وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

يا ابن الزانية.. ما هذا الفيلم؟

نشر بتاريخ: 12/04/2018 ( آخر تحديث: 14/04/2018 الساعة: 09:08 )
يا ابن الزانية.. ما هذا الفيلم؟
الكاتب: جدعون ليفي- هآرتس
لنفرض أن الجنود في الفيلم القصير لم يهتفوا، ولم يبتهجوا ولم يتفوهوا بكلام بذيء. لنفرض أنهم قالوا "ليرحم الله أبناء الروضة" الخاصة بيهودا عميحاي قبل أن يتهيّؤوا لقتل المتظاهرين. ولنفرض أنهم بعد إطلاقهم الرصاص الحيّ على المتظاهر غير المسلّح صلوا "إلى الله الرحمن الرحيم" لتصعد روحه إلى السماء، إن كان قد قُتِل، كعشرات القتلى الآخرين. لنفرض أن الجنود كانوا مصدومين. وبعد ذلك اجتمعوا "لدردشة المحاربين" وتكلموا عن القِيَمِ والأخلاق حتى منتصف الليل، وقريبا الكتاب. وبعضهم يحتاج إلى علاج نفساني بسبب الصدمة النفسيّة وبسبب صدمة ما بعد الصدمة. ولنفرض أنهم بعد مضي زمن ما سينظمون إلى منظمة "يكسرون الصمت" وسيعترفون بما فعلوه وأنهم نادمون على ما اقترفت أياديهم. وبعد ذلك يقوم منتج سينمائيّ يساريّ وينتج عنهم فيلما، يبين كم كانت غالية ضحيّتتهم وكم هي شديدة معاناتهم، كما هو في فيلم "فالس مع بشير*" أو في فيلم "فوكستروت". كم كنّا طيبين، وكم كان يمكن أن نكون طيّبين. قبل أن يأتي الفيلم ويُفْسد كلّ شيء.
لنفرض أن القناصة كانوا جنودا ذوي قِيَمٍ كهذه، وأنهم كانوا مضطرين إلى تنفيذ ما أُمِروا به وأنهم يتعذبون كعذاب شاؤول. هل كان هذا سيجعلهم أناسا صالحين أكثر؟ أدميين أكثر؟ أخلاقيين أكثر؟ كانت قلوبنا ستكون معهم، أكثر من الزغردة والهتاف الذي في الفيلم القصير.ولما انفجرت أيّة فضيحة – وكان الجنود الطيّبون سيستمرون في قنص المتظاهرين.
نصف إسرائيل صُدِمت للحظة من الفيلم القصير. كان هذا بعد يومي جُمْعة قُتِل وجُرِح فيهما مئات الأشخاص غير المسلّحين، في الوقت الذي لم يشكّلوا خطرا على حياة أيّ إنسان، سكتت إسرائيل. إنها مرتاحة من المجزرة، تبررها مع جوقات. وفجأة ظهر الفيلم وأوقف الحفلات لبرهة. هكذا يتفوّهون؟ هكذا يتصوّرون؟ لا يليق، جنودٌ، حتى قائد المعركة، أبيغدور ليبرمان، قال، أن الجندي المصوّر يستحق لقب جندي أوّل. فضيحة لدقيقة عن الأدب واللياقة. يحقّ للجنود أن يقتلوا وأن يجرحوا كما يطيب لهم، ولكن لايحقّ لهم ن يتفوّهوا هكذا، وهذا ليس للتصوير.
يجب أن يتعلّموا من الطيّارين، مثل هذا لا يحدث معهم، عندما يلقون قنابل تزن طنا على بيوت سكنيّة في غزّة لا يهللون في مقصورة الطيران ولا يشتمون. ألسنتهم نظيفة كالثّلج. لا تسمعوهم يقولون: "ابن زانية، ما أجمل هذا الفيلم القصير. وواو ، أصابوا أحدا برأسه، طار في الهواء مع رجله، انقلعوا، يا أبناء الزانيات". هذا ليس أسلوبهم. بعضهم عانى خلال التحقيق بعدما عادوا إلى قواعدهم، مع أنهم لم يرَوْا البياض في عيون ضحاياهم، كإخوتهم القناصة. ربما لهذا هم ذوي قيَم أكثر من القناصة.
ينبغي أن نشكر جنود الفيلم القصير على مشاعرهم الحقيقيّة التي عبّروا عنها بصورة صادقة، وعلى قرارهم بإشراكنا لأحاسيسهم وعلى وضع حدّ لنهاية التلون والمَسْكَنَة. هذه كانت فَرْحة صادقة وساذجة، أن يروا عربيا يطير في الهواء وتطير معه رجله. كان هذا احتفالا لرؤية عربيّ يُصاب برأسه. ماذا اردنا غير ذلك؟ غيرأن يصوِّب الجندي على مواطنين يصيبهم وأن لا يفرح؟ أن يراهم بشرا؟ عندئذ من المُحال يؤدّى مهامه. عليه أن يعتقد أن مقابله تتحرّك حشرات وعليه أن يبيدها.أو على الأقل مخربين مصيرهم واحد. وإذا لم يكن هكذا، مَن سيطلق النار؟ هذا العمل لا يُمْكِن تركه للوحات والدوائر. وعندما ينجحون بإصابة صِرصار يُعْتَبَر خطيرا، لا بُد أن أن يعربوا عن سرورهم. في الواقع من أجل هذا رُكِّزوا على تلال رملية بالقرب من الجدار، كي يطلقوا النار ويصيبوا، ويقتلوا ويجرحوا. وإلاّ، كان بالإمكان الاستعانة بوسائل أخرى قير قاتلة.
أطلق الجنود في الفيلم القصير النار ولم يبكوا. لأنه في الحقيقة ما الذي سيبككيهم؟ إسرائيل تريدهم أن يطلقوا النار على مواطنين أبرياء، وزير الدفاع سيمنحهم وسام استحقاق عن كل جريح وقتيل، قادتهم يأمرونهم بإطلاق نار حيّة على المتظاهرين، ويقصّ علينا المراسلون والمحللون عن شجاعتهم. إذن ما نريد بالضبط؟ فقط نريد أن يتكلّلموا بأدب. وألا يقتحمون صمتنا بشتائمهم القذرة، ابن الزانية.

هآرتس- ترجمة: أمين خير الدين