السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السياسة الفلسطينية : تناقضات بلا منهج

نشر بتاريخ: 21/09/2020 ( آخر تحديث: 21/09/2020 الساعة: 15:28 )

الكاتب:



عوني المشني


يبدوا ان ما قاله نابليون بونبارت " في السياسة لا تشكل الامور الغير منطقية عقبة " امرا مستساغا في السياسة الفلسطينية ، ولكن ان تصبح كل او اغلب السياسة الفلسطينية متناقضة مع المنطق فذلك فذلك ما يرفضه العقل ويصبح كوميديا سياسية وربما كوميديا سوداء ايضا ، وباستعراض سريع لا يحتاج الى جهد سيكتشف المرء كم هي التناقضات التي تتسم بها السياسة الفلسطينية ، تناقضات تكثفها مقولة هنري الرابع عشر ملك فرنسا " اعظم فن في السياسة هو تقديم الرذيلة لخدمة قضية الفضيلة " .
سنتعرض لبعض تلك الامثلة كنماذج لهذه التناقضات ، سلطة حكم اداري ذاتي تحت هيمنة الاحتلال لا تنسق مع الاحتلال !!!! مقاومة واتفاقيات تهدئة !!!! تحالف مع انظمة عربية هي صنيعة امريكيا وتاتمر بامرها وتنفذ سياساتها !!!!! تغيير وظائف السلطة الفلسطينية الى دولة مع عدم امتلاك السيادة والمعابر والسيطرة الامنية !!! اصلاح منظمة التحرير بذات الادوات والنخب التي قوضتها !!!! انفكاك عن الاحتلال ونحن لا نمتلك بنية تحتية مثل كهرباء ومياه ومعابر مستقلة عن الاحتلال !!!! اموال من قطر وبموافقة الاحتلال لدعم سلطة المقاومة !!!!!
هذا غيض من فيض ، ولو اردنا الاسهاب في هذه النماذج لاحتجنا الى صفحات وصفحات ، حتى وكان الامر ان سياستنا الفلسطينية مصابة بالشيزوفرينيا- انفصام الشخصية . وهذا يحول المشهد السياسي الفلسطيني الى " مشهد اباحي حتى ان القلم يتوقف عن الكتابة ويتحول الى الفرجة " كما يقول خالد البيومي .
المشكلة ليس هذا فحسب بل ان هناك من يقدم السياسة الفلسطينية وكانها سياسة لها منطق ولها منهجية !!!! وهنا تكمن ازمة المثقفين ، انهم عندما يتعرضون للسياسة الفلسطينية ويخضعونها لمنهجية في التحليل والنقد يكتشفون ان منطق " افلاطون " ذاته يعجز عن ايجاد سياق منهجي لها ولكن افلاطون وجد تفسيرا لهذا فقد اعتبر ان " اغلب الناس عند السياسة السلطة يصبحون اشرارا ، ربما ان هذا يفسر المشهد السياسي الفلسطيني ، فالرغبة الجامحة في السلطة حتى وان كانت جزئية ، وهمية ، جعلت النخب السياسية الفلسطينية اشرارا وفق منطق افلاطون !!!!
ونحن هنا لا ننكأ الجروح لتعميق الالم ، بل نقدم توصيفا مكثفا للمشهد بدون تجميل اعلامي ، نقدمه لنصل الى الاستنتاج الذي لا مفر منه ، هذا التناقض في السياسة الفلسطينية تعبير عن ازمة مركبة اولا في مفاهيمنا وثانيا في البنية السياسية ومن ثم في سلوكنا السياسي ، في مفاهيمنا يعني اننا لا نمتلك المنهج الذي يحكم مسلكنا السياسي ، بدون هذا المنح سلوكنا ينطلق من التجريبية العشوائية ، ومن النرجسية الذاتية ، وفي البنية السياسية فان بنى احزابنا وحركاتنا السياسية والنخب القائمة عليها هي بنى تقادمت وشاخت فكريا قبل ان تتتقادم وتشيخ جسديا ، وتعطلت عن المبادرة والابداع والفعل واصبحت تحمل كل اعراض مرض الزهايمر السياسي لدرجة الانفصال التام عن الواقع ، اما سلوكنا السياسي ففي ظل الخلل في القيم والبنية فان السلوك السياسي لا يتوقع منه اكثر من بهلوانيات في سيرك لا يحكمه منطق ويبدوا اننا فعلا امام نجسد حكمة شارل ديغول في قوله " بما ان رجل السياسة لا يصدق نفسه فانه يفاجئ اذا ما صدقه الاخرون " فعلا هي مفاجئة حتى الاندهاش ان يقتنع احد بسياسة فلسطينية تحمل كل هذه التناقضات .