الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقدسيات ... الزلازل والتسونامي في بيت المقدس وأكنافه

نشر بتاريخ: 01/04/2016 ( آخر تحديث: 01/04/2016 الساعة: 10:58 )

الكاتب: د. "محمد علي" العلمي

تحدث غالبية الزلازل الكبيرة وما يصاحبها من تسونامي نتيجة التحرك المفاجئ لصفائح القشرة الأرضية. إذ يتألف سطح الكرة الأرضية من نحو 15 صفيحة رئيسية وعشرات الصفائح الصغيرة. وسطح هذه الصفائح والتي يحيط بها المحيطات والبحار تكون إما من اليابسة أو مضافا الى أطرافها أجزاء من البحر. فمنها الكبيرة الحجم مثل الصفيحتين الافريقية والآسيوية ومنها الأصغر حجما مثل الصفيحة العربية والتي يحدها من الشرق الصفيحة الإيرانية ومن الشمال صفيحة الاناضول ومن الغرب الصفيحة الأفريقية. وكل هذه الصفائح كانت وما زالت عرضة للحركة. فمثلا كانت جميعها متلاصقة قبل نحو 300 مليون سنة ثم ما لبثت أن تباعدت عن بعضها البعض. فالهند كانت يوما ملاصقة للجانب الشرقي لافريقيا, والقارتين الامريكيتين ملاصقتين لاوروبا وافريقيا. أما ايطاليا فقد كانت جزءا من ليبيا قبل انسلاخها باتجاه الشمال لترتطم وتدفع باوروبا وتكون نتيجة ذلك جبال الألب.

تقع بلادنا على الصفيحة العربية والتي تشمل كامل شبه الجزيرة العربية وسائر بلاد الشام والعراق وتنتهي على ساحل البحر المتوسط, وتستثني مصر (وسيناء) التي تقبع على الصفيحة الافريقية. تتحرك الصفيحة العربية شرقا بسرعة غير منتظمة لتدفع الصفيحة الايرانية بمعدل 2 سم سنويا, مكونة على مدار ملايين السنين ما يعرف بجبال زاغروس الايرانية. وحديثا وقبل نحو 25 مليون سنة (من عمر الارض البالغ نحو 4500 مليون سنة) نشأ شق هائل فيما بين الصفيحتين العربية والافريقية ليمتد من كينيا الى باب المندب مكونا البحر الأحمر وخليج العقبة فغور نهر الاردن لينتهي في شمال البقاع اللبناني. وصاحب ذلك عدة فترات من قذف الحمم البركانية. فمثلا من ينظر الى جبال الاردن المحيطة بالبحر الميت يجد أنها تميل الى البياض في أعلاها, كونها من حجر جيري, ولكنها تميل الى السواد في الجزء السفلي نتيجة تغطيتها بالحمم التي قذفت من باطن الأرض في الماضي نتيجة الشق المذكور. ويمكن مشاهدة بقايا هذه الحمم أيضا في أطراف مدينة الشونة وفي الجولان. ويتوسع غور الاردن سنويا بضع مللمترات.

إن تاريخ تحرك الصفائح الأرضية له تأثير مباشر على عصرنا الحديث إضافة الى تأثير زلازله. ولنأخذ حقول النفط مثلا لتوضيح ذلك. فمن المعروف أن حقول النفط والغاز في العراق والكويت والسعودية وقطر وصولا الى عمان هي ذات أحجام هائلة وبالتالي ذات كلفة انتاجية منخفضة نسبيا. ولم يأت ذلك صدفة. فهذه الحقول تقع على صفيحة واحدة وبعيدة نسبيا عن خط التماس مع الصفيحة الايرانية والاناضولية. وبالتالي وبالمقارنة مع غيرها لم تتعرض هذه الحقول للتكسير كثيرا من جراء ذلك وهو الأمر الذي ينتج عنه هروب النفط والغاز منها. فخطوط التماس ما بين الصفائح هي المناطق ذات الزلازل الكبيرة الأثر والكثيرة العدد. أما حقول النفط الايرانية فهي كثيرة العدد ولكنها صغيرة الحجم إذا ما قورنت بالحقول المذكورة سابقا. وعليه فإن استخراج النفط منها وتجميعه على وجه العموم أكثر كلفة. ومرد ذلك طبعا تكون جبال زاغروس المذكورة سابقا وما نتج وينتج عنها زلازل وبالتالي تكسير للحقول. وبشأن حقل الغاز الايراني البحري الهائل الحجم (واسمه بارس) فهو يقع محاذيا لقطر وعلى الصفيحة العربية, وعليه كان نسبيا أقل تأثرا. أما بلادنا ومحيطها فقد تعرضت للعديد من الزلازل كونها قريبة جدا من الطرف الغربي للصفيحة العربية وعلى خط التماس مع كل من صفيحة البحر المتوسط والصفيحة الافريقية, ناهيك عن عوامل تكوين الشق الافريقي المشروح أعلاه. وعليه ولكثرة الزلازل الكبيرة في الماضي (وعوامل أخرى) تسرب معظم الغاز والبترول من حقولها. إن ما تقدم هو صورة مبسطة فقط. إذ نؤكد أنه هناك عوامل أخرى أدت الى عدم تواجد كميات كبيرة من هذا الذهب الأسود في بلادنا لا تتسع هذه المقالة لبحثها.

