وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من المسئول عن وضع استراتيجية فلسطينية ؟؟!!

نشر بتاريخ: 27/09/2017 ( آخر تحديث: 27/09/2017 الساعة: 20:05 )
من المسئول عن وضع استراتيجية فلسطينية ؟؟!!
الكاتب: عوني المشني
يقول الفليسوف نيتشة " ان الاعتقادات الراسخة هي اخطر أعداء الحقيقة وأخطر من الاكاذيب " والثوابت التي لا تقبل النقاش هي من هذه الاعتقادات الراسخة، وفي مجتمع أصبحت فيه المراجعة والمحاسبة السياسية تابو مقدس فان من يملك المقدرة على تغيير تلك المعتقدات هو الرئيس فقط ، لذلك وفِي خطابه في الامم المتحدة فقد ازال الرئيس الهالة المقدسة عن تلك المعتقدات وفتح باب النقاش على مصراعيه وأصبح المجتمع الفلسطيني - بقدرة قادر - بحاجة الى استراتيجية عمل جديدة لا بل ان تلك الحاجة أصبحت في عداد المتفق عليه من الجميع ودون استثناء، وهذا جيد وان كان متاخرا، ولكن ما بقي في إطار التابو الممنوع نقاشه هو من المؤهل لوضع هذه الاستراتيجية ؟؟؟!!!!، هل هي ذات القوى التي حملت الاستراتيجية التي فشلت ؟؟؟!!! هل هي بدائلها التقليدية ؟؟!!!! ام ان هناك حاجة لقوى جديدة ؟؟!!!!
تاريخيا ومنذ عام ١٩٦٩ شكلت حركة فتح محور الحياة السياسية الفلسطينية وقادت تحولين مهمين في التاريخ السياسي الفلسطيني ، التحول الاول وضع الشعب الفلسطيني امام استراتيجية الكفاح المسلح وتقدمت فتح خطوة على هذا الصعيد لتلحق بها مختلف الفصائل الفلسطينية ، اما التحول الثاني فهو برنامج النقاط العشر عام ١٩٧٤ والذي يسعى لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ما بين هذين التحولين الاستراتيجيين كل ما يأتي تفاصيل تخدم هذا التحول او ذاك ، وقد وصلت هذه الطريق في الآونة الاخيرة الى نهايتها وفِي التحولين معا : تم التخلي نهائيا على الأقل في فتح عن الكفاح المسلح، وتم تأبين حل الدولتين في خطاب الرئيس في الامم المتحدة ، وحتى ان لم يعلن رسميا عن وفاة هذا الحل فانه توفي سريريا ، وبصراحة لا تنقصها الوضوح فتح الرئيس ابو مازن الباب على مصراعيه لنقاش التحول الثالث وذلك بإعلانه اننا قد نحل السلطة ونلجأ الى خيار الدولة الواحدة . ولكن وضع العربة امام الحصان لا يؤدي بالقافلة السير الى الامام ، ونقاش استراتيجية جديدة دون تحديد القوى المؤهلة لذلك لا يشكل عملا منهجيا علميا في تحديد استراتيجيات الشعوب ، فالحديث عن نتيجة مسبقة للحوار بتبني خيار محدد ، اي خيار كان ، هو استباق للكثير من المسائل ووضع العربة امام الحصان ، لان الموضوع المركزي ليس ما هي الاستراتيجية القادمة وإنما من هي القوى التي ستقود المجتمع الفلسطيني في العمل بالاستراتيجية القادمة ، ان من فشل عبر خمسون عاما من تحقيق استراتيجيته يحق له الإعلان عن فشلها ولكن لا يحق له تكريس نفسه قائدا لبديل هذا الفشل .
ورغم ان الدكتور ابراهيم ابراش يرى " ان الكرة في ملعب حركة فتح لتضع استراتيجية المرحلة القادمة " على اعتبار ان " حركة فتح دون غيرها هي المسئولة والمؤهلة للقيام بالمراجعة الاستراتيجية " فان هذا يعني اعادة انتاج للحالة الفلسطينية التي أدت للفشل ، فعندما تفشل مرحلة استراتيجية فان القوى التي كانت قائدة لتلك المرحلة تفشل ، كما ان التغيير يفترض ان لا يقف عند حدود الاستراتجية التي فشلت بل القوى ذاتها التي قادت تلك المرحلة ، هذا هو منطق التاريخ ، وهذا هو ناموس العمل السياسي الصحيح ، ربما في النظم الدكتاتورية فقط تتغير الاستراتيجيات وتبقى أدوات العمل هي ذاتها ، لكن باي مفهوم علمي فان الفشل الحقيقي لم يكن لخيار الدولتين بل للقوى التي عملت عليه ، وبغض النظر عن الأسباب الذاتية والموضوعية التي تجمعت وأدت لهذا الفشل فان النخب التي قادت هذه الاستراتيجية فشلت في خلق قوى ذاتية وبالتالي فشلت في احداث تغيير موضوعي يؤدي لنجاح .
