وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل استغلت الصهيونية الديانة اليهودية لنشر فكرها؟

نشر بتاريخ: 03/07/2017 ( آخر تحديث: 03/07/2017 الساعة: 17:42 )
هل استغلت الصهيونية الديانة اليهودية لنشر فكرها؟
الكاتب: د.عمر جعوان
الصهيونية العالمية هي من اوجد الدولة الإسرائيلية في فلسطين، والصهيونية هي فكر لاديني يهدف كغيره من الأفكار المشابهة الى هزيمة كل الأفكار التي تعارض توجهاته وتعترض اتجاهاته، ولانه فكر لاديني فهو فكر قد يختلف في ظاهره عن باطنه، اذ انه مضطر في تصرفاته احيانا ان يظهر ما لا يبطن، وبالرغم من ان طبيعته ونشأته تفرض عليه ان يكون ضد الفكر الديني وبالتالي فهو يعمل ضد الفكر الديني عموما وضد الدين اليهودي بشكل خاص حتى لو لبس ثياب المتدينين اليهود وادعى معتنقوه الصلاة يوم السبت امام حائط البراق.
وكأي فكر فان الفكر الصهيوني بعد ان نشأ ووضع اركانه وقواعدة الفكرية في مدونات وكتب اصبح بحاجة الى جغرافيا يعمل من عليها وينطلق منها لتحقيق اهافه القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى ، وبمعنى اخر فهو لا بد ان يعمل على تحقيق أهدافه بكل الوسائل اللازمة ، وأول ما يحتاجه اليه في تحقيق تلك الأهداف هو قاعدة انطلاق ومجموعة عمل مؤمنة وملتزمة به لتحمله الى كل الاتجاهات ، وهو يحتاج ايضا الى قواعد بشرية يناسبها ويفرحها ما يبدو انه اسلوب عمل وفكر يساهم في تحقيق احلامها حتى لو لم يحققها للأجيال الحاضرة، ويؤكد الصهاينة انه لا يمكن الوصول الى نقطة البداية تلك الا من خلال إقامة دولة تكون قاعدة انطلاقه وانتشاره في ارجاء الأرض.
ومن خلال قراءة سريعة للتاريخ الحديث والوقائع التي صنعته يمكن التعرف بلا مجهود ان فكر الصهاينة واسلوب استخدامهم لذلك الفكر وخططهم وتوجهاتهم العملية تشبه كثيرا الفكر الشيوعي، فقد سعى الفكر الشيوعي الى فرض نفسه على الأرض من خلال استقطاب الدعم من الطبقات العاملة والفقيرة والضعيفة التي تمثل الغالبية العظمى من الناس في أوروبا في ذلك الوقت، والتي عايشت جبروت الاقطاع وتحكم راس المال الشره في مقاليد الأمور على الأرض، حيث خلق بذلك النزاعات والحروب والقتل والدمار واهان الناس وأعطى الفرص الذهبية للقمع والاستبداد وقهر الشعوب ، وأصبحت الطبقات الكادحة بناء على ذلك على اتم الاستعداد لمناصرة بل الانخراط في اي تيار يقول بانه يسعى لرفع الظلم عنها وتحقيق احتياجاتها وامنها وامانها في الحياة، وجاءت الشيوعية لتقيم دولة مرحلية تفرض التوزيع العادل للثروات على كل الناس بغض النظر عن قدرات وامكانيات كل منهم الفردية ، أي انها دعت الى ايجاد حالة اجتماعية على الأرض يكون فيها سد الحاجات مكفولا لكل الناس بدون ربط بين المقدرة وحجم الاحتياج والمكافئة ، على عكس ما يمثله النظام الراسمالي ، ويمكن تلخيص ما سعت اليه الشيوعية في المقولة الشهيرة التي تقول : من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته.
