وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ماذا بعد واحد وسبعين عاما من النكبة؟

نشر بتاريخ: 12/05/2019 ( آخر تحديث: 12/05/2019 الساعة: 17:40 )
ماذا بعد واحد وسبعين عاما من النكبة؟
الكاتب: د.ناجي صادق شراب
أبدأ مقالة اليوم بالصيغة المقابلة لهذا السؤال وهل ننتظر واحدا وسبعين عاما أخرى أو قرنا آخر؟ والسؤال أيضا لماذا فشلنا حتى الآن في الوقت الذى نجحت فيه إسرائيل في تحقيق أهداف حركتها الصهيونية بقيام إسرائيل كدولة، وتمددها ونفوذها وقبولها إقليميا؟ الحديث عن النكبة كل عام يكون بقصد استيعاب الدلالات والدروس والعبر، وتقييم الأداء الفلسطيني من فشل ونجاحات.
يقال عادة في السياسة العبرة بالنتائج، ولوقفزنا على هذه الفترة الزمنية الطويلة والكافية حقا لتحقيق أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية في حدها الأدنى بقيام الدولة الفلسطينية، ووقفنا لما آلت إليه القضية الفلسطينية من إنقسام سياسي يرقى إلى درجة الإنفصال السياسي بين غزة والضفة الغربية لعرفنا حجم التراجع والفشل.
بداية تأتي هذه النكبة في سياقات فلسطينية وعربية ودولية، وفي سياقات تحولات في موازين قوى تعمل لصالح إسرائيل- ولا تعمل لصالح مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية.
وتأتي في ظل تحولات ومفاهيم وتصورات سياسية سلبية حول القضية الفلسطينية، وأخطر هذا التصورات في يقيني الوصول لقناعات وإدراكات سياسية عربية ودولية بضرورة إنهاء القضية الفلسطينية، العالم وصل لهذه القناعة وهذا أخطر ما يمكن تلمسه بعد هذه السنون الطويلة، فبدلا من تزايد ألإدراك والقناعة بحتمية وضرورة حل القضية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية، ومراعاة قرارات الشرعية الدولية. نجد العكس من ذلك تماما، الحديث عن صفقة القرن التي أحد أهم أهدافها التخلص من القضية الفلسطينية، ليس بالإستجابة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينية، وتحقيق وتصحيح معادلة الحقوق في هذا الصراع. تسعى للتعامل مع الشعب الفلسطينية ككتلة بشرية لها بعض الحقوق الاقتصادية والمجتمعية. من هذا المنظور نرى أن عامل الزمن على مدار هذه السنون لم يعمل لصالح القضية الفلسطينية.
والسؤال هنا لماذا فشلنا وفى ماذا نجحنا؟ اعتقد أن إستمرار الصراع العربى الإسرئيلي، واستمرار القضية الفلسطينية رغم كل التراجعات والإنحسارات يعتبر اول وأكبر مكسب وإنجاز ، ويسجل هذا النجاح للشعب الفلسطيني ، وفشل لإسرائيل والولايات المتحده في أنها لم تتمكن وبالرغم من كل ما قامت به إسرائيل من إستيطان وتهويد، وحروب وحصار وإعتقال، لكنها فشلت في أن تحقق أمنها الذى لم تحققه لها قوتها العسكرية المتفوقة .وفشلت في أن تلغى وجود الشعب الفلسطيني كهوية وطنية قومية، وفشلت الولايات المتحده رغم إنحيازها الكامل لإسرائيل وقرارتها ألأخيرة بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبوقف كل مساعداتها، من ان تنهى هذه القضية ، وهذا مآل صفقة القرن القادمه. وفشلت إسرائيل ومعها الولايات المتحده من إلغاء قرارات الشرعية الدولية التى تشكل ديمومومة القضية الفلسطينية، هذا الإنجاز لا بد أن يسجل هنا، وفى سياقه نجح الفلسطينيون ليس فقط في الحفاظ على هويتهم الوطنية ، وعلى تواجد الشعب الفلسطيني الذى يعادل سكانه ما بين النهر والبحر عدد سكان إسرائيل. بل أيضا في تحقيق شخصية دولية لهم ، بالإعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحده وبرفع علمها إلى جانب أعلام الدول الأخرى ، وفي التمثيل الدبلوماسي الذى يغطى معظم دول العالم.وبالتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين، ولعل هذا من اهم الدروس التي أستوعبها الشعب الفلسطينى عدم تكرار النكبة ثانية في عملية تهجير جديده. وفي الحفاظ على المخيمات رغم كل المعاناة كدليل على النكبة الكبرى والتي ما زالت قائمة، ولا يمكن لأى قرار أمريكى بإنهاء دور وكالة الغوث بإزالتها.
ولعل من أبرز ما تعبر عنه القضية الفلسطينية بعد واحد سبعون عامل انها مازالت قضية لها بعدها العربى والدولي، ولا يمكن عربيا كما تريد أمريكا وإسرائيل إقامة علاقات وقبول بإسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية ، ومقابل هذه الإنجازات لا شك هناك سجل من الفشل والعبرة بالفشل في تجنب أسبابه، وبداية هذا الفشل في حرب 1948 وضياع 77 في المائة من فلسطين، وفى حرب 1967 والتي بعدها أحتلت إسرائيل كل الأراضى الفلسطينية وما زالت حتى وقتنا الحاضر، ومن صور الفشل التفاوض في ظل عناصر من الضعف، وعدم توظيف عناصر القوة في التفاوض .
وفى إتفاقات أوسلو رغم ان لها بعض من ألإيجابيات التي حولناها لفشل كما في الفشل في بناء نظام سياسى ديموقراطى قوى وفى بناء مؤسسات سلطة كفاحية، وفي التشرذم الفصائلي وأخيرا في الإنقسام السياسى والفشل في تحقيق المصالحة الوطنية ، وفي تراجع دور منظمة التحرير ومؤسساتها، وفي ضعف الشرعية الوطنية وتآكلها، وهشاشة المؤسسات السياسية السلطوية وعلى المستوى الفصائلي، ولا ننسى غياب القدرة على صياغة مشروع وطني فلسطيني توافقى يرقى لمستوى التحديات والتهديدات، وفي تآكل الخيارات الفلسطينية وعدم التكامل بينها من مفاوضات ومقاومة.
ولعل من مظاهر الفشل خضوع القرار الوطنى الفلسطيني للمؤثرات الإقليمية والدولية ولحسابات غير وطنية فلسطينية سؤاء كان سلطويا أو فصائليا، والتراجع العربي والإسلامي رغم أن القضية الفلسطينية ما زالت قائمه على أجندات القمم العربية.
ويبقى السؤال عن السيناريوهات المستقبلية بعد هذه السنون، وهنا أكثر من سيناريو سيناريو إستمرار إسرائيل في السيطرة والهيمنة وتوسيع نفوذها وسيناريو مشاغلة إسرائيل كنموذج مسيرات العوده وسيناريو صعود المقاومة وسيناريو نجاح صفقة القرن في تأصيل حالة الإنقسام السياسي وتفكيك القضية الفلسطينية، وإذا كان هنك من تصور فإن فشل واحد وسبعون عاما من صهر ودمج الشعب الفلسطيني في بوتقات أخرى كفيل بقدرة الشعب الفلسطيني على الإستمرار والصمود، ويبقى الحفاظ على وحدانية الشعب الفلسطيني وصموده وتجذره على أرضه أهم العبر والدروس واهم الثوابت الوطنية الفلسطينية. وهذا هو مفتاح الأمل في مستقبل أفضل قد تمحو معه معاناة النكبة.
[email protected]