الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مخرجون فلسطينيون لا يصدقون ما آلت إليه حال المستوطنات الإسرائيلية المندحرة ويتمنون رحيلها إلى الأبد

نشر بتاريخ: 26/08/2005 ( آخر تحديث: 26/08/2005 الساعة: 13:08 )
غزة- معا - لم يصدق المخرج التلفزيوني الفلسطيني فريد شاهين ما رأته عيناه لأول وهلة على الطريق الساحلي بغزة، فنتساريم التي عنونها في فيلم له على أنها فخ للموت وقعت هي بدورها في الفخ، وللغرابة كانت الحلقة الأضعف في سلسلة المستوطنات المفككة والتي رحل عنها قاطنوها بسلاسة ويسر لم يكونا متوقعين.
نتساريم وأخواتها العشرون من رفيح يام في أقصى جنوب القطاع إلى إيلي سيناي في أقصى الشمال سكنها قرابة 8000 مستوطن، وكانت بعض مستوطناتهم نقطة انطلاق لاجتياحات وتضييق على سكان القطاع البالغ عددهم قرابة المليون ونصف، فيما كان ما يبث عن جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وسرقتها لمعاني الحياة وافتعالها لمعاني الموت مواداً إعلامية زاخرة لكافة مخرجي الأفلام والبرامج التلفزيونية والسينمائية الفلسطينية والأجنبية، وملهماً لحواس المؤلفين والسيناريست والمصورين المتلهفين لالتقاط الصور والمآسي الفلسطينية وتوثيقها كمادة إرشيفية تاريخية تشهد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
ولم ينس بعض المخرجين ان يوثقوا في أفلامهم التي نال بعضها جوائز عربية وعالمية ما آلت إليه أحوال سكان القطاع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً طبعاً، فكان أغلب ما صنعوه مقارباً للحقيقة في غير حاجة إلى المبالغة أو إعادة التمثيل " الديكودراما" أو الافتعال والتصنع والتكلف.
وفي هذا الإطار شارك كافة المخرجين الفلسطينيين سواء العاملين في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية كقطاع حكومي، أو العاملين في شركات خاصة كقطاع خاص، في أرشفة ما رأته أعينهم وما رصدته عدسات كاميرات المصورين مما وقع على الشعب الفلسطيني من جور وعدوان، فكان للمستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في القطاع نصيب الأسد من هذه الأرشفة، وعليه تنوعت أسماء الأفلام فبعضها حمل اسم " نتساريم فخ الموت" و"قرب الموت" و" ومعبر الموت" وهذه أسماء تدل على المعاني التي أرستها هذه المستوطنات في الثقافة الفلسطينية، والبعض الآخر نوه إلى معان أخرى لدى الفلسطينيين ومنها "الصبار" كإشارة إلى الصبر الفلسطيني رغم عدد من الهجرات، و" رغم الحصار" يتناول أثر الحواجز الإسرائيلية على تواصل الحياة الاجتماعية بين الأهالي، فيما يتناول الفيلم " سعيد" أثر معبر كوسوفيم على حياة طالب فلسطيني تبتعد مدرسته 200 متر فقط عن منزله فيما يضطر هو إلى الالتفاف حول عدد من المدن والمخيمات للوصول إليها أو مفارقة عائلته والمبيت عند جدته في الجانب المقابل لمنزله والتحدث لعائلته عبر السياج المحيط بالمستوطنة.
يقول المخرج الفلسطيني سعود مهنا صاحب شركة حيفا للإنتاج الإعلامي لمعاً أنه أصبح هناك ما يعرف بسينما المستوطنات والحواجز الإسرائيلية، وهي ما لا يمكن التغافل عنه بنظره، فهي كانت متواجدة لـ38 عاماً أي مرحلة تاريخية في حياة الشعب الفلسطيني في القطاع ولها أكبر الأثر على تقييد الحركة وتضييق الخناق على التواصل الإنساني.
في حين تم تناولها كأفلام وثائقية تؤرخ لمعاناة الفلسطينيين على مدار هذه الأعوام وخاصة في الأعوام الخمسة الأخيرة والتي لعبت فيها المستوطنات دور الحاكم العسكري ومحور الارتكاز لزلزلة القطاع والمخيمات الفلسطينية المكتظة بالسكان.
