الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حوكمة العفو الخاص فلسطينياً

نشر بتاريخ: 26/09/2020 ( آخر تحديث: 26/09/2020 الساعة: 19:15 )

الكاتب: المستشار القانوني: يوسف عبد الصمد

طالما تشعبت الآراء واختلفت حول دور الرئيس وسلطته التقديرية في ممارسة حقه بالعفو الخاص، لا سيما في ظل غياب قواعد محددة لممارسة رئيس السلطة الوطنية لحقه بالعفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها؛ بين مؤيد ومعارض، على اعتبار أن ممارسة هذا الحق دون ضوابط أو معايير ثابتة يشكل صورة من صور تدخل رئيس السلطة الوطنية في قرارات المحاكم، وبالتالي في شأن السلطة القضائية، كما أنه قد يكون بمثابة التصريح الدستوري للمحاباة، خاصة إذا ما استخدم لتخفيض عقوبة أو العفو عن متنفذين تمت إدانتهم بقضايا فساد[1].

إن العفو عن العقوبة هو عمل من أعمال السيادة، يختص رئيس الدولة وحده بإصداره، ولا يملك القضاء المساس به أو التعليق عليه، وان الأساس الذي بني عليه هو مصلحة المجتمع في عدم تنفيذ العقوبة، وان الفائدة التي ينالها المجتمع من عدم تنفيذها أكبر من الفائدة التي ينالها من تنفيذها[2]، وقد أجمع الفقه الفرنسي على أن العفو الخاص إجراء رحمة وتسامح يخول لرئيس الدولة إعفاء المحكوم عليهم جزئيا من العقوبة المحكوم بها ضدهم.

وقد أثار العفو الخاص جدلا واسعا في الانتخابات الفرنسية لتوظيفه لغرض سياسي واعتباره ازدراء لأحكام السلطة القضائية، إلا أن العفو والرحمة لمرض المحكوم، وتصحيح الخطأ القضائي، وللاعتبارات السياسية يجد مكانا في الدستور بمنح صلاحية العفو الخاص لرئيس الدولة الذي يجسد شخصيتها وترأسه للسلطات الثلاث لا بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية فيها فقط، كما ويستوجب القانون الفرنسي توقيع مجاور لتوقيعه من الوزير المختص أي وزير العدل، ومن الخدمات التي تقدمها وزارة العدل هي تلقي ودراسة طلبات العفو الخاص[3].

وعرفه الفقيه برادل بأنه إجراء يصدر عن رئيس الدولة يتم بمقتضاه إعفاء المحكوم عليه من الالتزام بتنفيذ عقوبة باتة أو نافذة كليا أو جزئيا أو استبدالها بأخرى أخف منها[4].

نحاول تسليط الضوء في هذه الورقة الموجزة على أهمية حوكمة الجانب التطبيقي والعملي لهذا النظام الذي نظمته جل التشريعات العربية وغير العربية، وما هي المعايير الواجب مراعاتها في منح العفو الخاص. وما موقف الاتفاقيات الدولية من هذا النظام، ولكننا قبل ذلك سنستطرد قليلا بالإشارة للطبيعة القانونية للعفو الخاص وآثاره ونطاقه، محاولين تمييزه عن العفو العام،

الطبيعة القانونية للعفو الخاص

العلة التشريعية في تقرير العفو الخاص، هي تفادي الأخطاء القضائية التي فات تداركها بعد استنفاذ طرق الطعن أو تفويتها، مما استلزم الشارع قصرها على الأحكام المبرمة، بدلالة الفقرة الثانية، من المادة 51 من قانون العقوبات، والتي جاء فيها، لا يصدر العفو الخاص عمن لم يكن قد حكم عليه حكما مبرما[5].

وقد علا رأي في الفقه أن العفو الخاص تبرره فكرة تحقيق العدالة، وذلك بالتخلص من آثار حكم صار مبرماً وثبت أن صدوره كان بسبب خطأ قضائي لا سبيل إلى إصلاحه، بالوسائل المقررة في القانون، كما يعتبر العفو الخاص وسيلة لتلافي العقوبات القاسية مثل الإعدام فهو وسيلة ناجحة للتخفيف من قسوة العقوبات إلى حدود لا تتاح لمحكمة الموضوع[6].

ولا يستقيم القول بالطبيعة القانونية لنظام العفو الخاص دون الإشارة للإطار القانوني له، فقد نصت المادة(42 ) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل على أنه: لرئيس السلطة الوطنية حق العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، وأما العفو العام أو العفو عن الجريمة فلا يكون إلا بقانون.

أما قانون العقوبات رقم 16 لعام 1960 فقد نصت مادته (51) بفقراتها الثلاث على:

1- يمنح جلالة الملك العفو الخاص بناء على تنسيب مجلس الوزراء مشفوعاً ببيان رأيه.

2- لا يصدر العفو الخاص عمن لم يكن قد حكم عليه حكماً مبرماً.

3 - العفو الخاص شخصي ويمكن أن يكون بإسقاط العقوبة أو إبدالها أو بتخفيفها كلياً أو جزئياً.

