![]() |
بالذكرى الـ39لإضراب نفحة الملحمي.. إن وريدي ذل يوما فاقطعوا مني الوريد
نشر بتاريخ: 24/07/2019 ( آخر تحديث: 24/07/2019 الساعة: 16:31 )
![]()
الكاتب: عيسى قراقع
تحل الذكرى الـ 39 لإضراب سجن نفحة البطولي الذي بدا يوم 14/7/1980 والذي استمر 33 يوما ارتقى خلاله الشهيدان علي الجعفري وراسم حلاوة والشهيد واسحق مراغة متاثرا باصابته في الاضراب فيما بعد ان ارتكبت خلال الإضراب مجزرة دموية وذلك بممارسة سياسة الإطعام القسري العنيفة بحق الأسرى المضربين...
ان قصة إنشاء سجن نفحة في ذلك الوقت تعكس حقيقة الأهداف التي بني السجن من اجلها وهي تدمير الأسرى وعزلهم والتعامل معهم كأنهم ليسوا من البشر وهي جزء من السياسة الرسمية الإسرائيلية تجاه الأسرى القائمة على إذلالهم وحرمانهم وتصفية هويتهم الوطنية والنضالية. هندسة السجن تمت من قبل مهندسي معهد التخنيون الإسرائيلي، صناعة سجن مخنوق ومعزول يشبه المقبرة الجماعية، فتحات تهوية ضيقة، أبواب مصفحة بالحديد، غرف مظلمة وضيقة، شبابيك مقفلة بالصاج، جدران مرتفعة، افتقاد السجن لكل المقومات الحياتية والمعيشية، غرف السجن تحولت إلى توابيت حقيقية كريهة الرائحة، رائحة المراحيض ورائحة العرق التي ترشح من أجساد الأسرى في ذلك السجن القابع في وسط الصحراء. الجنرال الإسرائيلي ليفي الذي زار السجن بعد افتتاحه قال: لو كان لدي إمكانية لفتح مشاغل عمل هنا لقدت جميع الأسرى للعمل فيها كالكلاب، ولحشرت الرافضين في الزنزانة، وقد اتضح للأسرى ان حكومة الاحتلال تجري تجارب بشرية على الأسرى من خلال هذا السجن بتحويل البشر إلى عبيد أذلاء بلا قيمة إنسانية وبلا كرامة. انتفض الأسرى ضد هذا الجحيم الذي يسمى نفحة بإعلانهم الإضراب المفتوح عن الطعام، ولتشن حكومة الاحتلال بكافة مستوياتها الحكومية والعسكرية والأمنية والطبية حربا على الأسرى، حرب جسدية ونفسية وتهديدات واستفزازات ورعب ووحشية لم يسبق لها مثيل. الإضراب التاريخي لأسرى نفحة كان اخر صيحة في مجال تصفية الأسرى الفلسطينيين مع سبق الإصرار، وشكل خطا فاصلاً بين مرحلتين: الأولى التي بدأت منذ عام 1967 واتسمت بالقمع والطمس وحرمان الأسرى من كل مقومات الحياة الإنسانية، لتبدأ مرحلة ثانية جديدة في مسار حركة أسرى الثورة الفلسطينية، مرحلة التمرد والعصيان والدفاع عن إنسانية الإنسان وتحقيق المنجزات وانتصار إرادات الأسرى على إرادات السجانين، نعم للجوع لا للركوع، نعم قد نموت ولكننا سوف نقتلع الموت من أرضنا، انه صوت نفحة، صوت الأسرى في بطولاتهم ومعاركهم خلف القضبان والتي لا زالت متواصلة. نفحة ليست ثمانين أسيرا كانوا يقبعون في السجن عشية الإضراب، وليست تلك الأبواب المغلقة، نفحة صارت كما وصفها الأسير محمود الغرباوي واحة حب وزعتر، مجتمع الثقافة الوارفة، نفحة صارت عاصمة الحياة، نفحة هي النقلة النوعية التي حولت السجون إلى خنادق ومدارس وجامعات وخرجت الفدائيين الذين أشعلوا الانتفاضات. قمنا باحياء الذكرى على رصيف مخيم الدهيشة وبحضور شقيقة الشهيد علي الجعفري في خيمة التضامن مع سبع اسرى مضربين عن الطعام ضد