الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قصيدة في حضور عبد اللطيف عقل

نشر بتاريخ: 30/08/2020 ( آخر تحديث: 30/08/2020 الساعة: 18:36 )
قصيدة في حضور عبد اللطيف عقل

الكاتب: المتوكل طه

*
..ونِمْتَ على دَمعةٍ لا تَجفُّ ،
وأُمُّكَ في حِضْنِ شَيخٍ غَليظٍ ،
لقد قَضمَ القَارحُ النَّاقمُ الرّأسَ ،
كنتَ رَضيعاً ، ولم ترَ رأسَ أبيكَ
المُنَخَّلَ بالدَمِ ..
بعدَ لَيالٍ ، بَقِيتَ مع أُختكَ في البَيتِ !
وحدكمَا .. تَبكِيان ..
وكانت بِقربكما تِينةٌ تَحلبُ الشَّهدَ
حتى تَناما ..
وقالوا : رأينا الغُصونَ تُغطِّيكُما
في اللَّيالي ،
وقالوا : سَمِعنا الحواكيرَ تَبكي وتَرشحُ
حتى تَعُودا ..
وما كان .. كان ..
إلى أن حَمَلْتَ على جَاعدِ الرَّأسِ هذا الزَّمانَ ..
نَظرتَ لمرآتِكَ الرَّملِ ..
وما كانَ يَومُك .
*
سَلكْتَ طريقَ اليتيمِ ،
وكنتَ حريراً
تَجاوبتَ مع شَهوةِ المدنِ الصّاخباتِ ،
جَمعتَ دواوينَ شعرٍ قديمٍ
قَرأتَ ، مَحوتَ ، كبَوتَ ،
وقُمتَ ، وقد ذبلَ الخيطُ إلاّ قليلاً ،
تَعمّمتَ ، ثمَّ تقلّدتَ سنَّ الأليفِ ،
قَرأتَ على الميّتين التّمائمَ ،
ثم بَكيتَ مع النّحلِ ،
زاوجتَ بين المراكبِ والبدوِ ،
ثم أطلتَ الوقوفَ على الماءِ
حتى تبلّلَ موجُ البقاءِ ..
تقولُ : نَجوتُ !
نعم قد نَجوتَ
وفي يقظةِ الموجِ - يا صاحِ - موتُك .
*
ثَوبُك الخُردليُّ ، يَا قَمري الشيخُ،
من دَمعةٍ للزمانْ .
لكَ السَّيفُ واللُّؤلؤُ الحُرُّ ،
حتى تَتمَّ حِكايةُ هذا الزَّمانْ .
تَقولُ الرُّواةُ :
أَتَوا من غُروبِ الشَّمالِ
إلى لَبنِ الشَّرقِ ،
كُنَّا على رُكبَتينِ من اللَّيلِ ،
مِحراثُنا طَاعنٌ بالبَسيطِ من العُشبِ ،
والبَيتُ لِلعُرْسِ والأُقحُوانْ ..
- وكنتَ أبي الشَّيخ ،
كان الجنودُ ، وكان الحِصان ،
وكنتَ الوَليدَ وكنتَ الشَّريدَ ،
وكان القَصيد !
وقلتَ من السِّحرِ
ما أوقعَ القَشعريرةَ في التَّمرِ ،
نَافحتَ عن شَمسِنا في الطَّنينِ ..
وقد أَجمعُوا أنّهُ ؛ رَنّقَ الأرضَ وَردُكْ .
*
هَبطَّتَ لِتوِّكَ من مَعبدِ النّورِ ؛
في سَاعِديكَ النجومُ ،
وفي رأسِكَ الشمسُ ،
والماءُ بين أَصابِعكَ امرأةٌ من بُروقٍ ،
يُغرِّقُها أهلُها كي تَفيضَ الضِّفافُ ،
وتأتيكَ نَابضةً مثلَ طَميِ الجِنَانِ ،
وغَارِقةً بالعَقيقِ ،
وفي صَدرِها ألفُ مُهرٍ،
يَشقُّونَ لحمَ الضُّلوعِ ..
فَتبقَى مُحاطاً بِهذا الصَّهيل ِ،
وتَأتي لِتغسِلَ وجهَكَ باللّبنِ الحُلوَ ،
حتى تكونَ مُطيعاً لهَا ،
كُلَّما فَحَّ فِيها الحَمَامُ ،
وحانَ على صَدرِها التّبْرِ وقتُك .
*
كَسرتَ الزُّجاجةَ ،
ضَوَّعتَ ثوبَ النِّساءِ بعطرٍ
وضرَّجتَ أضلاعَهُنَّ بِجمْرِ النُّمور ِ،
وشَاكستَ في الصَّلواتِ
وعندَ الصيامِ ،
وما زلتَ في كلِّ ظَعنٍ تَقولُ ،
وما زالَ في سَجدةِ العشقِ قَولُك .
*
كانَ لهذا الغزالِ السَّماويِّ أنْ
يُشعِلَ النّارَ في العُرْسِ ،
أو يَسحبَ الفَمَ اللبنيّ من الصّدر ،
أو يُوقِفَ الموجَ ،
أنْ يدْهَمَ الرّملَ ،
لا يأخذُ العُشبَ في مِشطهِ للنّدى ،
كانَ له رَقْصُهُ في المَدى