وبالرغم من ان زعماء الصهيونية كانوا من الذين شاركوا في بناء الفكر والفلسفة الماركسية وساهموا كثيرا في وضع أصولها الا انهم راوا بنظرة ثاقبة ان بناء الدولة الشيوعية في أوروبا كان فيه مخاطرة كبيرة ، ظهرت نتائجها مؤخرا وكانت سببا في انهيار الاتحاد السوفييتي وهي محاولة الغاء البعد القومي لمنتسبي الفكر ، فالقومية في اوروبا كانت ولازالت قوية والصراعات فيها على ذلك الاساس مستمرة ، حيث كان من الصعب على الالمان مثلا قبول المساواة الكامله مع الروس او مع الشيشان في دولة واحدة وبالتالي فان الدولة ستكون بحاجة الى قوة هائلة من القمع والجبروت لاسكات كل من سيرفع راية القومية او الفردية فيها وهكذا كان عندما بنيت الدولة في منظومة الاتحاد السوفييتي ، وهكذا صار ذلك واحد من اهم اسباب سقوط التحاد السوفييتي.
ادرك القائمون على الفكر الصهيوني في حينه ان هناك الكثير من المخاطر المتوقعة في مستقبل الدولة الشيوعية في أوروبا وقرروا تفادي تلك المخاطر المستقبلية من خلال البحث عن قاعدة اكثر مناسبة لوضع الفكر موضع التنفيذ ، وبدأوا بالبحث عن موقع على الأرض فيه من الميزات المناسبة التي تجعله متفوقا وتبعد عنه اشباح السقوط التي أدت الى سقوط الدولة السوفييتية ، وتوصلوا الى مفهوم يتبنى الحاجة الى منطقة على الكرة الأرضية بها اربع ميزات يرتكزون عليها:
ان يكون موقعها في العالم وسطيا يجذب الناس اليه وان تكون الحياة فيه مناسبة لكل الاجناس من البشر لا طرفيا مثل اوروبا
ان يمتلك ثروات طبيعية تمكنه من ان يكون قادرا على الوقوف بذاته لفترات ممتدة من الزمن .
ان يكون محيطه مأهولا بالناس المتشابهين في الأصل والتاريخ والعقيدة
وان يكون لهذه الجغرافيا مركز براق له قيمة معنوية ، ويكون من الممكن التعامل مع وضع الناس في ذلك المركز من خلال تدجينهم او حتى طردهم وتفريغ الأرض منهم..
وقد درس منظرو الفكر الصهيوني تاريخ وجغرافية وواقع الأماكن المختلفة بالعالم لوضع نظريتهم موضع التنفيذ ووجدوا ضالتهم في الشرق الأوسط ، فمكانه الجغرافي في قلب العالم وثرواته الطبيعية واعدة وضخمة ويسكنه العرب المتشابهين تاريخا وواقعا وحضارة وقلبه فلسطين ذات البعد البراق الجاذب والقيمة المعنوية الهائلة.
وفوق ذلك وجدوا ان بالمكان المقترح بوادر حركات ضد نظام الحكم العثماني الموجود في حينها ، والتقى ذلك مع رغباتهم ، فقدموا عرضهم بالمساعدة على استقلال المنطقة من الحاكم العثماني على اولئك الباحثين عن ذلك الاستقلال، وفي المقابل وعدوا العدو الأكبر للعثمانيين المتمثل في بريطانيا بمساعدتهم في الحروب الكبرى باوروبا فساهموا في دعم بريطانيا قي الحرب العالمية الأولى مقابل حصولهم على الدعم في البدء بعملية انشاء الدولة الصهيونية الكبرى بداية بالقلب وهو فلسطين، مرورا بالمرحلة التالية التي تمثل هدفا ساميا في اذهان بعض اليهود الذين اختاروهم ليكونوا مركز اعتمادهم والتي هي الدولة الممتدة من النيل الى الفرات ومن ثم استكمال الفكرة على طريقتهم بإقامة الدولة الصهيونية الكبرى على كل مساحة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وتوصلوا الى ان فكرة الابتداء من قلب الموقع ممكنه ولكن ذلك يستوجب استعدادات وإجراءات خاصة ، أولها التحضير للمشروع من خلال إيجاد من يطالب به ويكون معتقدا بصحة مطالبته ، ولان أصول الصهاينة الدينية كانت اليهودية ، وبالرغم من عدم ايمانهم بها الا انهم استغلوها واثاروا موضوع الدولة الإسرائيلية في عقول وقلوب اليهود الذين كانوا يعانون من اشد المضايقات في حياتهم ، من خلال ان كان لهم يوما ما علاقة بهذه الأرض ، وفوق ذلك فان الفكرة اسعدت غير اليهود الذين كانوا يتمنون التخلص من اليهود لينقوا مجتمعاتهم من هؤلاء الغرباء شكلا وموضوعا.