اعتقالهم الاداري، نفحة تتكرر، صوت الاسرى في السجون يشتبكون مع السجانين، صوت الجرافات في صور باهر وهي ترتكب مجزرة جماعية بحق البيوت هناك، صوت المناضل العروبي المرحوم بسام الشكعة وهو يحتضر بلا قدمين، يقف ويتعكز على كتفي جبلي عيبال وجرزيم في نابلس يشهق شهقته الاخيرة تزامنا مع شهقة الشهيد علي الجعفري، الارهابيون اليهود الذي فجروا سيارة بسام الشكعة لا زالوا طلقاء يعربدون ويمارسون الجرائم تحت حماية وتشجيع حكومة الاحتلال، استشهد بسام الشكعة تزامنا مع ذكرى اضراب نفحة وهو يقول: الانتصارات تبقى ناقصة مادامت فلسطين تحت الاحتلال، وما دام الاسرى في السجون، ومادام اللاجئون الفلسطينيون بعيدين عن مدنهم وقراهم واراضيهم، لا بد من النضال لانهاء الاحتلال. نحيي ذكرى شهداء نفحة وبطولات الأسرى الان وقد كبر واتسع وامتد سجن نفحة، لم يعد ذلك المبنى المسلح بالموت والأسلاك وبأجهزة المراقبة، صار سجن نفحة هذا الوطن المسيج المعزول المقسم إلى كانتونات، هذا الوطن المحاط بالجدران وبالحواجز العسكرية، دخل كل الشعب الفلسطيني الان في سجن نفحة، زمن ثقيل بعيد، وطن تنهبه الجرافات والمستوطنات وسياسة هدم البيوت، المجزرة مستمرة، لا زال صراخ الأسرى عاليا في سجن نفحة نسمعه في كل مكان. نفحة متواصلة في هذه السياسة القمعية وهذا العنف المنظم الذي يمارس بحق الأسرى القابعين في السجون، اعتقالات إدارية، إهمال طبي، سقوط شهداء بالتعذيب والأمراض القاتلة، اعتقال الأطفال، الضرب والحرمان والعزل، هي نفحة المحاكم العسكرية الجائرة، الاعتقالات الجماعية اليومية، الإعدامات الميدانية التعسفية، جرائم حرب متجددة على ارض الواقع، هندسة الوقت الفلسطيني على مقاس الجرافات الإسرائيلية في القدس كما هندسوا سجن نفحة ليصبح الوقت غامضا ومالحا وبلا يقين. نفحة هي العقلية الإسرائيلية، وهي هذه الفاشية والعنصرية الإسرائيلية المتمثلة في الاعتداء على حقوق شعبنا الفلسطيني بالاستيطان والضم والهدم والقتل اليومي، بالقوانين التعسفية والتشريعات الخطيرة المخالفة للقانون الدولي ولمبادئ حقوق الإنسان، ولهذه القرصنة والابتزاز وارتكاب المذابح بحق أبناء شعبنا، نفحة هي الوجه الحقيقي لصفقة القرن والاعتداءات على القدس عاصمة فلسطين وعلى حقوق اللاجئين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. الإطعام القسري المميت الذي طبق بحق 26 أسيرا في سجن نفحة في تموز عام 180 صار قانونا مشرعا وغطاء للجريمة الممنهجة بحق الأسرى، احتجاز جثمان شهيد نفحة على الجعفري 13 عاما واستمرار احتجاز جثمان الشهيد الاسير انس دولة الذي سقط خلال تضامنه مع اسرى نفحة في سجن عسقلان، صار قانونا يقضي باحتجاز مئات الشهداء الذين ما زالوا في المقابر العسكرية الإسرائيلية أو في الثلاجات، السجانون هم السجانون، الضابط والوزراء الإسرائيليون الذين أرادوا إعدام الأسرى نفسيا وجسديا في صحراء سجن نفحة هم أنفسهم الذين شرعوا قانون إعدام الأسرى ويدعون إلى قتلهم وخنقهم بالغاز السام. نفحة مستمرة، الخطر على الأسرى يزداد من خلال سياسة تجريم نضالاتهم ووصفها