وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

معركة "عض الأصابع" بين الحكومة ونقابة المعلمين في الأردن

نشر بتاريخ: 12/09/2019 ( آخر تحديث: 12/09/2019 الساعة: 17:48 )
معركة "عض الأصابع" بين الحكومة ونقابة المعلمين في الأردن
الكاتب: نضال منصور
أُغلقت عمان، كأن الأمر أشبه بحظر للتجول بعد أن قررت أجهزة الأمن في الأردن منع نقابة المعلمين من تنفيذ اعتصام لها على الدوار الرابع بالقرب من مقر رئاسة الحكومة.

أصر المعلمون على الاعتصام أمام رئاسة الوزراء لأن خلافهم مع الحكومة، وأصرت أجهزة الأمن أن هذا مرفوض لأنه يضر بمصالح الناس وحركة السير، وعرضت عليهم الاعتصام في ساحة أمام مجلس النواب.

"المكاسرة" بين الحكومة وأجهزتها الأمنية من جهة ونقابة المعلمين من جهة أخرى صنعت حالة استنفار غير مسبوقة الخميس الماضي في عمان، ولجأت أجهزة الأمن لإغلاق كل الطرق الرئيسية المؤدية إلى الدوار، بل وأكثر من ذلك أغلقت طرقا خارجية ومنعت باصات المعلمين والمعلمات من الوصول إلى عمان للتضامن مع زميلاتهم وزملائهم.

ولادة نقابة للمعلمين كان مرفوضا وخطا أحمرا لم تقبله مؤسسات الدولة وأصرت على تجاهله لعقود
عاشت عمان ساعات طويلة من القلق، فالطرق أغلقت والحياة شُلت، ورجال الأمن في مواجهة المعلمين، و"صراع الإرادات" ومعركة "عض الأصابع" يثير المخاوف والهلع، خاصة إذا أعطي الملف المطلبي المتعلق بعلاوة 50 بالمئة للمعلمين بعدا سياسيا، وجرى شيطنة حراك النقابة باعتبارها تأتمر، وتُقاد بأجندة "الإخوان المسلمين".

لا يمكن قراءة ملف التصعيد في التعامل مع مطالب نقابة المعلمين من منظور مالي فقط، رغم أهمية هذا البعد في الوقت الذي تعاني فيه موازنة الدولة من المديونية، والتقديرات لقيمة علاوة المعلمين تصل إلى 120 مليون دينار أردني بحسابات الحكومة الأردنية ـ أي ما يقارب 170 مليون دولار.

القصة أكثر تعقيدا والمخاوف أبعد، فولادة نقابة للمعلمين كانت مرفوضة وخطا أحمرا لم تقبله مؤسسات الدولة، وأصرت على تجاهله لعقود طويلة، ولم ينجح المعلمون والمعلمات في تحقيق هذا المكسب إلا خلال تباشير الربيع العربي، وحين قرر النظام في الأردن تقديم حزمة إصلاحات سياسية وتنازلات لينجو من عواصف الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، فأجرى تعديلات دستورية جوهرية، وأسس المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب، وأنشأ لجنة الحوار الوطني، وكانت نقابة المعلمين إحدى ثمار هذه المرحلة.

رغم أن نقابة المعلمين أصبحت واقع حال، فإن قوتها ما تزال مصدر قلق للحكومات المتعاقبة، فهي تضم أكثر من 120 ألف معلم ومعلمة، وينتظم على مقاعد الدراسة أكثر من مليوني طالب وطالبة، وكل بيت بالأردن يتأثر بحركة التعليم وتداعياتها، ولهذا فإن قررت الاعتصام أو الإضراب فهي تحدث هزة قوية في المجتمع لا يمكن تجاهلها، وتستطيع تعطيل المسار الطبيعي للحياة في الأردن، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها.

بعد اعتصام الخميس الماضي ومنع المعلمين من الوصول للدوار الرابع، ووقوع حوادث تصادم مع رجال الأمن، واستخدام القوة والقنابل المسيلة للدموع، واعتقال وتوقيف مجموعة من المعلمين، وأقاويل عن التنكيل والإساءة لبعضهم، تصاعدت الأزمة، وتم تقاذف الاتهامات، وصعّدت نقابة المعلمين من مطالبها فدعت لإضراب مفتوح في المدارس، وطالبت بإعادة الكرامة للمعلمين الذين أسيء لهم خلال الاعتصام، وحمّلت المسؤولية لوزير الداخلية ودعت لاستقالته.

أزمة نقابة المعلمين وإضرابها كرة ثلج تتدحرج
في المقابل كانت لهجة الحكومة حازمة فأعلنت بوضوح أن دعوة الإضراب تضر مصالح الطلبة التعليمية وهي مخالفة صريحة للقانون.

