الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة القرن ليست الأولى أمريكيا استراتيجية مواجهة فلسطينية وموقف عربي..

نشر بتاريخ: 22/06/2019 ( آخر تحديث: 22/06/2019 الساعة: 17:31 )

الكاتب: حسام حمدان- باحث

إن صفقة القرن الصهيو أمريكية، ليست الصفقة الأولى التي تستهدف القضية الفلسطينية لتصفيتها وتمزيقها، بل إن الإدارات الاميركية المتعاقبة عبر سني الصراع العربي الصهيوني الطويلة، وقفت سداً منيعاً أمام أي حلٍ عادل للقضية الفلسطينية، وعملت جاهدة على إسقاط كافة القرارات التي من شأنها الوصول إلى تحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطيني،عبر مشاريع تصفوية، بدأت في طرحها منذ العام 1969 -أي بعد استكمال اسرائيل لإحتلال ما تبقى من أرض فلسطين- من خلال مشروع روجرز مروراً بمشروع جيمي كارتر عام 1977 ومحاولات ريغان وشولتز وصولاً إلى مبادرات كلينتون وأوباما وغيرها من المشاريع التصفوية التي ارتكزت في حقيقة الأمر على الرؤية الإسرائيلية لصيغة أي حل، وتساوقت مع الإستراتيجية الصهيونية القائمة على أساس الأمن مقابل السلام وبمباركة امريكية طبعاً.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن جادة في ايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي، بل أرادت إدارة هذا الصراع خدمة لمصالحها أولاً ولحماية أمن اسرائيل كقاعدة متقدمة لها في المنطقة ثانياً، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة التي قادت العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أظهرت انحيازاً سافراً لإسرائيل، وأثبتت الأحداث بأنها ليست وسيطاً محايداً ونزيهاً، بل إنها قدمت على الدوام الغطاء القانوني والسياسي لدولة الإحتلال أمام الشرعية الدولية والقانون الدولي في ظل غياب الرافعة العربية المتضامنة مع القضية الفلسطينية والداعمة لها.
إن الدول العربية بنظامها الرسمي كانت دائماً تظهر بموقف المتضامن، وهو الحد الأدنى للشراكة من أجل إنهاء الإحتلال. وهذا الموقف لم يكن أبدا كافيا للتعاطي مع قضية بحجم القضية الفلسطينية ومركزيتها على الصعيدين، العربي و العالمي و التعامل مع استعمار يعتبر استعماراً استثنائياً يقف خلفة قوى عظمى تدعمه في المجالات كافة. فهذه النظم السياسية لم تؤسس لتحالف استراتيجي بمفهومه الحقيقي، مبني على أساس أن الدول العربية جزء من قضية فلسطين، على الرغم من إعتبار العرب للقضية الفلسطينية قضيتهم المركزية، إلا أن ذلك لم يتعدى كونه رفعاً للحرج والمسؤولية عن كاهلهم أمام الشعوب العربية المتعاطفة مع الفلسطينيين.
كان المؤشر على الوضع العربي الهزيل اتجاه القضية الفلسطينية عبر مراحلها التاريخية قد ظهر في أكثر من مناسبة، لعل أبرزها الإبعاد المتكرر لقوات منظمة التحرير الفلسطينية عن مناطق التماس مع فلسطين المحتلة بدءاً من الأردن في العام 1971، مروراً بخروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت عام 1982، وصولاً إلى تونس البعيدة تماماً عن الحدود مع فلسطين، بالإضافة إلى محاولات تقزيم دور المنظمة وتهميشها وإقصائها عن قيادة الشعب الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد لقضيته.
بل إن بعض الأنظمة الرسمية العربية تحولت إلى إتخاذ موقف عدائي ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وتبنت منهجاً تمثل في القبول بحق إسرائيل في الوجود دون مقابل. ولعل هذا كان خطاً استراتيجياً وقعت فيه منظمة التحرير كذلك، بإنجرارها نحو الإعتراف بحق إسرئيل في الوجود مقابل الإعتراف بها من قبل اسرئيل، حيث كان من الأولى انتزاع اعتراف اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وهو الأشمل والركيزة الأقوى لإنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