وهذا ما حل الاشكال الأول في فكرة إقامة الدولة ، فبعض اليهود غير الملتزمين دينيا في العالم تناسبهم الفكرة ويملكون المؤهلات التي تصنع دولة وعندهم الدوافع الكافية للالتزام بها وخدمتها والدفاع عنها حيثما يتطلب ذلك. وهكذا تم حل الإشكالية الكبرى في إقامة الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط على أساس الفكر الصهيوني من خلال تحديد نقطة الانطلاق في فلسطين وايجاد القاعدة البشرية المتناثرة حول العالم والتي يمكن ان تحمل أعباء تكوين مركز الدولة وتمدها بالعسكر وبالزراع والصناع والعمال ولتتعامل مستقبلا مع دعم الفكرة الكبرى انطلاقا من المركز.
وبناء عليه كان اختيار فلسطين هو المدخل الانسب لاقامة الدولة المنشودة الكبرى التي ستهيء له الوجود المنشود على الأرض وإقامة الدولة العظمى التي تمتد في كل ارجاء الارض .
وسيكون الوطن العربي كله هو بؤرة الدولة البديلة للدولة الشيوعية التي زالت بسبب سوء اختيار الموقع ، بل سيصبح نقطة الارتكاز التي تنطلق الدولة بعدها وصولا لليابان شرقا ولامريكا غربا وروسيا شمالا الى استراليا جنوبا.
وبدأ المشروع ، واسقطت الدولة العثمانية ، وحصل الصهاينة على وعد بلفور، وشرب القوميين العرب مقلبا في إقامة الدولة العربية الموحدة في العراق والشام ، وأقيمت دولة إسرائيل وكان ذلك نهاية المرحلة الأولى في المخطط الصهيوني البعيد المدى.
ومن مظاهر العمل على المرحلة الثانية عند الصهاينه تصورهم لتحقيق اهداف المرحلة الأولى من خلال :
إقامة دولة إسرائيل واعتراف كثير من دول العالم بها
تمزيق القوى التي كان من المحتمل ان تشكل مقاومة او خطر عليها في المنطقة
إقامة الدول الصغيرة بالمنطقة العربية وجعلها متناحرة معظم الوقت
ابعاد القوى المؤثرة والكيانات الفاعلة في المنطقة عن مشاريع بناء القوى الفعلية ودفعها للاهتمام بالامور الصناعية والزراعية التافهه الاستهلاكية والعديمة القدرة التنافسية
خلق حالات ومفاهيم التشكيك في الموروث والعقائد ودعم الأحزاب والجماعات المحبطة للافراد والمجتمع
هروب العثول ورؤوس الأموال من المنطقة مما جعلها ضعيفة ومستجدية طوال الوقت
ثم بدأت بوادر المرحلة الثانية في المخطط وهي إقامة دولة صهيونية من النيل للفرات تتكون ، تلك المرحلة التي على اساسها قبل اليهود المنحرفين دينيا العمل في ظل للفكر الصهيوني ، ولعل بعض المصطلحات المسموعة أخيرا تدل على ان الظروف اصبحت مناسبة للبدء بالمرحلة الثانية مثل مصطلح الشرق الأوسط الجديد ، كما ان سقوط الاتحاد السوفييتي دل من وجهة نظرهم على مصداقية حدسهم بان الجغرافيا كانت غير مناسبة هناك بينما هي في الشرق الاوسط مناسبة اي ان الجغرافيا التي اختارها الصهاينة لاقامة الدولة الشيوعية الصهيونية انسب.