لقد ذكرنا أن حركة الصفائح هي التي تسبب الزلازل الكبيرة والتي عادة ما يصاحبها ظاهرة التسونامي التي تصيب البحار وشواطئه. وهذه الحركة لا تجري بالضرورة بسرعة منتظمة. ففي العديد من الأحيان يتنامى الضغط في اتجاه ما دون أن تتحرك الصفيحة, حتى إذا ما تعاظم هذا الضغط الى درجة معينة تحدث الحركة بشكل عنيف ومفاجئ. وهذا ما يسبب الزلزال والذي تعتمد قوته على حجم الضغط الذي يؤدي الى الحركة الفجائية. ويعتمد تأثير الزلزال وقوة تدميره أيضا على بعد مركز الزلزال وموقع الانزلاق لطبقات الأرض عن السطح الذي نعيش فوقه.

يدرس العلماء اليوم الصفائح المشروحة أعلاه من خلال المراقبة واستعمال أجهزة في غاية الحساسية. ومن عجائب الأمور أن التقدم الهائل في حساسية العديد من هذه الأجهزة أتى نتيجة مراقبة القوى النووية لبعضها البعض للتأكد من عدم مخالفة اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية. وهذه الأجهزة لم تتوفر سوى حديثا. وحيث أن ظاهرة تحرك الصفائح بطيئة للغاية وقديمة جدا فإن الحصول على معلومات مفيدة تأخذ زمنا طويلا. وعليه يستعين العلماء في بعض الأحيان الى ما يمكن استنتاجه من تتبع علم الآثار وتأثير الزلازل المتعاقبة عليها. كما يستعينون أيضا بما نشر في كتب التاريخ التي دونت قبل مئات السنين. بيد أن معظم ما دون لم يكن سوى ما تم نقله عن آخرين, وليس لمن عاصر الزلزال في موقعه. وعليه مال العديد من المؤرخين الى التهويل والمبالغة وإهمال الدقة في الرواية. وهذا واضح من ما وجدناه في الروايات التاريخية عن الزلزال الذي ضرب بيت المقدس في عام 952 للهجرة, 1546 م. ولحسن الحظ توفر لنا ما دون في الحجج القضائية لمحكمة القدس يوم حدوث الزلزال والأيام التي تلته. ووجدنا تباينا فيما دونته بعض الكتب, خاصة الغربية منها, عن وقت وتاريخ الزلزال وعن الأضرار التي حصلت. وبالطبع فإن ما شاهده وعاينه أهل القدس وتم تدوينه يميل الى الدقة أكثر من ما دونه مؤرخ أوروبي عن ما رواه آخر عن ما سمعه من رحالة زار القدس بعد الزلزلة. وسنفصل كل ذلك في الجزء الثاني لهذه المقالة.

وكشأن ما دونه المؤرخون الغربيون, لم تسلم بعض كتب التاريخ العربية من مغبة التهويل للأحداث خاصة الزلازل والكوارث منها. فهذا مؤرخ عربي يذكر أن عدد من هلك في زلزال ما كان مائتي الف, وأخر يذكر العدد عشرون ألفا. وهذا يذكر أن قبة الصخرة المشرفة أو قبة كنيسة القيامة قد انشقت ثم التأمت أو تشققت وآخر يقول أن القبة قد انهارت. كما أن الاهتمام بالرواية انحصر في ما حصل في المدن من خراب, وندر ذكر ذلك للقرى والتي كان عدد مجموع سكانها يفوق عدد سكان المدن مجتمعة. لذا فإن الحذر مطلوب في قراءة ما دون من أحداث والرجوع في حالة الشك الى ما يمليه العقل, أو ترك الباب مفتوحا لمزيد من الدراسة والتحري.