ويشير المخرج مهنا في هذا السياق أن لديه العديد من الأفلام الوثائقية التي تحدثت عن صعوبة التعايش مع هذه المستوطنات وآثارها الحقيقية على السكان الفلسطينيين ويقول:" منذ بداية عملي بالأفلام الوثائقية ركزت على الظلم النفسي الذي يعاني منه الإنسان الفلسطيني سواء من قوات الاحتلال الإسرائيلي أو من المستوطنات".
ومن بين أعماله فيلم "رغم الحصار" الذي يركز على إغلاق الاحتلال للطرق وإعاقة حركة المتوجهين من سكان جنوب قطاع غزة لتأمين مرور المستوطنين إلى مستوطناتهم التي تقسم القطاع إلى أجزاء مفتتة، وشارك هذا الفيلم في مهرجان القاهرة عام 2003 وحاز على جائزة، فيما كان وقعه على الجمهور كبيراً كما يقول مهنا حيث نقل معاناة الفلسطينيين عبر مادة مصورة إلى العالم الخارجي الذي يسمع فقط عن المستوطنات ولا يعرف كنهها، كما عرض في العراق قبل الحرب، وعرض على شاشات عدد من المحطات الفضائية المهتمة بالشأن الفلسطيني.
ويتحدث فيلمه " أطفال مع وقف التنفيذ" عن معاناة عائلة هجّرها الاحتلال أكثر من مرة وسرق أرضها المترامية الأطراف لصالح مستوطنة كفار داروم التي يقطنها عشرات الأشخاص، فيما تضطر العائلة المكونة من 12 فرداً للسكن في منزل متواضع بالقرب من المستوطنة وتبدأ معاناتهم مع عنصرية المستوطنين الغاصبين المتشوقين للدماء وللون الأحمر.
وشارك هذا الفيلم بإحدى المهرجانات في ألمانيا وقررت الحكومة هناك عرضه في رياض الأطفال، كما عرض في مؤتمر برلين للسلام.
وكان فيلمه الثالث "معبر الموت" من أكثر الأفلام قرباً لنفسه فتحدث عن أثر الحواجز الإسرائيلية على حياة ومستقبل أحد الأطفال المرضى الذي كان متوجهاً للعلاج في القدس المحتلة، واضطر الأطباء لقطع رجليه نتيجة لتأخير وصوله إلى المشفى وهي قصة واقعية يعيشها أحد الأطفال في قطاع غزة، وشارك هذا الفيلم في مهرجان القاهرة لعام 1999 وحاز على الجائزة الذهبية.
وعن أثر المستوطنات على حياة المخرج الفلسطيني أكد مهنا أنه عانى منها كثيراً كبقية المواطنين، فهو يقطن محافظة خانيونس مما يعني مروره شبه اليومي من امام الحواجز الإسرائيلية واضطراره كثيراً للمبيت على الحاجز ومراقبته عن كثب لمبيت الأطفال والنساء والرجال بجانب سياراتهم المتوقفة طوال الليل أمام الحواجز التي تتحكم بها عقلية ومزاجية الجندي الإسرائيلي.
أما المخرج فريد شاهين فيسجل استغرابه الشديد من الحال الذي آلت إليه مستوطنة نتساريم التي سرقت ونهبت معاني الحياة الفلسطينية على حد تعبيره، فكانت المجرمة والقاتلة لأم وأطفالها الاثنين وابن أخيها بقذيفة مسمارية فتت أشلاءهم عشية إحدى الليالي، وهي القصة التي اختارها لفيلمه "نتساريم فخ الموت"، متعجباً من وهن المبادئ الإسرائيلية وضعفها وسرعة تخليهم عما ادعوا انه أرض مقدسة لهم وما شبهه رئيس حكومتهم بان نتساريم مثل تل أبيب.
وكباقي المخرجين فقد شارك شاهين في عدد من الأفلام حيث حاز فيلمه نتساريم فخ الموت على الجائزة الفضية في مهرجان قرطاج نظراً لصدق الوقائع وإيحاء الصور التي التقطتها عدسة الكاميرا ودقة الربط بين تفاصيل الفيلم الذي نقل للعالم المحيط آلام الفلسطينيين جراء هذه المستوطنات وجرائمها اليومية.
ويشاطر شاهين مهنا نظرته للانسحاب الإسرائيلي حيث يؤكد كلاهما على الترحيب الفلسطيني الخالص بكل شبر يحرر من الأرض الفلسطينية ويطرد منه الغاصبون، متمسكين بضرورة تحرير الضفة الغربية والقدس واسترجاعها ومواصلة مسيرة الألف ميل التي بدأت بغزة.