المحلي، لمنع تعدياته على التنوع الحيوي، المتمثلة بالصيد والرعي الجائر للنباتات".
وتؤكد الأتيرة أهمية الوعي الذاتي والمجتمعي نحو أهمية محمية وادي القرن، وتكثيف السياحة البيئية عليها لترك بصمة داخل الإنسان في علاقته مع الطبيعية، ويجب معاقبة كل مواطن متعدي عليها بما يقتضيه القانون والعرف الدولي".

"لا يوجد من يمنعني!"
ولا يرى المزارع أبو علي جهات مختصة تقوم بحماية المحمية حيث يقول" استيقظ منذ الصباح، أستطيع أن اقتلع ما أريد من البلوط والصنوبر، واحصل على بيوض الشنار من الجبال، لا يوجد من يمنعني من ذلك".
تنص المادتين 43 و44 من القانون رقم 7 لسنة 1999 بشأن مسؤولية السلطات المختصة في الحفاظ على البيئة، مادة 43"تتولى الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة وضع الأسس والمعايير الكفيلة بتحديد النباتات والأشجار الحرجية والبرية التي تمنع قطفها أو حصدها أو إتلافها أو قطعها منعاً مؤقتاً أو مستديماً بما يضمن بقاءها أو استمرارها".

أما مادة 44 التي تخص معاقبة المعتديين على المحميات "يحظر على أي شخص القيام بأي أعمال أو تصرفات أو أنشطة تؤدي إلى الإضرار بالمحميات الطبيعية أو المناطق الحرجية أو المتنزهات العامة أو المواقع الأثرية والتاريخية أو المساس بالمستوى الجمالي لهذه المناطق".

"محمية مش محمية"
وتوجه فريق محميات فلسطين التابع لموقع (www.mahmiyat.ps) لممارسة السياحة البيئية في أراضي محمية القرن في 17 مارس، بغرض التعرف على بعض أنواع المحميات في الضفة الغربية وقطاع غزة والترويج لها بعناصرها وثرواتها ومناطق الجذب والخدمات القريبة، وتعرف الأعضاء على عدة أنواع من النباتات المهددة بالانقراض داخل المحمية، حيث يقول المختص البيئي الدكتور بنان الشيخ من نابلس: "اكتشفنا خلال الجولة تفجر محمية القرن بالنباتات ذات الأهمية الدوائية والتزيينية، أمثال البطم الفلسطيني والسنديان العادي والزعتر الفارسي، وإبرة الراعي، ونبات السماق، ولأوركيد المسنن ونرجس عبق النسيم، وإبرة العجوز، وغيرها من النباتات المهددة بالانقراض التي يبلغ عددها في فلسطين 636 نوع من أصل 2076 نوع".

ويتحدث الشيخ عن اعتداءات أهالي المنطقة على المحمية، قائلا" الاعتداءات على المحمية واضحة، حرائق من هنا، واقتلاع الأشجار والشجيرات النادرة من هناك، من الأجدى على الناس الحفاظ عليها وخدمة الطبيعة، لكي تخدمهم في المستقبل، وليس استغلالها شر استغلال"
أما محمد ابو خليل العضو في فريق محميات فلسطين من رام الله يختزل شواهده للمحمية، أنها ليست محمية، فهي ليست محاطة بسياج لحمايتها، ولا شيء يشير الآن على أنها محمية سوى منشور لا يوجد من مضمونه شيء".
يغادر أبو علي إلى منزله بعد بحثه المستعصي على نبات قاتل أبيه، يقرر أن ينام باكرا كي لا يشعر ليالي نيسان، يتنهد قائلا" الله يجيرنا من الشتوية الجاي، ما نحرق أواعينا بدل الشجر الي بتلاشى عشان ندفى".

تقرير: مجد حثتاوي