وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل العمل المسلح مفتاح القبول؟!

نشر بتاريخ: 08/12/2018 ( آخر تحديث: 08/12/2018 الساعة: 13:31 )
هل العمل المسلح مفتاح القبول؟!
الكاتب: سري سمور
في حديثي السابق عن أسباب ضعف شعبية وتأثير المبادرة الوطنية الفلسطينية، ذكرت العمل المسلح ضد الاحتلال، وأنه جاذب للشعبية، وأن للبندقية مركزية في الوجدان الفلسطيني منذ الثورات والهبّات ضد الإنجليز، وحتى هذه اللحظة، وحرصت القوى والحركات والفصائل الفلسطينية على تقديم نفسها إلى الجمهور من بوابة العمليات العسكرية المختلفة ضد الاحتلال، والشهداء الذي قضوا أثناء أو بعد هذه العمليات، وقد صاروا أيقونات دونها كل الأيقونات عند أجيالنا عبر العقود الطويلة الماضية وحتى الآن.

مقارنات تطرح نفسها
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا حجم تأييد الجبهة الديموقراطية (نايف حواتمة) أكبر من حجم تأييد الجبهة الشعبية-القيادة العامة(أحمد جبريل) علما بأن الأولى أبرز عملياتها التي ما زالت تفاخر بها هي (معلوت-ترشيحا) التي وقعت في 1974 بينما (ج.ش.ق.ع) لها عمليات كثيرة موجعة جدا للعدو.
ولماذا للمبادرة تأييد أكبر من (ج.د) و (ج.ش.ق.ع) إذا كانت لا تخوض العمل المسلح سواء نظريا أو عمليا، ولا تنوي ذلك حتى الآن؟هل نبالغ في مركزية السلاح في الوعي الفلسطيني؟
سؤال مهم؛ ففعلا (القيادة العامة) نفذت عمليات نوعية مهمة، وحسبنا أن نذكر عملية (ليلة الطائرات الشراعية) في (كريات شمونا-الخالصة اسمها الأصلي العربي، 25 11/1987م) والتي ربما كانت سببا رئيسا لاندلاع انتفاضة الحجارة بعد حوالي أسبوعين من وقوعها وقبلها بعامين أبرمت صفقة تبادل أسرى ناجحة(صفقة الجليل) والتي نال بها عدد من القادة من مختلف الفصائل حريتهم، بل قيل أيضا أن الصفقة مهدت للتحشيد لانتفاضة الحجارة، كما أن (جهاد) وهو النجل الأكبر لأحمد جبريل اغتيل بعملية للموساد بتهمة محاولة إمداد المقاومة في قطاع غزة بالسلاح، وكما نعلم فإن تقديم القائد لابنه شهيدا له تأثير واسع على الجمهور، وتأكيد على المصداقية، وإقران الأقوال بالأفعال، والشعارات بالتطبيق، بل وصل الحال بـيهودي صهيوني هو (صموئيل كاتز) أن يؤلف كتابا بالإنجليزية(ترجم إلى العربية لاحقا) وسمه بـ(إسرائيل في مواجهة جبريل..حرب الثلاثين عاما ضد أخطر قائد فلسطيني).
ولكن مع كل هذا وغيره فإن هذا التنظيم بقي قليل عدد الكوادر والعناصر، خاصة في الضفة الغربية، ولا يستطيع المنافسة في انتخابات طلابية أو نقابية أو عامة، فأين ما أشدد على مركزيته في هذا المثال الصارخ؟
حقيقة تنظيم أحمد جبريل لم يسع إلى استثمار عمله العسكري في الشارع الفلسطيني، كما أن التنظيم ممثلا بقائده هو بطريقة أو بأخرى محسوب على الكتلة العسكرية-الأمنية السورية، فأحمد جبريل ضابط في الجيش السوري، فالمرجعية لعبت دورا في قلة تأييده، خاصة وأنه ظل مهاجما بشدة وحدّة للرئيس ياسر عرفات، حتى قبل أوسلو وما تلاها، هذا في وقت كان الجمهور الفلسطيني قد بلور هوية وطنية يرى أنها مستهدفة من القريب والبعيد، وبالذات من النظام السوري، الذي يريد الوصاية على قضيته، وجعلها ورقة مساومة في يده، مع تورط النظام بأعمال قتل ومجازر ضد الفلسطينيين، وبالتالي فإن الكفة لن ترجح لصالح (القيادة العامة) حتى وهي تنفذ عمليات نوعية ضد العدو، وهي أصلا لم تستثمرها بالطريقة التي دأبت عليها القوى الفلسطينية.
كما أن بنية التنظيم ظلت أمنية وعسكرية عموما، وهذا يعني الانغلاق التام، وعدم وجود أذرع أخرى طلابية ونقابية وإعلامية، وشخصيات(محروقة) لا علاقة لها بالعمل العسكري ولها حضور شعبي.
ولكن بالتأكيد فإن شهداء التنظيم وعملياته النوعية –كانت وما زالت وستبقى-تحظى بتقدير وإجلال ومحبة الجمهور الفلسطيني.