على الرغم من كل ما مرت به المنطقة من حروب ونكسات تمثلت في حربي الخليج الأولى والثانية والتي انتهت باحتلال العراق وتحييده عن الصراع كما حصل مع مصر سابقاً عبر اتفاقية كامب ديفيد، وتفجر ثورات الربيع العربي التي أفرزت دولاً عربية فاشلة مثل سوريا وليبيا، والحرب السعودية الإماراتية ضد اليمن، غير أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة وحية في ضمير ووجدان القوى الفاعلة في الشارع العربي التي ما زالت تعتبر أن فلسطين هي البوصلة ومفتاح الحل لقضايا المنطقة كافة، خاصة بعد تفشي ظاهرة التطرف الديني والصراعات المذهبية والطائفية والمناطقية. ولا زالت هذه القوى ترفض كل أشكال التطبيع السياسي والإقتصادي والثقافي مع اسرائيل، الأمر الذي شكل وعياً متقدماً في ذهنية شريحة واسعة من النخب العربية التي قادت معركة مضادة لأنظمتها السياسية التي تسير تحت العباءة الأمريكية في ظل محاولات حثيثة لإعادة تشخيص العدو وتغيير المسار بالتحول من العداء مع الإحتلال الصهيوني إلى عداء مع قوى اخرى مثل إيران، تحت ذريعة المصالح الإستراتيجية مع اسرائيل، والوصول إلى تحالف استراتيجي معها للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وفي محاولة لكي الوعي الجمعي لدى الشعوب العربية وتحييدها عن أن أتون الصراع مع إسرائيل.
اتبعت منظمة التحرير الفلسطينية البراغماتية السياسية في طرح سياساتها وتحديد استراتيجياتها نتيجة الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها منذ تأسيسها، إضافة إلى ميل كفة موازين القوى في غير صالحها، فتحولت من هدفها الإستراتيجي المتمثل بالتحرير الكامل إلى دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، غير أن ذلك التحول لم يشفع لها عند الإدارة الأمريكية التي حاولت دائماً الإلتفاف على تلك التحولات بفرض المزيد من المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية وإجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات من شأنها تقزيم قضيتهم، واختزالها من قضية وجود وحقوق مشروعة، إلى مسألة إقتصادية لتحسين الظروف المعيشية، وهذا ما تسعى إدارة ترامب للوصول إليه فيما سمي " بورشة البحرين الإقتصادية" المزمع عقدها في شهر حزيران الجاري، والمرفوض بشكل مطلق من الفلسطنيين في حالة اجماع وطني وشعبي قل نظيرها.
زبدة القول؛ إن الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه ومكوناته السياسية والوطنية غير مجبر على القبول بأي حل يتنافى مع حقوقه ولا يندرج تحت إطار ومباديء الشرعية الدولية وقراراتها، طالما هناك إرادة فلسطينية صلبة لمواجهة أي خطة أو صفقة وتحت أي مسمى لا تعترف بحقوق الفلسطينيين غير القابلة بالتصرف؛ كما هو واضح من إدارة القيادة الفلسطينية لهذه المواجهة، والصمود في وجه الضغوط الكثيفة، وهذا بحاجة إلى المزيد من الإلتفاف الشعبي حول منظمة التحرير الفلسطينية والتمترس خلفها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وإعادة الروح لأطرها وهيئاتها والعودة إلى دورها كحركة تحرر وطني تسعى لإنهاء الإحتلال وتحقيق الحرية والإستقلال.
صفقة القرن ستسقط كغيرها من المبادرات والمشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب الوحدة في الموقف والمصير، وصياغة استراتيجية وطنية شاملة تعزز صمود المواطن الفلسطيني وتعيد القضية الفلسطينية إلى عمقها العربي، والعمل على إعادة تدويل الصراع ومحاكمة الإحتلال على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية، واتباع استراتيجية الدبلوماسية الشعبية من خلال تعزيز الرواية الفلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية، وتجديد الإستراتيجيات والسياسات وأدوات النضال، بدمج الأجيال الشابة والإستفادة من طاقاتها وإشراكها في صناعة القرار الوطني، ومنحهم الفرصة للتقدم إلى صفوف النضال الأولى لإضافة زخم جديد للقضية الفلسطينية.
حسام حمدان- باحث