هنا سنواجه بسؤالين الأول سؤال ساذج الى حد الغباء وهدفه الاصطياد في المياه العكرة ، هذا السؤال : اذا ليست فتح هي المؤهلة للمراجعة هل يعني ان البديل هو حماس او اليسار الفلسطيني ؟ وكونك فتح كيف تجرؤ على طرح هذا التصور ؟!!! اولا عندما نقول فتح هي من فشل فإننا نعني ان القوى السياسية والتي عاصرت فتح وعاشت تحت قيادتها الاستراتيجية هي شريكة اصيلة في الفشل ، والأكثر دقة ليس فشلا ، هذه القوى استنفذت دورها التاريخي بفشل استراتيجيتها ، عندما يفشل النظام لا يفشل الحزب الحاكم فقط بل يفشل الحزب الحاكم والمعارضة في ذات الوقت ، اما حماس فقد فشلت بأثر رجعي في تشكيل بديل ناجح عن القوى السائدة واثبتت بجدارة انها من " نفس الطينة " ولا تشكل اي فارق حقيقي عما هو سائد . ان مراجعة عميقة نجد ان حماس قد عملت كل شيئ لتعزيز سيطرتها وقيادتها الا منهجية مختلفة ناجحة .
السؤال الثاني والذي له مبرر وشرعية هو : اذا ليست فتح ولا حماس ولا الفصائل الاخرى من سيضع استراتيجية ، من اذن ؟؟؟؟ اليست هذه نظرة عدمية ؟؟؟
ان القوى التي قادت المرحلة السابقة قد فشلت وقد اقرت بفشلها ، لهذا لا بد من المجتمع ان يفرز قوى جديدة مختلفة نوعيا وبشكل جذري عن القوى البائدة ، هذا قانون علم الاجتماع السياسي ، حتى اللحظة المجتمع الفلسطيني متأخر في هذا الموضوع بعض الشيئ ، وتأخره له أسباب موضوعية ولكن ملاحظات عدة تؤكد ان تلاشي هذه العملية قد بدأت ، ومن لا يراها هو ذلك الذي لا يقرأ ما بين السطور ولا يستنتج الفلسفة التي تقف خلف الحدث ، المؤشر الاول ان الانتفاضة الاخيرة المسماة هبة او انتفاضة السكاكين كان معظم من شارك بها مستقلين عن فصائل العمل السياسي وحتى من كان منتميا منهم فقد ذهب بدافع شخصي وليس قرار تنظيمي ، اما المؤشر الثاني ان النخب الثقافية الفلسطينية وفِي عدد لا يستهان به يفتخر بانه لا ينتمي لأي فصيل ، وهناك من ذهب اكثر بتشكيل تجمع الشخصيات المستقلة ، وأصبح مصدر فخر يتم تداوله بان هذا او ذاك مستقل ولا ينتمي لأي فصيل بعد ان كان قبل عشرات السنوات مصدر خجل وشعور بالقصور !!! ثالثا ان الأصوات التي تنادي بتشكيل اطر فلسطينية جديدة تتزايد وترتفع وتيرتها ، وهذا تعبير عن شعور بتزايد بعدم تلبية الاطر الحالية حاجات الشعب الفلسطيني ، بعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بدأ يتعاظم دورها ويعكس نفسه سياسيا ، ماذا يعني أربع مؤسسات حقوق انسان ترفع للمرة الثالثة طلب احالة للجانئية الدولية ؟!!! وما ذايعني ان وكالة معا للأنباء اهم من وفا ومن التلفزيون الفلسطيني ؟؟؟ كما ان هناك من ينادي بتشكيل احزاب سياسية جديدة ايضا ، هذه الدعوات او بداية التشكيل تدعوا للسؤال عن الأسباب الكامنة خلفها .
ان تلك مجرد مؤشرات جنينية ، ولكنها ارهاصات مرحلة جديدة بدأت فعلا ، والمسألة مسألة وقت ليس الا .
اننا امام مرحلة نوعية ، لا تحتمل العبث ، المرحلة استنفذت باستراتيجيتها وقواها وأدواتها ، والشعب الفلسطيني ليس بعاقر ، وتباشير التغير بادية في الأفق لمن يرى ابعد من انفه .