وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"راكب الريح" رواية الفنتازيا الفلسطينية

نشر بتاريخ: 23/05/2018 ( آخر تحديث: 23/05/2018 الساعة: 11:48 )
"راكب الريح" رواية الفنتازيا الفلسطينية
الكاتب: شفيق التلولي
عندما أهداني الروائي الفلسطيني الكبير المعلم والصديق العزيز يحيى يخلف روايته "راكب الريح" قبيل أن نعود وزملائي الكُتّاب غريب عسقلاني وعاطف أبو سيف وسليم النفار إذ كنا نشد الرحال إلى غزة بُعيّد مشاركتنا في دورة المجلس الوطني الثالثة والعشرين ومعرض فلسطين الدولي الحادي عشر للكتاب، كنت أتوقع أنها رواية فريدة من نوعها سيما وأن كاتبها من رواد الجيل الثاني في الرواية الفلسطينية، كان يحيى يخلف قد تفضل بزيارتنا إلى نُزلنا في فندق الزهراء برام الله، فرغم أنه كان في طريقه للسفر إلى العاصمة الأردنية عمان للمشاركة في اجتماع مؤسسة الشهيد ياسر عرفات، غير أنه أصر أن يأتي لتوديعنا وإهدائي هذه الرواية بعدما أهداني رواية "اليد الدافئة" في وقت سابق خلال زيارة سابقة لذات النُزل ودعوته الكريمة واستضافتنا في إحدى مقاهي رام الله الجميلة، ورواية "اليد الدافئة" كانت قد صدرت عقب رواية "راكب الريح" إلا أنني باشرت في قراءة "راكب الريح" حيث كنت أنتظرها بشغف وأتوق لقراءتها.
سافرت بين دفتيها أقرأ سطورها ووصفحاتها وفصولها بنهم، ورغم أنني توقعت تفردها وتميزها إلا أنني لم أكن أعرف أنها ستأسرني بسحرها إلى هذا الحد الذي جعلني أعيش أحداثها بكل تفاصيلها في سرد جميل ومحكم استطاع من خلاله أن يوظف سورة يوسف التي تناص معها بما يحقق أبعاد شخصية يوسف التي اختارها بعناية وجسدها بما يخدم فكرة النص الروائي، كذلك استخدم الأسطورة وحكايات ألف ليلة وليلة ليقول إن ثمة واقعية سحرية فلسطينية بالإمكان الخوض في غمارها وصوغ تجربة كتابية تليق بالحكاية الفلسطينية ليس على الطريقة الواقعية التقليدية إنما بما يمازج بين الواقع والخيال في تركيبة دسمة تصل ذروتها إلى فنتازيا الخيال الروائي الذي برع يحيى يخلف في التحليق في فضائه بجناحي الواقع والخيال كدال الغزالة في روايته التي نفخ فيها الحكيم الهندي الروح فتوثبت وانطلقت للحياة من جديد وكدال جناحي أبطال الأساطير الذين اقتحموا الرواية بإتقان محسوب من قبل الكاتب، ربما اتكأ يخلف على التاريخ وتنقل بنا في جغرافيا المكان.
تنقل بنا في رحلة يوسف من بقعة لأخرى تملؤه الطاقة التي جعلت منه راكب الريح الذي يطير عالياً ولوجاً لما يبتغي ومقاتلاً شرساً كلما نازله الأعداء، يوسف المغامر الذي خاض غمار تجارب مع نساء لكل منهن حكاية فمن العيطموس عالية المقام إلى ذات السن الذهبية الشيطانية إلى الهندية ذات النقطة الحمراء على جبينها، ليعود به الحال إلى العيطموس ووصيفتها أسرار التي رافقت حكايته معها واحتفظت باللوحة التي رسمها لسيدتها قبيل سفره من يافا، يافا التي أحبها وعشق بحرها، حافظت أسرار على اللوحة فلم ينل منها الطغاة الفرنسيين خلال حملة نابليون بونابرت على المدينة وتحطم أحلامه أمام أسوار عكا بعدما أعمل في يافا ما أعمل من قتل وترويع ومجازر طالت والدي يوسف فقد حصدتهما الحملة النابليونية المحمومة كما حصدت الكثير من أرواح اليافويين بل نقلت مرض الطاعون للعديد من النساء اللواتي اغتصبهن جنود حملته المسعورة حتى أن العيطموس وجدها مصابة بذلك المرض اللعين لتشفى على يد الحكيمين الهنديين ورفيقتهما صاحبة النقطة الحمراء على جبينها. ويعود يحيى يخلف بيوسف بعدما أخرج منه الطاقة القوية التي تسكنه لينتصر به للعدل والمساواة والسلام الذي يريد ان ينشره من الشرق إلى الغرب فرسالته رؤيته التي يريد أن يصل بها من خلال هذا العمل الروائي هي انتصار الحكمة على الطغاة وأن يافا باقية ما بقي بحرها وأن فلسطين ليست مجرد محطة للغزاة العواة إنما فيها ما فيها من تجليات الروح وحكايات العشق والغواية وثراث لتاريخ عريق لا ينال منه المارقين.
اتمنى من الكاتب يحيى يخلف أن تكون رواية "راكب الريح" الجزء الأول من ثلاثية فيكمل عليها بحقبتين تاريخيتين حقبة الانتداب البريطاني التي تلي حقبة العثمانيين الأتراك وما تبعها من الحملات الغربية الفرنسية وحقبة الاحتلال الصهيوني واغتصاب أرض فلسطين، فما زال يوسف الذي لم يبتلعه الحوت في رواية "راكب الريح" حي بروحه المتوثبة وما زال أثر يقطينة يونس على شاطئ فلسطين شاهدة على قذف الحوت له من بطنه الحوت الذي أراد أن يحط بيونس على شاطئ يافا لم يمت بل ربما هو ذلك الحوت الذي وظفه يخلف في روايته يوم أن قفز يوسف اليافاوي إلى بحر يافا في فاتحة مغامراته وركوب الريح.
شكراً الروائي المبدع والخلاق يحيى يخلف لأنك غمرتنا طوال رحلتنا الأخيرة في رام الله وشكراً لأنك أمتعتنا وأخذتنا بعيداً مع "راكب الريح" التي استحقت جائزة "كتارا" للرواية العربية وتستحق المزيد من الجوائز.