بالإرهاب، وفي كل سنة ترتكب مذبحة نفحة في سجون الاحتلال، يسقط الشهداء، يموت المرضى والجرحى، اطباء في زي جلادين، العقوبات الجماعية والفردية، الاعتداءات على الأسرى بالقنابل والغاز والهراوات، نفحة في كل غرفة تحقيق، وبصمة على جسد الأطفال المعذبين والمرعوبين، ونفحة هذا الزمن الصحراوي الخاوي من المواعيد، أسرى يقضون الوقت طويلا طويلا في العدم والانتظار، ليس لديهم سوى ملح أجسادهم وصبرهم وموعد مع صبح يقطعونه بآلاف من الأميال والأجيال التي تحمل حجرا وأملا وخبزا وطين. في الذكرى الـ39 لملحمة إضراب سجن نفحة كتب الأسرى: في الساعة الثانية صباح يوم 22/7/1980 اخرج علي الجعفري إلى قاعة الغذاء الإجباري، وهناك واجه عنفا جسمانيا شديدا صاحب ذلك دس أنبوب التغذية الإجبارية في الرئة وهذا ما سبب له تقيوء وسعال شديد وصعوبة في التنفس منذ اللحظة التي غادر فيها قاعة القتل، نقل إلى مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي، وصله فاقد الحياة، رافقه في رحلته الأخيرة اسحق مراغة الذي تم إدخاله في حالة خطر إلى قسم العلاج المكثف. في الذكرى الـ39 لملحمة إضراب سجن نفحة كتب الأسرى: في الساعة الرابعة فجرا ادخل راسم حلاوة إلى قاعة التغذية الإجبارية، واجه تعذيبا وضربا وتهديدا ، غادر راسم قاعة القتل وهو يعاني من حشرجة في الصدر وسعالا وتقيأ دما، وفي الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم الخميس 24/7/1980 فارق راسم حلاوة الحياة في مستشفى أساف هروفيه. في الذكرى الـ39 لملحمة إضراب سجن نفحة كتب الأسرى: الطبيب الإسرائيلي العقيد فيلرمان والملازم الأول الممرض روفائيل رويمي مارس الإطعام القسري بحق الأسرى والتهديد بقتلهم إذا لم يوقفوا الإضراب، وانه قد جن جنونهم عندما سمعوا الأسرى يصرخون بكبرياء بإشعار سميح فرج: يا رفاقي ان وريدي ذل يوما فاقطعوا مني الوريد في الذكرى الـ39 لملحمة إضراب سجن نفحة البطولي، سجل العالم انطلاقة الروح الفلسطينية العنيدة المحررة من السجن والأغلال، كل أسرى حركات التحرر الوطني ساروا على خطى أسرى فلسطين في مواجهة الظلم والاضطهاد، صار إضراب نفحة هو النموذج الاممي الإنساني لمقاومة الاحتلال والجلادين والاستعمار في كل بقاع الدنيا، نفحة صارت شعارا لكل المعذبين والمقهورين في كل مكان وكل من يسعى للحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، ملحمة نفحة تحولت الى ثورة للمناضل الاممي بوبي ساندز وكل الاسرى الايرلنديين الذين خاضوا اضرابا في سجون الاستعمار البريطاني في سبيل الحرية والاستقلال. في ذكرى الـ39 لملحمة إضراب سجن نفحة لا بد ان افتح وصية الشهيد اسحق مراغة ابن مدينة القدس المنتفضة، والذي استشهد على اثر سياسة القمع والإطعام القسري، كتب وصيته في قصيدة يقول فيها: من نفحة الأحرار اكتب قصتي واخط قبل الموت فيها وصيتي فليسحبوا عني الهواء فإنني عندي المزيد من الهواء: قضيتي فليمنعوا عني الحياة فإنني لن ارتوي ان لم أنل حريتي ان كان راسم من ضحايا نفحة والجعفري أمامه في الجنةِ أنا بهم قد تلتئم جموعنا حتى تفيق من السبات عروبتي |