وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ليس الاكبر هو الافضل بل الافضل هو الاكبر بقلم - ياسين الرازم

نشر بتاريخ: 04/02/2008 ( آخر تحديث: 04/02/2008 الساعة: 09:05 )
بيت لحم - معا - اولى الاسلام الشباب مكانة رفيعة ورعاهم رعاية خاصة انطلاقاً من رؤيته للجيل الشاب انه الجيل الفاعل والمؤسس الذي يملك طاقة البناء وقوة الفعل والتغيير ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر بأبوة خالصة للشباب ويقربهم اليه ويكلفهم بالمهام الجسيمة التي تشعرهم بالمسؤولية وكان دائماً يدعو الى صيانة هذه الطاقة الخلاقة واستثمارها، ومن بين الاحاديث الشريفة في هذا المجال قوله عليه السلام ( اوصيكم بالشباب خيراً فانهم ارق افئدة ، ان الله بعثني بالحق بشيراً ونذيراً فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ )، وكثيرة هي المناسبات التي اولى رسولنا الكريم الشباب المسؤوليات الجسيمة والعظيمة ،ومن ابرزها ارساله لمصعب بن عمير للمدينة المنورة، واستخالفه لشاب لم يتجاوز العشرين عاماً ويدعى عتاب بن اسيد على مكة المكرمة عندما عاد الى المدينة المنورة بعد عودته من فتح مكة ، وعندما احتج بعض المسلمين على الرسول لتنصيبه هذا الشاب فكان جوابه صلى الله عليه وسلم ( لا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه ، فليس الاكبر هو الافضل بل الافضل هو الاكبر )، ولاشك انه كان لرسولنا الكريم حكم عظيمة في هذه الامور منها تحفيز الشباب واعترافاً بوجودهم وايماناً بمقدراتهم.
ما دعاني للاتيان بهذه المقدمة التي قد تبدو طويلة بعض الشيء ، هي الحالة التي عليها شبابنا في المؤسسات والمراكز والاندية الشبابية والرياضية من جهة ، ومن جهة اخرى ان هذه المؤسسات تعول الشيء الكثير على شريحة الشباب في تحقيق اهدافها وغاياتها والوصول الى الانجازات ومنصات التتويج ، ولكن دون ان تعمل على توجيه هذه الشريحة الوجهة الصحيحة وتنمي بداخلها معاني الانتماء والالتزام والاخلاق العالية والتنافس الرياضي الشريف ، وذلك بالتركيز فقط على الاعداد البدني والجسماني لتحقيق النتائج والانتصارات والبطولات ، ونسيان التوعية و الاعداد التربوي والديني والاجتماعي بزرع الفضائل والاخلاق الحميدة في نفوس الشباب لصيانته من الانحراف والسقوط في مهاوي الرذيلة والفساد ، والغرور ، لان هذه المظاهر السلبية تقصر من عمر الرياضي في الملاعب والميادين، وتحوله من لاعب ونجم واعد الى لاعب مشاغب ومثير للمشاكل قبل ان تلقي به الى خارج الاسرة الرياضية، واحياناً يتحمل الاعلام الرياضي جزءً من المسؤولية من خلال تسليط الاضواء على عدد من اللاعبين دون غيرهم ، او تسليطها على لاعب غير ناضج .
بنظرة سريعة الى اوضاع لاعبينا الشباب، وخاصة اولئك الذين ما زالوا في مقتبل العمر ويمرون في اخطر مراحل الحياة، نجد ان غالبيتهم العظمى تعكف على تقليد النجوم العالميين في اللباس والمشي والشعر والقلائد من شعارات واساور تخدش الحياء والرجولة وتنتقص منها ، وما يزيد الامور صعوبة وتعقيداً هو موقف بعض الاداريين والمدربين الذين لا يلتفتون الى هذه الامور ،لا بل ان بعضهم ينظر اليها على اساس انها تحفيز للاعب في تحقيق الانجاز ويذهب البعض الاخر في وصف لاعبيه بألقاب لنجوم عالميين امعاناً منه في تشجيع اللاعبين على التقليد والمحاكاة ظاناً انه بذلك يزرع الثقة ويعززها في نفوس تلامذته لتحقيق الانتصارات والبطولات ، مع انه يزرع بذور الغرور والاعتداد بالنفس والانانية في نفوس اللاعبين الشبان ، لا بل ان الانكى من ذلك كله اعتماد اسلوب جديد قديم لدى بعض الاندية و اللاعبين والمدربين في استفزاز الخصم من خلال بعض العبارات التي تخدش الحياة ، والتي يفسرها بعض المدربين بأنها اسلوب مشروع في تشتيت تركيز الخصم تمهيداً للفوز عليه .
شريحة كبيرة من لاعبينا الشباب وبسبب توقف الدوري العام خلال الاعوام الثلاثة الماضية قفزت دفعة واحدة من فئة الاشبال والناشئين الى فئة المصنفين لسد الفراغ الحاصل بسبب اعتزال اللاعبين الكبار ، وجاءت هذه النقلة عشوائية وارتجالية دون ان يمر اللاعب في المراحل الاعدادية النفسية والتربوية والرياضية السليمة ، ما انعكس سلباً على اداء الفرق واللاعبين ولو نظرنا الى معظم الاشكاليات التي تحصل في ملاعبنا لوجدنا ان خلفها لاعب شاب متهور وموتور او مدرب متعصب لفريقه يفشل في كبح جماح لاعبيه وضبط اعصابه ما يثير الجماهير ويتسبب بما نسميه شغب الملاعب .
لست ضد منح اللاعبين الشبان الفرصة في اللعب مع اللاعبين الكبار في الفرق المصنفة ، بل على العكس ارى ان الظروف المحيطة تفرض علينا ذلك، ولو كنت مكان الاتحادات الرياضية وخاصة الجماعية، لنظمت الدوريات والمسابقات الرسمية لفئة الشباب والناشئين لانهم الامل والثروة والعتاد ورأس المال ، ولكن هنالك حاجة في التفكير ملياً قبل تصعيد أي لاعب من فئة صغيرة الى فئة كبيرة ، ويجب الانتباه والنظرالى مكونات اللاعب النفسية والتربوية والنضج الخلقي قبل النظر الى مكونات اللاعب الفنية والمهارية والنضج الرياضي ، ولا يكون ذلك الا من خلال استدامة عملية الارشاد والتوجيه والتوعية التي يقوم بها المدرب مع اللاعبين منذ الصغر ، فلا معنى للاعب واعد لايستطيع اكمال مباراة واحدة دون اثارة المشاكل او الحصول على الانذار والطرد ، والافضل منه لاعب عادي يمتاز بالانضباط والخلق الحسن لانه يستطيع البقاء في الملعب حتى نهاية المباراة .
علينا الانتباه جميعاً الى ثقل المسؤولية الملقاة على عواتقنا جميعاً من مربين ومدربين واداريين ومسؤولين ، وهي حفظ الشباب وتأمين كل مستلزمات وشروط القوة والفعل له ، ليكون شاباً رياضياً ناجحاً منتجاً واعياً متخلقاً بالقيم والفضائل المثلى ، وهذه مسؤولية تفوق أي مسؤولية لان صناعة الانجاز الرياضي على اهميته لا تفوق صناعة الرياضي الانسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على الخلق اجمعين .