وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحكم الديمقراطي بين العلمانية والتيوقراطية والإرهاب

نشر بتاريخ: 27/06/2017 ( آخر تحديث: 27/06/2017 الساعة: 09:28 )
الحكم الديمقراطي بين العلمانية والتيوقراطية والإرهاب
الكاتب: د. حنا عيسى
(يعتبر الإرهاب النتيجة الطبيعية والمفترضة لسوء السياسات التي استخدمت الدين في أغراضها لجر الشعوب عن رضا وإيمان، والغريب أن التفاعل مع التكنولوجيا أنتج آلة عملاقة من الفضائيات والصحف والكاسيت ومواقع الإنترنت لترويج التخلف والإرهاب)

لا تزال قضية الدين والديمقراطية تشغل الكثير من المفكرين والباحثين والكتاب في الوقت الراهن بعد بروز ما أسموه بـ الظاهرة الدينية في العالم كله، والالتباس القائم الذي يصاحب مسألة الدين والعلمانية والديمقراطية.
فقضية الدين والديمقراطية والحداثة والعلمانية قضايا إشكاليات قائمة، وترجع إلى أيديولوجيات الأمم والحضارات، لكنها لا تستنسخ هكذا، وإنما ترجع إلى المواريث الفكرية لكل شعب من الشعوب وحسب مرجعيتها، وتراكم قيمها، وهي التي يمكن أن تجعلها اكثر رسوخا وتجذرا من الاستنساخ من حضارات وثقافات أخرى.
الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية. ومصطلح ديمقراطية يعنى "حكم الشعب" لنفسه .
العلاقة بين الدين والديمقراطية:
المسلّمات أو المبادئ الأولية للحكم الديمقراطي العلماني والحكم الديني "التيوقراطي" مختلفة كليا، فهما منظومتان مختلفتان من حيث التكوين والشرعية والأهداف. ففي الحكم الديني، تعتبر الحقائق منزلة، لها الأولوية على التفكير الفلسفي وحتى على الحقائق العلمية. اما التشريع في التيوقراطية، يستند أساسا على نصوص دينية "مقدسة" لا يمكن تغييرها. كل ما فيها صالح لكل مكان وزمان وحقائقها مطلقة غير قابلة للتأويل أو التحريف.
والعقيدة هي أن نعبد إله واحد، أما الدين فهو المعاملة والأخلاق، وهنا تختلف الآراء كثيرا في تفسير الدين.. أما الديمقراطية فهي مبدأ معاملة الإنسان مع الإنسان الأخر وحرية الرأي،
ولكن كل شيء له حدود وليس من حق الديمقراطية أن تهاجم أسس الدين الآخر أو تهاجم من يعتنق هذا الدين، ولا تجعل من دين آخر مهزلة، هنا تقف الديمقراطية وحرية الرأي لان هذا ليس له قواعد أدبية لاحترام الأديان وما يتطرف وإن كان يحمل أو يشهر بدين، فقد احترم الفيلسوف "غاندي" و "مانديلا" والفلسفة البوذية وفلسفات أخري لها عقيدة تختلف عن عقائد الثلاث أديان الإسلامي والمسيحي واليهودي، لان أساس التبادل هو الإنسانية والحفاظ علي البشر، وليس من حق أي إنسان أن يفعل شر أو سوء لإنسان أخر ولا يسخر من عقيدته ودينه
وفلسفته لان هذا يعتبر هجوم على المبدأ الإنساني وهي الأخلاق، ونتذكر كلمات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "، وهذا حصن يحصن مبادئ الإنسانية والمعاملة، ولكن عندما تتغير المنافع ويحتكر أشياء أو استعمر عقلياً وفكرياً إنسان أخر وهذا ليس من الأخلاق وإذا سميناها بالديمقراطية وحرية الرأي فهذا اختلاف عن مبادئ الإنسانية. وكلمة الديمقراطية أتت من اللغة الإغريقية ومعناها النظام أي " بولسس" وهنا فرق ما تعنيه الآن بالديمقراطية التي تهاجم مبادئ وعقائد، فتهدف الديمقراطية الى تبيان الانسان البشري على طبيعته وحقيقته، اما الدين فيهدف الى اصلاح الانسان البشري.
والديموقراطية مسؤولة فقط بما تخلق من سياسة ودكتاتورية يقررها ويحدد مسارها ونهجها افراد يترأسون اماكن ووظائف يمكن من خلالها صنع القرار وفرضه عن طريق الديمقراطية، وان الدين (ممثلين الدين) ايضا مسئول بما يلد من فقه ومعتقدات اغرقت الناس بالاختلافات و صنعت الحروب و الصدمات، ان الفارق بينهما هو : ان الديمقراطية يمكن ام تنتج الخطأ انما لا تبرره، انما الدين(ممثلين الدين) ايضا ينتج الخطأ لكن حتما يبرره بتفسير وفقه للمقاصد الدينية.
ويعتبر الإرهاب النتيجة الطبيعية والمفترضة لسوء السياسات التي استخدمت الدين في أغراضها لجر الشعوب عن رضا وإيمان، والغريب أن التفاعل مع التكنولوجيا أنتج آلة عملاقة من الفضائيات والصحف والكاسيت ومواقع الإنترنت لترويج التخلف والإرهاب.
اجتماع الناس حول عقيدة دينية واحدة لا يعطيهم الحق بفرض إيمانهم على الآخرين أو توجيه سياسة الدولة والمجتمع حسب معتقداتهم. من الملاحظ تاريخيا أن الغرب نهض نهضة جبّارة عندما فصل الدين عن الدولة وحدد حقوق وواجبات المواطن بعيدا عن أوامر رجال الدين الذين كانوا يتدخلون في مجمل حياة الناس. "الطغيان" الديني يؤدي إلى اضطهاد غير المؤمنين بهذا الدين والى عصبية تضر الدولة والدين معا ويولد انقسامات وعداوات بين المواطنين. بهذا تُصبغ الدولة ككل بصبغة دينية ضيقة الأفق ويصبح "الدين-الدولة" ومؤسساته بؤرة لإرهاب الناس والتعدي على ضمائرهم وحرياتهم العامة وحتى على حياتهم.
وقيم الدين ومبادئ الديمقراطية خصوصا فى خطوطها العريضة لا يوجد بها أى تعارض قاطع. وتبرز الاشكالية فى العالم العربى عندما تتم ترجمة القيم والمبادئ العليا المستمدة من الدين والقيم الانسانية الى سياسات وبرامج وسلوكيات وتوجهات تحكم المجتمع والناس! ولقد نجحت تجارب استثمار القيم الدينية وتعزيزها فى الثقافة الديمقراطية فى عدة تجارب عالمية أهمها فى العالم الجديد والولايات المتحدة بالتحديد وبعض دول أمريكا اللاتينية، وفى بلدان اسلامية، مثل ماليزيا واندونيسيا وتركيا، مقابل دول عربية تشوه الدين وتدنس السياسة لخدمة أجندات ضيقة.
ومن المميزات الأساسية للديمقراطية كما تقرها العديد من المؤسسات الدولية هي إجراء انتخابات حرة ومنتظمة، وإقرار تعددية الأحزاب وتنافسيتها، ووجود حكومة قائمة على قاعدة الأغلبية، وتمتيع البرلمان بسلطة مراقبة الحكومة، ومساواة الجميع أمام القانون.