ومن هنا بدأت عمليه هدم الصوامع العربية والقوى الفاعلة في الجغرافيا المختارة وستبقى من وجهة نظرهم مستمرة الى ان يحققوا أهداف المرحلة ، فمنها مثلا تحطيم العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن ، ومنها ضرب قواعد التالف والالتحام النضالي الفلسطيني ، ولكي تكون عمليات التحطيم مجدية راوا استخدام ايدي محلية للقيام بها حيث ستكون عمليات التحطيم اسرع وأوقع وسيكون بالامكان ايجاد تيارات سياسية تقبل بها على اساس انها حرب ارهاب او حرب ضد التخلف والرجعية مثلا.,
ولكن الأمور لاتسير تماما كما خططوا لها...
فاليهود في العالم انتبهوا الى ان هناك عمليات تخريب وتحريف افكار في دينهم ، فان التوراة على سبيل المثال لم تتحدث عن إقامة دولة لليهود قبل نزول المسيح عليه السلام ، ثم ان تجميعهم في مكان واحد ينفي عنهم مفهوم الشتات الذي تحدثت عنه التوراة ، وبدأ كثير من يهود العالم بالتمرد على الدولة الصهيونيه ابتداء من رفض العمل في الجيش ومرورا بالهجرة العكسية وعمل مؤتمرات في العالم كما في بريطانيا وامريكا للتوضيح أسباب رفض الدولة الصهيونية وللعمل على مقاطعتها. كما ان اهم احراءات الرفض جاءت من عدم استجابة مئات الالاف بل الملايين من يهود العالم لفكرة الانتقال من اوطانهم الى اسرائيل، واقرب الامثلة على ذلك رفض ملايين يهود امريكا ومئات الاف اليهود الايرانيين من الانتقال الى اسرائيل الصهيونية,
كما ان الحضارة الأوروبية التي اعتمد عليها الصهاينة في استمرار امدادهم باسباب القوة وبالتاثير المناسب على المنطقة بدأ بالاضمحلال وبدأت الحضارة نفسها بالتراجع امام حضارات أخرى منافسة لها في المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثم بدأ التكوين الفعلى للنسيج الصهيوني في فلسطين بالتمزق فهاهم صهاينة الاتحاد السوفييتي الذين قدموا للبلاد يتصرفون بعقلية أوروبية فيها نزعة التعالي والتشردم في المجتمع بينما الصهاينة القادمون من افريقيا لا زال بعضهم بلا مأوى وينامون في الحدائق العامة ويمارسون حياة المذلة والعبودية التي احضروها معهم من افريقيا.
اذا ... ان الفكر الصهيوني فكر حديث نسبيا وقد ولد في نفس الفترة التي ولد فيها الفكر الشيوعي وان كان البعض يحاول ربطه بالتاريخ القديم ، ذلك لان الكثير ممن فكروا وقادوا الحركات الشيوعية في اوروبا كانوا من اليهود ، عارفين للتاريخ والثقافة اليهودية ولكنهم ثائرين او منقلبين عليها، ومهما حاول الصهاينة الاختفاء خلف الديانة اليهودية تقف لهم التوراة بالمرصاد وتكشف زيفهم.
كما ان رفض اليهود الانضمام للحركات الصهيونية وعدم التزامهم بقوانين الدولة الاسرائيلية بالرغم من الرشاوي السياسية المتعددة التي قدمتها الدولة الاسرائيلية لبعض الطوائف والاعراق فيها مثل السماح مرة لان يكون راس الدولة ووزير الدفاع من المهاجرين الايرانيين من احل التاثير على يهود ايران ليهاجروا الى اسرائيل ولكنهم لم يفعلوا مما يقدم الدليل الاكيد على عدم تمثيل الصهيونية للفكر والدين اليهودي.
الصهيونية حركة سياسية اقتصادية اجتماعية ذكية ، تتلون حسب الحالة وقد استطاعت بذكائها ان تجتذب الى صومعتها العديد من المؤثرين السياسيين والحكام في المنطقة وخارجها حتى ان بعض حكام امريكا انضموا اليهم وحصلوا على شرف الانتساب تحت اسم الصهاينة الحدد بالرغم من انهم ليسوا يهودا اصلا.