كان لبناء المنازل في بلادنا نهجا يمنح قدرا من الحماية من الزلازل. فجدران البيوت مثلا كانت تبنى من حجارة صغيرة, خفيفة الوزن نسبيا, وذات صلابة متوسطة. إذ يتم بناء جدار خارجي وآخر داخلي يملئ الطين بينهما. وهذا النهج يمنح مرونة أكبر في استيعاب الهزة الأرضية, حيث ينحصر الضرر في كثيرا من الأحيان في تشقق الحائط وليس في سقوطه. وعليه كانت الأبنية الكبيرة مثل بعض المساجد والكنائس والتي تكون قائمة على أعمدة رخامية وصلبة أكثر عرضة للضرر. بيد أن ضيق شوارع المدينة وكثرة أزقتها وأبنيتها المتلاصقة كانت ترفع من احتمالات حدوث الضرر للأهالي في حالة سقوط الأبنية. أما المناطق الساحلية فقد كانت عرضة لحدوث التسونامي خاصة لدى وقوع زلزال كبير يكون مركزه قريبا من البحر أو داخله. وكان التسونامي الذي وقع قبل نحو الف عام على سواحل بلادنا من أكبر ما عرفته هذه البلاد وذهب ضحيته اللآف من سكان الساحل. وسنسرد تفاصيله في مقالتنا القادمة. وهنالك نوع آخر من التسونامي والذي عادة ما يحدث في البحيرات المغلقة مثل البحر الميت وبحيرة طبريا. إذ تنشأ فجأة موجة يبلغ علوها عدة أمتار تجوب البحيرة من طرف الى آخر, وتدوم بضع ساعات. وحدث هذا لبحرنا الميت وبحيرة طبريا مرارا كما في زلزال 749 م و1549 م و 1837 م. وهنالك أمرا آخرا تؤثر فيه الزلازل على الأنهر الصغير مثل نهر الأردن. إذ كان يحصل ردم كثير لضفاف مجراه, أدى في العديد من الأحيان الى توقف جريانه لساعات طويلة وتغييرا طفيفا على خط سيره. وبالطبع كانت الآثار في بلادنا من ضحايا الزلازل من بيسان الى قيسارية الى جرش وقصر هشام في أريحا. إذ عانت هذه الأماكن الأثرية من ضرر بالغ إدى الى هدمها وردمها. ولربما فاق هذا الضرر بكثير ما سببه بني البشر لها من سلب ونهب لحجارتها. فقصر هشام لم يكتمل بناؤه ولا سكنه الخليفة الأموي نتيجة حدوث زلزالا في أريحا إثناء إنشائه.

نسرد فيما يلي السنوات التي حصلت فيها أهم الزلازل التي ضربت بلادنا منذ ألفي عام والبالغ عددها نحو 15. وهذه السنوات هي وفق المصادر التاريخية الغير عربية، وسنعرض في المقالة القادمة كيف أن المصادر التاريخية العربية قد ذكرت عدة زلازل غير مشمولة أو مذكورة أدناه. سنة 30 م, 115 م, 306 م, 363 م, 419 م, 447 م, 631 م, 749 م (دمار كبير في القدس وجرش وعمان وتسونامي في الساحل والبحر الميت), 1033 م (تسونامي هائل في الساحل ودمار في فلسطين وسوريا ومصر), 1202 م (دمار في نابلس وتسونامي في الساحل), 1546 م (دمار في القدس وتصدع كبير لقبة كنيسة القيامة وتسونامي في الساحل), 1759 م (دمار في فلسطين وبلاد الشام وخراب سور مدينة طبريا وفياضانات في الساحل), 1837 م (دمار في صفد وطبريا وتسونامي في بحيرتها), 1927 م (توقف جريان نهر الاردن لساعات بسبب الانهيارات ودمار في القدس ونابلس وتسونامي في البحر الميت), 1943 م (وهو آخر زلازل ذات شأن, حتى يومنا هذا).