وفي قانون الإجراءات الجزائية هناك إشارة للعفو، عندما قنن المشرع شروط رد الاعتبار في المادة (438): يشترط لرد الاعتبار:

1- أن تكون العقوبة قد نفذت تنفيذاً كاملاً أو صدر عفو عنها أو انقضت بالتقادم.

2- أن يكون قد انقضى من تاريخ تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها مدة خمس سنوات إذا كانت عقوبة جنائية، وسنة واحدة إذا كانت عقوبة جنحة، وتضاعف هذه المدة في حالتي العود وانقضاء العقوبة بالتقادم.

أما قانون العقوبات الساري في قطاع غزة رقم 74 لسنه 36 فقد ورد في الفقرة (ه) من المادة الثالثة منه أنه لا يؤثر أي حكم من أحكام هذا القانون "في الصلاحية المخولة للمندوب السامي فيما يتعلق بالعفو عن أي حكم صدر أو سيصدر أو بتخفيف ذلك الحكم أو تنزيل، كله أو بعضه أو إرجاء تنفيذه"

كما نصت المادة 48 من قانون رقم (6) لسنة 1998 بشأن مراكز الإصلاح والتأهيل على أنه يجوز لرئيس السلطة الوطنية الإفراج عن بعض النزلاء في المناسبات الوطنية أو الدينية في الوقت المحدد في قرار العفو.

آثار العفو الخاص

إن الحكم بالعقوبة رغم صدور العفو الخاص يبقى قائما ومنتجا لإثاره القانونية، فتبقى الصفة الإجرامية عالقة بالمحكوم عليه، ولا يؤثر فيما تم تنفيذه من عقوبات، ولا يمتد إلى العقوبات التبعية أو الإضافية، ولا يؤثر على حقوق الغير المترتبة عن الجريمة كالتعويض رغم الضرر والمصادرة.

وهذا يعني انه لا يترتب على العفو الخاص عن العقوبة إلغاء الحكم، وإنما يترتب عليه تغيير نوع العقوبة أو مقدارها أو اعتبارها كأنها نفذت، ويبقى المحكوم عليه خاضعا لأحكام العود والتكرار وغير ذلك من الآثار المدنية الناتجة عن الجريمة، لان العقوبة هي التي تسقط أما الجريمة نفسها فتستمر بجميع أثارها، وانه لا اثر للعفو الخاص على حقوق الغير أو على الضرر الناتج عن الجريمة[7].

إن العفو الخاص من حيث العقوبة؛ فيشمل العقوبة الأصلية فقط، ولا يمتد إلى التدابير الاحترازية، ولا يكون له اثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات. أما من حيث الجريمة؛ فإنه يتسع لجميع الجرائم، فنص المادة (51) من قانون العقوبات لا يستثني جريمة ما، ومن حيث المحكوم عليه؛ فيمتد ليشمل المحكوم عليهم بصرف النظر عما إذا كانوا مبتدئين أو عائدين، مواطنين أو أجانب، على إن العفو الخاص ذو طبيعة شخصية، ينصرف إلى الشخص المسمى في مرسوم العفو الخاص، أما سواه ممن ساهم في الجريمة فلا يستفيد منه، ولا يصدر العفو الخاص عمن لم يكن قد حكم عليه حكما مبرما، أما إذا كان الحكم قابلا للطعن، فعلى المحكوم عليه أن يعول على طريق الطعن المتاح[8].

التمييز بين العفو الخاص والعفو العام:

يقصد بالعفو العام إزالة الصفة الجنائية تماما عن الفعل المرتكب ومحو آثاره، سواء قبل رفع الدعوى أو بعد رفعها وقبل صدور الحكم وبعد صدوره، فهو يحول دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات الدعوى، ويوقف إجراءات المحاكمة ويمحو العقوبة الصادرة، فيختلف عن العفو الخاص بأنه[9]:

يمحو بأثر رجعي كل ما يترتب على الجريمة من أثار جنائية لأنه يمحو الصفة الجناية عن الفعل المرتكب، أما العفو الخاص فلا يؤثر على بقاء ما ترتب على الجريمة من آثار ولا يمحو عنها صفتها الجنائية بل تبقى قائما منتجة لآثارها.

العفو العام يؤدي إلى إلغاء العقوبة ومحو الإدانة أما العفو الخاص فيؤدي إلى انقضاء حق الدولة في تنفيذ العقوبة أو إبدالها أو تنفيذ جزء منها.

لعفو العام يشمل جميع المساهمين في الجريمة من محرضين ومتدخلين وشركاء وفاعلين بينهم العفو الخاص يكون بصورة شخصية.

يصدر العفو العام بقانون أما العفو الخاص فيصدر بقرار من رئيس الدولة.

العفو في الاتفاقيات الدولية:

تأخذ الاتفاقيات الدولية لمكافحة الجريمة محاذير العفو بعين الاعتبار فقد نصت المادة 11/4 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على انه "تكفل كل دولة طرف مراعاة محاكمها أو سلطاتها المختصة الأخرى خطورة الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية لدى النظر في إمكانية الإفراج المبكر أو المشروط عن الأشخاص المدانين بارتكاب تلك الجرائم.

أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد فأرشدت الدول الأطراف باتخاذ تدابير تراعي فيها خطورة جرائم الفساد حال استعمال رئيس الدولة لصلاحيته في العفو الخاص، أو في حال اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى أن يكون المتهم أو المحكوم عليه ليس في قبضة أجهزة العدالة[10]، حيث نصت المادة (31/3) من الاتفاقية على أنه: "تسعى كل دولة طرف إلى ضمان ممارسة أي صلاحية لهذه قانونية تقديرية يتيحها القانون الداخلي فيما يتعلق بملاحقة الأشخاص لارتكابهم أفعال مجرمة وفقا الاتفاقية، من أجل تحقيق الفعالية القصوى لتدابير إنفاذ القانون التي تتخذ بشأن تلك الجرائم، ومع إيلاء الاعتبار الواجب لضرورة الردع عن ارتكابها". ونصت تلك المادة في الفقرة (5) منها على أنه: "تأخذ كل دولة طرف بعين الاعتبار جسامة الجرائم المعينة لدى النظر في إمكانية الإفراج المبكر أو المشروط عن الأشخاص المدانين بارتكاب تلك الجرائم".

الإطار التنظيمي المقترح للعفو الخاص:

من يقرأ في القرارات الصادرة بشأن العفو الخاص المنشورة في الوقائع الفلسطينية، يلاحظ أن ديباجة هذه القرارات قد خلت من الاستناد إلى أحكام قانون العقوبات التي اشرنا إليها آنفا، كما أنها قد خلت من الإشارة إلى وجود أي تنسيب مجلس الوزراء مشفوعاً ببيان رأيه سنداً لأحكام القاعدة القانونية الآمرة المتمثلة في الفقرة الأولى من المادة 51 من قانون العقوبات الساري[11].

ولأهمية هذا الموضوع وحساسيته، لابد من إيجاد أصول يجب أن تتبع عند تقديم طلب الحصول على العفو الخاص، وبالاطلاع على تجارب عدد من الدول العربية والأجنبية لاحظنا أن اقتراح العفو الخاص لمجلس الوزراء ليقوم بالتنسيب إلى رئيس الدولة هو من الاختصاصات الممنوحة لوزير العدل بوصفه ممثل قطاع العدالة في السلطة التنفيذية.

ولضمان العدالة في الوصول إلى هذه المنحة، نوصي بتفعيل دور مجلس الوزراء المنصوص عليه في قانون العقوبات، واستصدار قرار من مجلس الوزراء يتم بموجبه منح الصلاحية إلى وزارة العدل وتخويلها استقبال طلبات العفو الخاص، واقتراح قوائم العفو الخاص على مجلس الوزراء الذي يقوم بدوره بتنسيبها مشفوعة بالرأي الى رئيس الدولة الذي يقرر بمنح العفو الخاص من عدمه.

وذلك كخدمة تستهدف نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل الصادر بحقهم حكم قطعي، ويصدر وزير العدل التعليمات اللازمة من أجل تحديد الفئة المستهدفة، وأماكن تقديم الخدمة، وشروط الحصول على الخدمة، والوثائق المطلوبة، وإجراءات تقديم الخدمة، وشروط ومعايير تقديم طلب العفو الخاص.

1 - الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان ، إشكاليات الفصل بين السلطات، في النظام السياسي الفلسطيني، حالة السلطة القضائية، سلسلة تقارير (6)، 2007، صفحة 5.

[2]- محمد الحلبي، شرح قانون العقوبات القسم العام، عمان، مكتبة دار الثقافة، 1997، صفحة 605.

[3]إبراهيم ابو حماد مقال بعنوان فلسفة العفو القانونية منشورة بتاريخ على الموقع الالكتروني :https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=613733&r=0

[4]- بوراس عبد القادر، العفو عن الجريمة والعقوبة، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2013، صفحة 53.

[5]- نظام المجالي، شرح قانون العقوبات القسم العام، دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان 2012، صفحة 477.

[6]- فخري الحديثي، وخالد الزعبي، الموسوعة الجنائية، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010، صفحة 370.

[7] - محمد الحلبي، مرجع سابق، صفحة 605.

[8]- فخري الحديثي، وخالد الزعبي، مرجع سابق، صفحة 370.

[9]- محمد الحلبي، مرجع سابق، صفحة 605

[10] - عمار جاموس، الحصانة البرلمانية والعفو الخاص وأثرهما على مكافحة الفساد في فلسطين، دراسة محكمة، المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" ، 2005 صفحة 53.

[11] - لطفا انظر قرار رقم (92 ) لسنة 2012 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 98 صفحة 40 و القرار رقم (10) لسنة 2013 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 100 صفحة 17 والقرار رقم (52 ) لسنة 2013 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 102 صفحة 44، والقرار رقم (67 ) لسنة 2013 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 103 صفحة 14، والقرار رقم (34 ) لسنة 2013 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 101 صفحة 137، والقرار رقم (46 ) لسنة 2019 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 156 صفحة 15، والقرار رقم (22 ) لسنة 2020 المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد 166 صفحة 24.