الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

د. أحمد عوض يطرق الخزان من جديد.. اولئك الذين ادعوا الالوهية والنبوة؟

نشر بتاريخ: 30/11/2019 ( آخر تحديث: 30/11/2019 الساعة: 20:35 )

الكاتب: وليد الهودلي

"الكلمة التي القيت بالامس في حفل توقيع كتاب الدكتور احمد رفيق عوض: (سلالة فرعون، حكايات مدعي الالوهية والنبوة) في مركز بيت المقدس للادب – البيرة ."
في رحلة مزلزلة مرعبة مخيفة مقلقة مثيرة ، رحلة رعب دونها الحروب المهولة المدويّة ، رحلة شاقة دونها صعود الجبال الشاهقة الوعرة الخطرة ، رحلة قرأت فيها ما كتب الدكتور عوض عن الذين ادعوا الالوهية والربوبية ومن تبعهم من جماهير مضللة ، مستهبلة ، مستغفلة ، مستلبة التفكير واعمال العقل والارادة القوية الفاعلة أو قل باختصار أنها مستحمرة ! ومن قبل من ؟ من قبل أناس موتورين مغرورين مهووسين أو جبابرة غرّهم جبروتهم وهوان من اتبعوهم وأراهم أنفسهم بأنها آلهة لها الحق ان تتصرف وأن تقول قولة فرعون : " انا ربكم الاعلى " أو أنهم انبياء يشكلون ظل الله في الارض .
الدكتور أحمد رفيق عوض وهو يسبر غور هذه النفوس العجيبة التي ادعت ما لا يحق لها باي حال من الاحوال ولا بأي وجه من وجوه العقل الرشيد والمنطق السليم وفي ذات الوقت وهو يسبر غور من تبعهم وصدّق ادعاءهم من جماهير ضلت السبيل وسارت خلف هؤلاء المدّعين ، يسبر هذه الاغوار السحيقة ليقول لنا الاخطر في هذا الاشتباك المدمّر : بين ذاك المتربع على عرش الالوهية واولئك الذين سمحوا لأنفسهم أن يبني عرشه في قلوبهم وأعماق نفوسهم ، الاخطر في هذا وذاك له قصة طويلة وقديمة في رواية التاريخ والواقع للادبيات التي نسجها مفكّرنا من دم قلبه وشريان فكره الثائر ، فمنذ رواية عكا والملوك مرورا برواية القرمطي وصولا الى رواية الصوفي والقصر والمعادلة تشتعل لتحرق من أمامها أشواك الباطل وأدغال غابة ضلّت شريعة أصحابها في تلافيفها ، تلك المعادلة هي التي طرفيها الدين والسياسة او قل إن شئت رجل السلطة او رجل الدين فكلاهما سيان عندما يمتطون الدين لمآربهم الخاصة وأهوائهم المنحرفة بعيدا عن نقاء وصفاء رسالة السماء وسمو أهدافها ، فيردوه أسفل سافل مرادهم الدنيء . إنهم بذلك نصبوا أنفسهم مكان الله حكما أو تشريعا أو كلاهما أو إذا تواضعوا قليلا او كثيرا فمكان النبي لينوبوا بذلك عن دين الله ويتحدثوا منزهين مقدسين أنفسهم ، لا رأي الا رأيهم ولا شان ولا حكم ولا فعل ولا حياة ولا موت الا ما أرادوا ، فهم من يحق لهم أن يتحدث باسم السماء في الارض وغيرهم من لا يحق له الا أن يقع عليهم القول فينصاع لحكمهم ويشكر لهم حسن صنيعهم بخيره او شره.
هذا هو الدافع اذا ليكتب مفكّرنا ما كتب : أن يكشف عورة هؤلاء الذين ليس فقط يدّعون بل يمارسون ما ادّعوه ويعملون سيف سطوتهم في رقاب الناس الذين لا يرون فيهم الا عبيدا لهم ، تماما على عكس ما وصفت الاية الكريمة في دور الانبياء :" مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ " ، فهؤلاء اما بالقول او بالفعل جعلوا أتباعهم عبادا لهم من دون الله . لقد لخص بذلك العلاقة بين الحاكم المستكبر المستبد والمحكوم على أمره المستضعف ، تماما كما أبدع علي شريعتي