الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تاريخ المكتبات في القدس

نشر بتاريخ: 19/12/2017 ( آخر تحديث: 19/12/2017 الساعة: 18:59 )

الكاتب: عنان حمد

(الحلقة الأولى)
كان في القدس العديد من العائلات العلمية، التي أهتمت بحفظ المخطوطات العربية القديمة، بالإضافة الى المطبوعات النادرة، وأثرت تلك العائلات كثيراً في الهوية العربية الفلسطينية، وعلى رأسها مدينة القدس، باعتبارها مركزاً هاماً من مراكز العلم والثقافة على مدار تاريخها، وقد أنشىء العديد من المكتبات الخاصة بالعائلات المقدسية القديمة، والتي احتوت على ما جمعه هؤلاء من نفائس الكتب والمخطوطات، ولكن ما احتوته تلك المكتبات قد فقد الكثير منه وذلك لعدة أسباب على رأسها الاحتلال البريطاني ومن بعده الاحتلال الإسرائيلي لما قام به كلاهما من عمليات النهب المنظم لأهم الكتب والمخطوطات ونقلها الى المعاهد الصهيونية. بالإضافة الى قيام الاحتلال الى حرق العديد من خزائن الكتب العامة والخاصة. كما قام عدد من غير أهل العلم بنهب و سرقة بعض هذه المخطوطات والكتب وهذا ما أكده الشيخ الخليلي في وقفتيه المؤرخة في سنة 1139 حيث قال " أن الكتب قد قل وجودها بها (أي في الديار المقدسة) ونقلها غير أهلها وباعوها بابخس الأثمان، وما ذلك إلا لقلة اشتغالهم بالعلوم وعدم معرفتهم بالمنطوق والمفهوم، وفي موضع آخر قال الشيخ الخليلي " بيت المقدس كان فيه كتب كثيرة موقوفة من السلاطين، والأعيان، والأكابر، وقد استولى عليها أناس، وتصرفوا فيها بالبيع والهدايا، للأعيان".
يضاف الى كل ما سبق ما أخذه الغربيون من نفائس الكتب والمخطوطات التي اشتروها بابخس الأثمان في الوقت الذي لم تعرف فيه قيمة تلك الثروة من قبل العديد من الناس، كما تم تسريب كثير من كتب التراث الى أمريكا وأوروبا حتى الآن ثمة عدد من الصناديق المليئة بالمخطوطات في عدد من الجامعات الأوروبية وفي جامعة هيدلبرج بالمانيا ثمة أعداد من الكتب عليها ختم المسجد الأقصى. وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967 تسرب العديد من الكتب الى الجامعة العبرية، وغيرها من مكتبات ومراكز الأبحاث الصهيونية.
تاريخ المكتبات في القدس:
أن الحديث عن المكتبات في القدس قبل القرن الثالث الهجري يعتبر عابر حيث اقتصرت تلك المكتبات على بعض نسخ من القرآن الكريم في بعض المساجد القديمة. حيث تعتبر مكتبات المساجد أول المكتبات التي عرفت في فلسطين عامة وفي القدس خاصة، ويعتبر القرن السابع الهجري هو بداية وصول المخطوطات والكتب الى فلسطين حيث تعتبر الكارثة الكبرى التي حلت بالمكتبات في فلسطين هو نهب الفرنجة لمكتبة دار العلم التي محي أثرها اثر حملات الفرنجة المتكررة على القدس. وكان لفتح بيت المقدس في عهد صلاح الدين الأيوبي الفضل الكبير في بدء الحياة العلمية، حيث بدا صلاح الدين بإنشاء المدارس في فلسطين عامة وفي القدس خاصة، والعمل على تزويد المسجد الأقصى بالكتب العلمية والدينية، وبداية من القرن السادس الهجري والرابع عشر الميلادي بدأت ملامح جديدة للحركة الثقافية في فلسطين، حيث عصر الأيوبيين والمماليك والقسم الأول من العصر العثماني بنهضة علمية حقيقية، تمثلت في مظاهر متعددة