تلوح الحكومة "عصا القانون" بشكل صريح يوجه النقابة مستندة إلى القرار رقم 6 الصادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين بتاريخ 15 سبتمبر 2014 والذي نص القرار فيه على "أن إضراب المعلمين ألحق ضررا بمصلحة الطلبة وحقهم في التعليم، وأنه أسلوب غير مشروع في تبني مطالب المعلمين، ويشكل مخالفة لأحكام قانون التربية والتعليم، ونظام الخدمة المدنية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

هذا القرار صدر سابقا حين لجأت النقابة لإضراب مماثل عام 2014، والقرار يأخذ قوة وحُجة القانون، وبالتالي فإن السيناريو المحتمل أن تستخدم الحكومة هذه العصا لتهديد النقابة بالحل إذا ما استمرت في الإضراب، وفي هذا السياق تعالت أصوات تتحدث عن الضرر الذي يلحق بالعملية التعليمية والطلبة، واعتصم عدد من أهالي الطلبة في مناطق مختلفة لرفض ومعارضة قرار نقابة المعلمين، وسلطت بعض وسائل الإعلام الضوء على خروج الطلبة في الشوارع، وعُرضت بعض الصور لهم وهم يلعبون "الشدة"، فيما شن نشطاء حقوقيون على منصات التواصل الاجتماعي حملة رفضا للتجييش ضد نقابة المعلمين، وفبركة الأخبار والصور التي تسيء للمعلم، ونشرت بالمقابل صورا للمعلمين يقومون بطلاء جدران الصفوف، وإصلاح مقاعد وطاولات الدراسة.

إذا كانت "عصا" الحكومة التي تلوح بها معروفة ونقابة المعلمين تجاهلتها فإن السؤال ما هي "الجزرة" التي يُفترض أن تقدمها أيضا لإيجاد مخرج لأزمة مستعصية؟

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وعلى هامش لقائه مع سياسيين وإعلاميين، قال "يجب أن يكون هدفنا دائما الحفاظ على مصلحة الطالب، وهذا ما يجب أن نركز عليه جميعا، والوصول له من خلال الحوار المسؤول"، ورغم تعدد لقاءات الحوار للبحث عن حل فإن النتيجة حتى هذه اللحظة الفشل، وكل من الحكومة والنقابة

يلقي اللوم على الآخر، والمشهد واضح فالطرفين "صعدا على الشجرة"، ولا بد من النزول عنها وتقديم تنازلات.

لا تحتمل الحكومة الاستمرار بالإضراب، ولا تقوى النقابة على المضي في هذا الطريق لأنه يزيد الخصوم ضدها، ويعمق من الأزمة أن النقابات المهنية دخلت على الخط سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، فنقابة الأطباء تطالب بحوافز 40 بالمئة، ونقابة المهندسين تطالب بزيادة 10 بالمئة، وهذا يربك المشهد ويخلط الأوراق، ويعطي للحكومة حُجّة وسلاحا قويا للرفض، باختصار إن قُبلت مطالب نقابة المعلمين، فإن مطالب الجميع "حبل على الجرار"، ولعبة ما يسميها بعض الوزراء "الابتزاز" ستستمر، و"لي ذراع" الدولة لن يتوقف.

لو كنت مكان نقابة المعلمين لما اخترت الإضراب العام، ولسلكت طريق الإضراب الجزئي المتدرج، لإتاحة الفرصة للحوار مع الحكومة، ولتقليص جبهة الخصوم الذين يلجؤون لحجة تعطيل التعليم والإضرار بالطلبة للنيل من النقابة.

استخدمت الحكومة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتدليل على الاستثناءات التي تستطيع أن تستخدمها لمنع الضرر الواقع على التعليم، وللخروج بنتيجة مفادها أن الإضراب مخالف للقانون وحتى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وهذا الأمر يفتح باب النقاش واسعا حول الحق الأجدر بالرعاية، وما غضت الحكومة الطرف عنه ولم تشر إليه أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد أقر بشكل صريح حق التظاهر والإضراب والتجمع السلمي، وهو ما تحاول الحكومة وأجهزة إنفاذ القانون العصف به، وإهداره، وتقييده، بذرائع وحجج مختلفة.

الحكومة تلوح بعصا القانون وتهدد بحل النقابة وتتجاهل الحق بالإضراب والتجمع السلمي
خلاصة القول الأزمة إن لم تنته، والسيناريوهات ما زالت مفتوحة لكل الاحتمالات، فرئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة "دخل على الخط" بحثا عن الحل، ورئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب الدكتور إبراهيم البدور منذ أيام يقود جولات مكوكية لتقريب وجهات النظر، وباستثناء الحديث الذي أجراه متأخرا وبعد أيام مع التلفزيون الأردني ولم يقدم فيه حلولا جديدة، وأعاد التأكيد على أهمية الحوار، وأن التصعيد لن يوصل لنتيجة، فقد كان لافتا تواري وغياب رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز عن المشهد، ولا يُعرف السبب وراء اختفائه عن تصدر جلسات الحوار، خاصة أنه كان وزيرا للتربية والتعليم ويعرف بتفاصيل هذا الملف، وأيضا يدرك أن استمرار الأزمة وتصاعدها تأكل من رصيده الذي تعصف به الأزمات، ويهدد وجود الحكومة واستمرارها.

أزمة نقابة المعلمين وإضرابها "كرة ثلج" تتدحرج وإن طوّقت وحُلت فإن أزمات كثيرة مرشحة للانفجار، فالأزمة الاقتصادية نار تدق كل الأبواب وتُشعل الكثير من الملفات المسكوت عنها، وقلنا سابقا إن نارا متقدة تحت رماد الاحتجاجات بأشكالها المختلفة، ومفتاح الحل عند عقل الدولة "السياسي الأمني"، فهل نحن على أبواب حلول وفرج أم نسير إلى طريق مسدود، أو تكون المفاجأة المنتظرة بتدخل الملك ليقدم حلا يرضى به الجميع ويُخمد نار أزمة لا حدود لها؟