وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

غاب أحمد وبقي "عازف" الوحدة الوطنية..

نشر بتاريخ: 09/10/2017 ( آخر تحديث: 09/10/2017 الساعة: 11:20 )
غاب أحمد وبقي "عازف" الوحدة الوطنية..
"كواكب لا تغيب" لـ"الإعلام":غاب أحمد وبقي "عازف" الوحدة الوطنية.. 
خصصت وزارة الإعلام الحلقة (41) من سلسلة "كواكب لا تغيب" لسيرة الشهيد أحمد محمد الكيلاني، الذي أوقفت رصاصة قنّاص إسرائيلي أحلامه قبل 29 سنة، حين كانت انتفاضة الحجارة في أوجها.
وسرد الشاعر د.سامي قصة شقيقه صاحب الابتسامة الدائمة، والشاب طويل القامة، و"الأسمراني"، والعصامي، والنقابي، وقال بصوت حزين: "لا زال مشهد وداع أخي حاضرًا، ولا تمر لحظة إلا وأعادت والدتي الحاجة عائشة استحضار ما حصل صباح 8 تشرين الأول 1988، حين قطع فطوره، وانضم لشبان بلدة يعبد وسط ساحتها لصد اقتحام جيش الاحتلال بالحجارة، ورفض محاولاتي أمي أن يكمل طعامه، ولم يعد حتى يومنا".
ووفق الأخ الأكبر، الذي منعته قيود سجن النقب الصحراوي من وداع شقيقه، لم تمر غير لحظات إلا وتعالت أصوات الرصاص ليقفز قلب الأم من مكانها، وتخبر من حولها بأن حبيبها أصابه مكروه، وهو ما حدث بالفعل، فقد انتظر القنّاص الشاب صاحب الشعر الأسود ليخرج من خلف جدار، مصوبًا رصاصة واحدة استقرت في الصدر.
يسترد: اختطف الشبان أخي، وحملوه على الأكتاف، وأوصلوه إلى عيادة داخل كفر قرع، ولم يستطع طبيبها فعل شيء، ونقل إلى مستشفى الخضيرة، وفيه اختطف جنود الاحتلال الجثمان، ودفنوه في قرية تعنّك، إلا أن الشبان أخرجوه من ترابه، ونقلوه إلى مسقط رأسه.
"دينمو"
وتابع: تعرض أحمد لفترات اعتقال طويلة تكررت 20 مرة، ووضع على رأس قائمة الاغتيالات، وحين كشف مراسل "رويترز" أن وحدات المستعربين "دوف دوفان" تستهدف أخي جرى إبعاده عن فلسطين. وعرفته شوارع يعبد بنشاطه وحركته، فقد كان يشبه "الدينمو"، ولا ينسى الأهالي حرصه على الوحدة الوطنية، فحين نشب خلافات بين الفصائل أسرع إلى ساحة البلدة ونحت شعار "الدم الفلسطيني لا يتجزأ، ورصاص الاحتلال لا يُفرّق"، وصار يردده كثيرًا، ثم تحول لأحد الشعارات الوطنية الأبرز.
وباح سامي، الذي يعمل اليوم نائب رئيس جامعة النجاح الوطنية للشؤون المجتمعية: اخترع أخي نمطًا غريبًا من المقاومة، فحين كثرت استدعاءات مخابرات الاحتلال له، كان يعيد إرسال الطلب إليه، ويكتب عليه: "زمن أول حوّل"، وهو ما أخذ الشبان بتقليده.
نشط الكيلاني في مقاومة المحتل، وأعاد نقل جثمان الشهيد سميح العمور، الذي ارتقى باعتداء على طلبة جامعة الخليل عام 1985، من قرية رمانة إلى يعبد، وسبقها أن راح "حاكم العسكري" (موشيه إلعاد) يطلق نداءات بمكبرات الصوت لأهالي يعبد: "لن نُسّلم سميح، إلا إذا سلّم أحمد نفسه".
قيود
تلقت عائلة الكيلاني نبأ أحمد في وقت كان أخوته الأربعة خلف القضبان: سامي في سجن النقب، والمرحوم عدنان في (مجدو)، أما سليم ففي زنازين جنين، وخالد في قسم ثانٍ من النقب الصحراوي، فيما كان الأب قد رحل عن الدنيا، وبقيت الأم مع ابنتيها الصغيرتين: أسماء وإسلام لمواجهة الدموع والحسرة.
وأعاد رحيل الأب قهر سامي إلى الواجهة، فيومها كان ينتظر الحرية من سجون الاحتلال، وتفصله عنها 48 ساعة، إلا أن الموت كان الأسرع، وبتدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سمح لسامي بوداع والده، وحضرها مكبلاً بيديه مع شرطي إسرائيلي، وبمرافقة دورية عسكرية يوم 9 كانون الأول 1980.
وزاد: تقدم أحمد مني وشدّ على يدي، وقال لي: لا تخف، نحن أقوياء، وأعدك أن أكون على قدر المسؤولية، ثم مضيت وعدت لإكمال حكمي، التي كانت أقسى فترة في حياتي، تلتها كلمات أمي التي تسألني عن أحمد، وأين ذهب؟ ومتى سيعود؟
عصامية
ولد أحمد في 23 أيار 1960، وشق طريقه في الحياة بعصامية كبيرة، فالأخوة الأكبر يتوزعون على معتقلات الاحتلال، والأب تحت التراب، والأم وحيدة، فبدأ بتدشين محل لبيع الدواجن، ثم أسس مزارع لتربية الأغنام والدواجن، وعمل في البناء، وأحبه اليعبداويون، الذي كانوا يطلبون منه التدخل لحل خلافاتهم الاجتماعية، وكلما كان يشاهد الجيران وكبار السن والنساء يحملون أغراضًا شخصية، كان يأخذها منهم، ويوصلها إلى وجهتها.
وبحسب د.سامي، فإن آثار أحمد باقية: مزارع تربية الأغنام والدواجن، والمتجر وسط البلدة، والزيتونة في مدخل البيت التي غرسها، وظلت الأم تسمى باسمها، وتمدها برعاية وافرة وخاصة، في وقت حطّم جنود الاحتلال ضريحه قبل سنوات.
ولا ترحل من ذاكرة الأخ المطوّقة بأحزانها مفاصل هامة، قضاها في طفولته، فقد حرص الغائب على تقليد الجار أبو عمر، الذي اشتهر بجلساته وحركاته الطريفة واللافتة، وصار الأهل والجيران ينادونه ( أبو عمر)، فيضحك، ويكرر محاكاة ما يطلبون.
يحمل أحمد الترتيب الثالث في عائلة، فقبله سامي، وعدنان، ويتبعه سليم، وخالد، وأسماء، وإسلام، لكن الشاب الأسمر تكرر في بعض تفاصيله لمن حملوا اسمه من أبناء أخوته.
رثاء
يختتم الشاعر سامي برثاء قديم نظمه لأحمد: " تزدحم الأسماء أمامك، تعرض نفسها كالصبايا تعشق الفرسان، تملأ الكون ضياء..يا أحمد الحجر ، يا أحمد النداء، يا أحمد العز، يا أحمد القّسام، يا أحمد اليعبد، يا ابن محمد، يا ابن عائشة، يا أحمد الزعتر، يا أحمد الحزب، يا أحمد الرفيق، يا أحمد الثورة، يا أحمد الأزهار، ... يا أحمد الحزن، يا أحمد الفرح، يا أحمد الوطن...".