منها البدء في إنشاء المدارس ومعاهد العلم التي وفد اليها الكثير من العلماء من داخل فلسطين وخارجها وكثر التأليف وراجت الكتب وازداد عددها زيادة كبيرة بالإضافة الى تطور إنشاء المكتبات بشكل ملحوظ والإنفاق على الكتب، كما كثرت المكتبات الخاصة في بيوت شيوخ المدارس ورجال العلم، وفي القدس وحدها وصل عدد المدارس الى سبعين مدرسة وعشرات الزوايا والرباطات والخوانق التي امتلأت خزائنها بالكتب، وفي القرن التاسع هجري شهد قمة التطور من حيث ازداد عدد العلماء الفلسطينيين والعلماء الوافدين الى فلسطين حيث أصبحت القدس مركزا مهما من مراكز العلم في فلسطين، ولقد جاء في كتاب الأنس الجليل " أن أكثر من 440 سيرة مختصرة لعلماء وخطباء وقضاة ومؤلفين ممن عاشوا في بيت المقدس، منذ الفتح الأيوبي حتى سنة 900 للهجرة(1494 ميلادي)،من بينهم أفراد عائلات علمية كثيرة من أمثال بني القلقشندي، وبني جماعة وبني غانم وبني الديري، وهناك دراسة أحصائية أثبتت أن ثمانين عالماً علموا في القدس بين القرنين الخامس والتاسع للهجرة ولقد جاءوا من اثنين وعشرين بلدا وخاصة من المغرب التي كانت تربطها ببيت المقدس صلات وثيقة.
العصر العثماني في القدس:
أستمر الحكم العثماني لبلاد الشام عامة وفلسطين خاصة 400 سنة، وفي هذه الفترة ازدهرت الحركة العلمية في فلسطين وظهرت ظاهرة العائلات العلمية التي ساعدت في الحفاظ على الموروث الثقافي، حيث توارثت هذه العائلات وظائف التدريس والمناصب الدينية الرفيعة، ومن هذه العائلات في القدس آل بني جماعة ، آل البديري ، وآل أبي اللطف، الذين تولوا التدريس في المدرسة الصلاحية بالإضافة الى العائلات الفلسطينية الأخرى في صفد وغزة ونابلس وفي تلك الفترة درس 123 عالماً من القدس في الأزهر الشريف، ولقد عمل عدد كبير من أفراد العائلات المقدسية بالتدريس في مدارس القدس إبان العصر العثماني والذي حفل بمكتبات خاصة كثيرة تدل على النشاط العلمي والنهضة العلمية ومن أهم المكتبات التي اسهم في بنائها علماء كثر منها مكتبة الشيخ الخليلي، ومكتبة الشيخ محمد بن بدير، ومكتبة حسن بن عبداللطيف الحسيني، ومكتبة خير الدين الرملي، ومكتبة يحيى بن شرف الدين بن قاضي الصلت. ولقد وصل عدد المكتبات في تلك الفترة في القدس الى 49 مكتبة يقصدها طلبة العلم في أي وقت وبالإضافة الى ما احتوت عليه من خزائن المدارس والمساجد وبيوت العلماء كما كان عدد كبير من المكتبات داخل الكنائس منها مكتبة القديس المخلص (1558) ومكتبة البطريركية الأرثوذكسية(1865) ومكتبة القديس جورج (1890) والمكتبة الإنجيلية الأثرية الفرنسية (1890) ومكتبة الجامعة الروسية الأرثوذكسية ومكتبة الأباء الفرنسيين الكائنة في دير الدومنيكان، بالإضافة الى المكتبات التي امتلكتها بعض الأسر والأشخاص كمكتبة الشيخ خليل الخالدي، ومكتبة أسعاف بك النشاشيبي واسحاق موسى الحسيني وعبدالله مخلص وخليل السكاكيني، وايضا المكتبات العائلية مثل المكتبة الحسينية، والداودية والفخرية لآل ابي السعود وأل جار الله ، وأل قطينة، وأل البديري وأل الأمام ومكتبة الترجمان.
كما انه انتشرت في تلك الفترة مكتبات المدارس ومن أهمها مكتبة المدرسة (الخانقاة) الفخرية، مكتبة المدرسة الأمينية.
