الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

جرافات الاحتلال تسحق عظام الموتى استجابة لنداء "التسامح"!

نشر بتاريخ: 16/07/2009 ( آخر تحديث: 16/07/2009 الساعة: 14:20 )
رام الله- معا- تساءل المكتب التنفيذي لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 عن أبعاد إقامة متحف إسرائيلي " للتسامح"على أنقاض مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس الغربية؟ وتساءل بيان أصدره المكتب اليوم الخميس عن نوع وطبيعة هذا "التسامح" الذي يستهدف عظام الموتى والراحلين منذ زمن بعيد؟ وأبدى دهشته من السلوك العدواني الذي يستهدف رفات الراحلين تحت الأرض بتجريف مقابرهم والأحياء فوقها بتدمير منازلهم وحصارهم بالجدار الفاصل ونهب أراضيهم.

وأشار المكتب في بيانه الصحفي إلى أن جرافات دولة الاحتلال أقدمت في الأسبوع الماضي على تجريف 350 قبرا في مقبرة مأمن الله وجمعت هياكلها العظمية ودفنتها في قبر جماعي تمهيدا لتجهيز البنية التحتية لإقامة المتحف على أرض المقبرة التي تضم رفات العلماء وأمراء جيش صلاح الدين الأيوبي محرر القدس في العام 1187م.

وقدم المكتب التنفيذي في بيانه الصحفي معلومات عن مقبرة مأمن الله المستهدفة: تقع بقايا المقبرة الإسلامية العريقة بين أشجار حرجية غرب باب الخليل، وقد حطمت شواهدها وجرفت أجزاء واسعة من قبورها منذ سنوات بعيدة لتستخدم كحديقة عامة تدعى "حديقة الاستقلال" فيما تم تغطية أجزاء أخرى بالإسفلت لتستخدم مواقف للسيارات، واختفت أجزاء أخرى تحت أساسات المباني المشيدة على أراضيها، وصمد بضع عشرات من القبور في مواجهة أنياب الجرافات لتظل شاهداً على أكبر وأقدم مقابر القدس الإسلامية.

تتوسط المقبرة البركة الرومانية الضخمة القائمة حتى الآن بطول 89م وعرض 59م بمتوسط عمق 6 م وسعة أكثر من 30,000 متر مكعب من المياه لتزويد الأجزاء الغربية العليا من القدس، وكانت تتصل مباشرة مع بركة البطرك عبر قنوات تحت الأرض.

لا يعرف معنى التسمية وان أرجعتها بعض الفرضيات إلى مصدر "مأمن الله"، لكن الثابت أن الموقع استخدم ولعصور طويلة بدءا بالفترة البيزنطية كمقبرة مركزية وجماعية في حالة المذابح والأوبئة القاتلة، وارتبطت المقبرة أيضا بتراث شهداء النصرانية عندما احتل الفرس القدس سنة 614م، وبمشاركة يهود شمال فلسطين وجنوب لبنان ضمن الجيش الفارسي، فقد جرت محاولة لتهويد رجال الدين المسيحي، ومن رفض منهم قطع رأسه وألقي في بركة "ماميلا". يبدو أن عدداً كبيراً من آلاف الضحايا الذين قتلوا على يد الفرنجة في القدس العام 1099م، قد دفنوا بمقابر جماعية في "ماميلا".

استخدمت المقبرة منذ الأيام الأولى للمسلمين في القدس، لكن المعارف حول هذه الفترة ضئيلة والصورة غير واضحة تماما، واستمر خلال فترة الفرنجة (1099-1187م) استخدام المقبرة للفرنجة وخاصة لكهنة "القبر المقدس"، ثم أعادها صلاح الدين مقبرة إسلامية، وأوقف بركتها على الخانقاة الصلاحية.

استمرت المقبرة تستعمل وبكثافة عبر العصور إلى أن أصدر المجلس الإسلامي الأعلى أمرا بوقف استخدامها العام 1927 لاكتظاظها بالقبور ولوقوعها في مركز تطوير المدينة في حينه. لم تلتزم بعض العائلات المقدسية بالقرار وواصلت استخدامها تواصلا مع الإرث العائلي.

غطت أرض المقبرة التي تعود غالبية قبورها إلى أبناء الطبقة الوسطى والعليا من المجتمع المقدسي، بقايا القبور المزخرفة المبنية بعناية فائقة، وانتشرت فوقها بعض المعالم المعمارية التي اندثر أغلبها مثل الزاوية القلندرية وحوش البسطامية (كلاهما من القرن الرابع عشر الميلادي)، ولم يبقى من هذه المعالم سوى القبة الكبكبية التي تعود إلى مطلع الفترة المملوكية، وهي بناء مميز لا زال بحالة جيدة رغم إغلاق مدخله بالأسمنت.

يشاهد زائر المقبرة اليوم الكثير من شواهد القبور المملوكية ملقاة في الزاوية الجنوبية الشرقية للمقبرة، كما يمكنه مشاهدة عشرات القبور مكسرة الشواهد، وقد حظيت بعض القبور ببعض العناية (على الأغلب بمبادرة أقرباء المدفونين فيها)، كما يمكن مشاهدة بعض شواهد القبور التي مازالت في موقعها الأصلي.

لم يتبق من مقبرة "ماميلا" التاريخية إلا بضع عشرات من القبور، علما بأن مساحة المقبرة حتى العام 1948 بلغ 168 دونما.

أورد المرحوم كامل العسلي أسماء وترجمة حياة الأعلام المدفونين في المقبرة، وضمت القائمة 14 حاكما، 62 عالما (أغلبهم في العصر المملوكي) 36 علما صوفيا، 33 قاضيا، وتدلل هذه القائمة على عظم هذه المقبرة ومدى ارتباطها بتراث المدينة المقدسة.

يتوارى جزء هام من تاريخ القدس تحت "حديقة الاستقلال" فيما تجري عمليات تجريف لأجزاء من المقبرة بذريعة بناء متحف "للتسامح" فوق أنقاض القبور.