العمل المسلح مفتاح القبول
وعليه فإن(ج.ش.ق.ع) ليست معيارا ولا مقياسا يستدل به على أهمية ومركزية العمل المسلح وتأثيره على القبول والتأييد الشعبي.
أما (ج.د) فمنذ مدة طويلة لم تنفذ عمليات نوعية، بل لربما تحولت إلى ما يشبه الحزب لسياسي خاصة في الضفة الغربية.
من الضرورة التأكيد هنا على أن الأيديولوجيا تلعب دورا مركزيا في موضوع التأييد الجماهيري، وكما قلت في مقال سابق أن المبادرة الوطنية تبرأت من الفكر الماركسي، لإدراك قائدها أن العقل الجمعي الفلسطيني لا يتقبله.
ولا يتسع المجال لاستعراض أهمية العمل العسكري كجاذب ودليل مصداقية لدى الجميع ولكن لنأخذ بعض الجوانب.
فحركة فتح لا زالت تعلي في خطابها الإعلامي من شأن تاريخها العسكري، ومن كان له باع في هذا التاريخ من الشهداء والقادة والكوادر، بل تستخدم هذا التاريخ كحجة على خصمها الأبرز(حركة حماس) بأنها(فتح) كانت السبّاقة إلى حمل البندقية، كما أن فتح تؤكد على (حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال بشتى الوسائل المشروعة،بما في ذلك المقاومة المسلحة) ولكن الظرف القائم وموازين القوى هي التي تجعلها تحجم عن حمل السلاح، لأنها ترى أن هذا ميدان يتفوق فيه الاحتلال تماما حاليا، مع استدراك في خطابها-خاصة الشعبي- بأن هذا الأمر ليس دائما، وخيار البندقية ما زال حاضرا في برنامجها وحساباتها، وما فتئت تذكّر بدورها في انتفاضة الأقصى، التي تلت فترة جمدت فيها الكفاح المسلح لإعطاء فرصة لموضوع التسوية والمفاوضات، فخاضت غمار الانتفاضة بفعاليات مسلحة شملت حتى النقطة محل الخلاف والجدل؛ أي العمليات الاستشهادية في مناطق 48 والتي نفذت مجموعات تابعة لفتح عددا منها.
وتقول فتح خاصة في خطابها الشعبوي وعلى لسان كوادرها، بأنها على استعداد تام لإعادة الكرّة بلا تردد، في حال استمر الاحتلال وأُغلق باب المفاوضات ووصلت التسوية إلى طريق مسدود.
أما القطب الثاني حركة حماس؛ فهي تعتبر العمل العسكري مركزيا في برنامجها وفكرها، وهي ترد على فتح في مسألة السبق، بالاستمرارية والثبات، وحصدت حماس معظم شعبيتها من خلال مخرجات عملها المسلح؛ أي شهداء وأسرى هذا العمل، ومشاهد ما يحدثه من ضرر في الاحتلال، وصار لها شهداء أيقونات على مستوى فلسطين والعالم الإسلامي، ممن خاضوا العمل العسكري مثل المهندس يحيى عياش مثلا.
والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وغيرها كذلك تعطي لموضوع المقاومة المسلحة أهمية كبرى في الفعل والممارسة، وفي الفكر والمنهج والأدبيات الحركية والخطاب الإعلامي...سأتوسع أكثر عند الحديث عن حركة الجهاد لاحقا.

عناصر معادلة السلاح
إسرائيل وقبلها الإنجليز استولوا على البلاد بقوة السلاح، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولأن كل القرارات وخطابات التعاطف لم تؤلم الحركة الصهيونية بمقدار رصاصة واحدة من مقاوم في أي مكان، ولأن التجارب التاريخية، أثبتت نجاعة وقدرة العمل المسلح على إيلام الاحتلال وإجباره على الاندحار، أو على الأقل تحجيم أطماعه التوسعية.
وفوق كل ذلك فإننا شعب مسلم يدرك مكانة الجهاد والشهادة، كما أن الشعب الفلسطيني شعب عربي تراثه مليء بإعلاء شأن البطولة والتضحية والفروسية، والذود عن الأرض والعرض بالدم.
وهذه المركزية للعمل المسلح في الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني، جعلت وتجعل من الصعب إدخال شخصيات لا تاريخ لها في هذا المضمار، ولا تحب أن تخوضه ولو بالتأييد اللفظي وتتسلح فقط بكونها مهنية أو (تكنوقراط) ونالت حظا من (النجاح) الاقتصادي، حتى لو سوّقت هذا بأن اليهود الصهاينة قاموا بالأموال ونفذوا المشاريع، فهذه نصف الحقيقة، والحقيقة الكاملة هي أن الأموال كانت تقيم المزارع والمصانع بالتوازي بل بأولوية الإنفاق على التسليح والتدريب للفرد اليهودي(المهاجر)!
وهذا يقودنا إلى محور جديد في هذه السلسلة، ونكمل في المقال والمقالات القادمة بمشيئة الله.