والبَراري تُناديهِ ،
لكنّه دونَ تاجِ الطَّبيعةِ
مُنكسرٌ في الصّدى !
.. وما عادَ بَرُّك .
*
مَتى سوفَ تلقاكَ ، في برِّها المخمليِّ ،
وتَدخلُ فيها إلى غَبش الماءِ ،
تَمتصُّ زهرَ الشّتاءِ ودرّاقَ سرَّتِها
أو تَموتُ قليلاً على بُردةِ النّبعِ
ثم تقومُ إلى غَامضٍ في الغُلالةِ ،
تنسلُّ مثلَ الأفاعي ،
وتذهبُ في غفوةٍ لا تعودُ ؟
هناكَ ، تَكونانَ فوقَ الحياةِ ،
وبعدَ المماتِ ..
جنوناً صقيلاً .. يشعُّ ،
ويفهقُ من هلعِ العُريِ سِرُّك .
*
تُمَسِّدُ برجَ النّتوءاتِ بالكفِّ والفَمِ
تَسحقُ وادي النّدى بالغصونِ فتُمرِعُ ،
تنتحبُ الأرضُ ،
يَهبطُ سَقفُ البلادِ ،
ويرتجُّ قلبُ المحيطِ ، ويَهتاجُ ،
يُزبِدُ ، يُرخي جَناحيهِ ،
تَضربه الصّاعِقاتُ ، وتُعتِمُ ،
تَخرجُ عن صَمتِها الكائناتُ ،
وتلتفُّ إحدى الذّراعين تَحتَ الجحيمِ ،
لتطبقَ ، مثل الرّحى ،
فوق غيمِ الحليبِ ،
.. تروحُ إلى حيثُ لا يعرفُ الأمرَ أمرُك .
*
وتعْصِرُ رُمّانَها فوق ظهرِ الحصانِ ،
وتشربهُ رانِخاً بالصَّهيل ..
ذوّبتَ فيها كثيراً
من البردِ والخوفِ ،
وقد أنْهكتكَ، فنمتَ قليلاً !
وعادتْ بِرُمّانِها ،
مَسّدتهُ بأوراقها اليانعاتِ ،
وحكّته بالنّجمتين
.........
فعادَ ليفترعَ العاجَ ،
يُوصِلها للسّراج البعيدِ ..
وغَابا ..
وظلّت على شَرشفِ الخيلِ
آثارُ رمّانةٍ ذَبَحتْ نفسَها ..
وما كان ذنبُك !
*
شَقيقي الكبير الجَميل
المولّه بالصّوتِ !
عبّادُ شَمسِك يَلذعُ في المرجِ ..
نَادى على الشّاهِديْن
والقبرُ تلٌّ ونَهرٌ طويل .
سَمعناهُ .. قالوا ،
وفاض على غسقِ الثّاكلات
فقام العبادُ إلى خيلهم في السّبيل .
عرفتك قبل التواء الشّعاعِ ،
على التلِّ تكرز بالوقت
حتى يُعافى الذّبيحُ القتيل .
وما عاد مَيْتٌ، ولا ظلّ بيتٌ
على قدم النّجمِ والزّنجبيل .
شقيقي !
لعلّكَ مَن حرثَ البَحرَ ،
لم يطفئ النّارَ ،
كان بداهةَ عشبِ الجدارِ
وما كان يحلمُ أنْ
يجعل اللّيلَ بعد النّهار .
كان سراجاً لنوم الصّغار ،
ينام فتأتيه رؤيا الضّيوف ،
فيعرق من قِلَّةٍ في الجرار ..
وينده أمَّ البنين ؛
اخلعي خاتمَ العرسِ ، هاتي السّوار ،
وما في الخوابي ضَعيه ِ،
فكلُّ الضّيوف هنا، بانتظار ..
فتبكي ،
وتبعث للجارة الثّانيةْ ..
أعطني ما لديك،
فقد بعتُ عقدي وخاتمَ عُرسيَ ،
يوم اشترى البندقيّةَ،
لكنَّه صار ينسى
شقيقي !
لعلّ الضيوفَ مضوا في السبيلِ
وفي بيتك الحُلْمُ
والضّيفُ ضيفُكْ .
*
ويأتيكَ في النّومِ؛
وينتظرُ السّاطعة !
كي يرى الوردةَ السّابعة ..
قال في الأرضِ ما يهدمُ الرّاسياتِ
ليبلغَ تَلَّ السواحلِ..
ولم تكُ عَبْدَ الرّؤى الدّامعة .
سَامَحك اللهُ على ما نزفتَ
على قدمِ الفَاجِعة .
وكانت جراحُكَ في هجرتي سَاطِعة ،
إنّها السّنواتُ التي لا نراها ،
فتبقى قصائدُنا هاجعة .
تومئ، لكنها لن تعودَ ،
وإنْ قيل لي إنَّها رَاجِعة ..
والعفوَ، يا صاحبَ العفوِ ،
أدعوكَ بأنواركَ الشّافعةِ ..
وإنّا عيالُكْ .
*
شَبيهان نحنُ ،
تَجرّأتُ حتى بلغت المشيبَ
وهاأنذا، الآن، فوق السنين
وأكثر ..
فلا تَرحلِ الآنَ فالبيتُ بيتُكْ .