تاريخ المكتبات في القدس (الحلقة الثانية)
أحتلال القدس (1917 – 1948):
في هذه الفترة زاد التغلغل الاستعماري لبلاد الشام والذي اخذ إشكالا متعددة كان للناحية الثقافية نصيب كبير حيث تأثرت الحركة العلمية ومن ضمنها المكتبات تأثرا كبيراً فمنذ تلك الفترة لم يتم افتتاح مكتبات جديدة بالإضافة الى عدم تنظيم المكتبات القديمة وكانت المكتبة الخالدية قد افتتحت قبل ذلك التاريخ بقليل وتحديداً في عام (1900) وقد تم تأسيس عدد من المكتبات الأجنبية في أواخر العهد العثماني التي ادخل من خلاله مبادئ تنظيم جديدة في العمل المكتبي والتي اعتبرت جديدة في تلك الفترة، حيث حفظت الكتب في أماكن أفضل و ترتيبها على الرفوف ووجود قاعات للقراءة بالإضافة الى وضع فهارس حديثة بعض الشيء.
احتلال فلسطين عام 1948:
لقد حدث لاحتلال فلسطين في عام 1948 من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الى سقوط مئات المكتبات وألف المكتبات الخاصة داخل عدد لا يحصى من البيوت التي رحل عنها أهلها واستولت عليها قوات الاحتلال وقاموا بنقلها الى معاهدهم ومراكز الأبحاث الخاصة بهم، بالإضافة الى العديد من المكتبات التي هجرت والتي تعرضت للنهب والسرقة من قبل قوات الاحتلال. بالإضافة الى منع استيراد الكتب ومنع تداولها ونشرها وازداد ذلك بعد عام 1967 واحتلال باقي الأراضي الفلسطينية في تلك الفترة. ونذكر من أهم المكتبات التي تعرضت للسرقة والنهب في تلك الفترة:
1. المكتبة الخليلية للشيخ عبد المعطي الخليلي مفتي الشافعية في القدس ومن علماء المسجد الأقصى ويقدر عدد محتوياتها ب 7000 مجلد.
2. دار الكتب الخالدية والتي تعد من أعظم دور كتب القدس تقع في خط باب السلسلة وهي المدرسة المعروفة باسم بركة خان، وقد وصل عدد كتب المكتبة الخالدية الى ما يقارب 4000 مجلد ثلثاها مخطوطات نادرة وعدد من نفائس المطبوعات التي جلبها عدد من المستشرقين.
3. دار الكتب الفخرية ويعود وقفها الى القاضي فخر الدين عبد الله بن محمد بن فضل الله، وقد بلغ عدد كتبها تقريبا عشرة آلاف مجلد.
4. مكتبة عبد الله مخلص وتعرف باسم خزانة عبد الله بك مخلص وقدر عدد مجلداتها ب 3000 مجلد منها 120 مخطوطاً.
5. خزانة آل قطينة وتنسب هذه المكتبة الى الأسرة الحنبلية الوحيدة والذين يعود نسبهم الى مجير الدين الحنبلي صاحب "تاريخ القدس والخليل" وكان عدد مقتنياتها الى 4000 مجلد منها مخطوطات نفيسة في الرياضيات والفلك والتنجيم.
6. مكتبة الشيخ حسام جار الله والتي كانت تضم ما يقارب 2000 كتاب و مخطوط في العلوم الإسلامية والعربية ومن بينها مخطوط قرآن مجلد بجلد الغزال وقد سرقت المكتبة عام 1948 من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
7. مكتبة إسحاق موسى الحسيني التي احترقت.
8. مكتبة فهمي الأنصاري.
9. مكتبة مروان العسلي التي كانت تضم 4500 مجلد وقد جمع منها الدكتور إسحاق موسى الحسيني زهاء 500 مخطوط من أماكن متفرقة وهي توجد الآن في كلية الآداب للبنات في القدس.
10. خزانة آل البديري.
11. خزانة الشيخ محمود اللحام.
12. مكتبة حسن الترجمان التي أسسها حسن الترجمان الصالح وبلغ عدد المجلدات بها ما يقارب 3000 مجلد منها 900 مخطوط.