الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رقمنة التعليم في ظل تقليديته

نشر بتاريخ: 28/01/2021 ( آخر تحديث: 28/01/2021 الساعة: 13:10 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

إن العملية التعليمية هي عملية بنائية تراكمية تفاعلية تستند إلى مجموعة من المرتكزات والأركان والتي إن غاب جزء منها تأثر الجزء الآخر بقدر ذلك الغياب، فالمُعلم والمُدرس والمُدرب رُكن، والطالب والمُتَدّرب والمُتلقي رُكن، والبيئة التعليمية المنهجية واللامنهجية رُكن، والمنهاج والأدوات والوسائل والأساليب التعليمية رُكن، والمنهجية والاستراتيجية التعليمية الوطنية هي محركها جميعاً.

وأما التساؤل المطروح، هل التعليم الإلكتروني بأشكاله المعروفة اليوم جاء كَرُكّنٍ مُستحدث يُضاف إلى تلك الأركان، أم هل هو نمط تعليمي جديد كُلياً نستطيع إحلاله إحلالاً كاملاً كنهج معاصر وجديد في التعليم؟

أنا لا أرى في التعليم الإلكتروني أو الرقمي بديلاً للإحلال خلفاً لأركان العملية التعليمية التقليدية والمعروفة سابقة الذكر، ولا أرى فيه رُكن جديد يُضاف إلى أركان العملية التعليمية تلك، إنما هو أحد الأدوات والوسائل التعليمية المُستحدثة والمساعدة في ظروف معينة ولغايات محددة، بحيث تتطلب هذه الأداة التطوير والتحديث المستمر في أركان العملية التعليمية، وذلك لمواكبة استخدام تلك الأداة والوسيلة بشكل كفؤ وفعال، فهو بذلك شأنه شأن تطور الأدوات التعليمية المختلفة والمستخدمة عبر العصور إلى اليوم، وبالتالي فإن عملية استخدامه كأداة تعليمية يجب أن تكون بدرجة نسبية وإذا ما دعت له الحاجة، مع التأكيد على تلك النسبية في الاستخدام، وحاجات الفئات المستهدفة منها، ومدى قدرتهم على استخدامها والتعامل معها لكي تكون أكثر فعالية وأثر، وهذا أولاً.

أما ثانياً: فلماذا ضجت بلادنا العربية دوناً عن غيرها من البلاد والدول بحكمها المطلق بفشل تلك الأداة التعليمية المُعاصرة؟ وهنا أقصد "التعليم الإلكتروني" بأدواته ووسائله ونحن في عصر التقنية وإنترنت الأشياء، وهل هنالك من دراسات تجريبية لمقارنة ومقاربة تلك الوسائل التعليمية واستخدامها بين تقليدي ومعاصر؟ لكي نصل إلى تلك النتيجة أو نحسم تلك الأفضلية وجدليتها القائمة.

سأضعك عزيز القارئ الكريم بعين الناقد لتجربته الشخصية في التعليم وما يدور حوله من تجارب الآخرين، للإشارة إلى بعض الشواهد حول التراجع غير المسبوق في المستوى التعليمي لأبنائنا في جميع مراحله ومنها:

الضعف الحاصل في المستويات اللغوية (كتابة وشفاهية) والتي تدرس قواعدها لأعوام على سبيل المثال لا الحصر؟ فالعربية الأم رَكَّتْ على الألسن وتنادي أبنائها، وأما الإنجليزية فلا يكفيها 12 عام ليدركها طلبتنا كتابة وشفاهية، من جانب آخر التراجع الواضح والمريع في المستوى الثقافي العام لطلبتنا في أبجديات دينهم وتاريخهم وجغرافيا وطنهم، وكأننا نلج في موروثنا الثقافي ولوج الجمل سم الخياط؟ لماذا لا نسأل أنفسنا حول الضعف الحاصل أيضاً في أساسيات التخصصية البحتة رغم وجود المؤهل والاختصاص؟

فهل سبب هذا التراجع هو استخدام التعليم الإلكتروني حديث العهد أم السبب هو تقليدية التعليم أصلاً واهتزاز محتوى ومضمون وقيمة أركانه.

نحن اليوم مع بالغ الأسف نقوم بإلصاق التعليم الإلكتروني كأداة تعليمية في منظومتنا التعليمية لصقاَ؟ دونما بناء قويم يضفي أثراً أو استثمار حقيقي في هذه التقنيات التعليمية الملحة والمعاصرة والتي أصبحت حاجة لا رغبة أو بديل.

خلاصة القول إننا بحاجة إلى إعادة صياغة لا ترميم للمنظومات التعليمية في بلادنا وفي جميع المراحل التعليمية، بحيث نبني ونؤسس وفق معايير جديدة في تلك المنظومات، لنسمو ونرتقي ونتطور كما بقيت الأمم، فالمُدرس والمُعلم والمُدرب بحاجة لمعاير موضوعية في اختيارهم وتعينهم وتدريبهم وتقييمهم وتحفيزهم، والطالب والمتدرب والمتلقي بحاجة لفرز وانتقاء يستندان إلى القدرات والمواهب والاهتمامات الكامنة والخاصة، والبيئة التعليمية (المنهجية واللامنهجية) بحاجة إلى أن تكون بيئة تعليمية تفاعلية ومستقبلية وتكنولوجية توافق العصر ومتطلباته، والمنهاج والأدوات والوسائل والأساليب التعليمية يجب أن تتلاءم والحاجات التعليمية المعاصرة، وأما الاستراتيجية والمنهجية التعليمية فيجب أن تسير وفق منظومة صحيحة وسليمة تتناغم وتنسجم فيها تلك الأركان جميعاً مع الأهداف التنموية للمجتمع ومخرجاتها لصناعة أثر تنموي حقيقي، فالتعليم حجر الأساس لأي نهضة تنموية وإن شحت الإمكانيات والمقدرات، فهو صانع الأجيال وباني الأمم، ونحن كُلنا ثقة بمنظومتنا التعليمية الفلسطينية وتاريخها المجيد الممتد نحو التطوير والبناء القويم رغم شُح تلك الإمكانيات والمقدرات.