في بناء الذات الثورية و النباهة والاستحمار ومالك بن نبي في شروط النهضة وقابلية الاستعمار وابو الاعلى المودودي في نظرية الاسلام السياسية وسيد قطب في الظلال ونزع الحاكمية من الذين يمارسونها بغير حق ومحمد الغزالي في الاستبداد السياسي ومن قبلهم الكواكبي في طبائع الاستبداد وابن خلدون في مقدمته الشهيرة ، فيأتي ما يكتبه مفكرنا اليوم في سياق علاقة المستعمر واتباعه بالشعوب المستعمرة حيث يُراد لها أن تقبل الاستعمار وتُقبل يده صباح مساء ، وأن تقبل الاحتلال وتتعايش معه وتتطبع على ما يريد فالتطبيع ليس متبادلا بل كما يريد من يملك القوة والقدرة على الهيمنة ، انها معادلة واقع الهزيمة والقبول بالذل والمهانة والتبعية والرضى بالسياسات الاستعمارية التي تذل الشعوب وتمتص ثرواتهم وتسحق تطلعاتهم وحقوقهم وآمالهم .
لقد وصل مفكرنا الدكتور عوض ببراعة نطاس بارع الى الدمل المزروع في جسد البشرية منذ اول من ادعى الالوهية او النبوة ، كشف عنه غطاءه وجعلنا نراه مكشوفا مذموما مدحورا وجعلنا نشم رائحته النتنة ، فلا براءة لنا الا باستئصال هذا الدمل ، وهذه هي دعوة التوحيد التي اعطت لكل ذي حق حقه ، للالوهية بحق حقها وللبشرية حقها في اقامة العلاقة السوية مع خالقها ومعبودها الحق ، سوى ذلك خلط للاوراق ومسخ وسخط للبشرية التي رضيت بالهة باطلة تعبد بغير حق ، لذلك كان للدين ان يفرد المساحة الاوسع لتثبيت اركان الالوهية والربوبية واركان النبوة التي تحمل الرسالة بأمانة وصدق ، سوى ذلك سترتكس البشرية ولن يكون هناك كرامة ولا عدالة ، ستضيع الحقوق والحريات لصالح هذه الالهة المزعومة ومن دار في رحاها لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وستدفع الشعوب المضللة ثمنا باهظا على هذا الاختلال العظيم .
لقد وصلنا الى مرادك سيدي ، أن نكتشف هذه الالهة المزعومة وأن لا نرضى لانفسنا الا ان نكون احرارا كما ولدتنا أمهاتنا ، ولا نكون كالرعاع كالحمر المتستنفرة التي لم تمتلك حتى ارادة الفرار من القسورة ، بل أذعنت ورضيت بأن تكون مستحمرة مستهبلة مستعملة ، مسلوبة الارادة ومصادرة المشاركة في صنع القرار بأدنى درجات المشاركة .
واذا نظرت أمتنا حولها فرأت مواطن العصر الحالي شريك حاكمه ويمتلك أمر ترشيحه أو عزله وله من الامر ما لغيره في الثروات والمقدرات وفرص الحياة ، بينما مواطننا ينتظر بركات من يرى في نفسه الحاكم المطلق والاله المهيمن على كل شيء وكانه ظلّ الله في ارضه كما مرت الامة في تاريخها على كثيرين من أمثال هؤلاء ، هنا أراد مفكرنا لمواطننا الكريم ان يقف ويفكر ويرجع البصر مرتين علّه يرى الدمّل في هذا الاشتباك المدمّر بين حاكمنا ومحكومنا وبين ادعاء الدين وتوظيفه في خدمة سياستهم المتألهة .
انه بذلك يطرق خزان الدين والسياسة معا بكل قواه، بقوته الروائية الادبية المرمزة الملغومة تارة وبالبحث والدراسة تارة أخرى ، هو بذلك كمن قال : أن هناك من سرق طيورنا وقد أتى الى صلاتنا وعلى رأسه ريشا ، فوجدنا ورأينا بأم أعيننا من وضع يده على رأسه لينظفه من الريش ليظهر للناس على خلاف ما يبطن وما يخفي من غنوصية سوداء وليستمر في ممارسة دور الفراعنة والطواغيت منذ فرعون موسى الى فرعون هذه الايام .