الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الديمُقراطيـة المنقوصة وازدواجية المعايير

نشر بتاريخ: 28/08/2021 ( آخر تحديث: 28/08/2021 الساعة: 17:38 )

الكاتب: ربحي دولــة

ممارسة الديمُقراطية شيء هامٌ في المجتمعات من شأنها فتح المجال أمام الشعوب كي تُقرر من يحكمها، وكذلك المؤسسات والنقابات والاتحادات التي تُمثل خليط من المجتمعات متنوعة الأفكار والانتماءات.

في واقعنا الفلسطيني مارس أبناء شعبنا الانتخابات مُنذ عشرات السنين وخاصة في عهد الاحتلال التي كانت فيها انتخابات البلديات في العام ١٩٧٦ أشهرها، حيث كانت دولة الاحتلال حينها تُريد من هذه الانتخابات إفراز شخصيات موالية للاحتلال كي تُمكنه من بسط سيطرته بكل أريحيه لكن كانت النتائج عكس ما تمناها وفازت كافة القوائم الوطنية التي تُمثل منظمة التحرير والتي شكلت سداً منيعاً أمام تنفيذ دولة الاحتلال لمخططاتها، ومورست الديمُقراطية الفلسطينية في الجامعات، بحيث كان طلبتنا يختارون من يقود مجلسهم الطلابيي، حيث كانت الكتل الطُلابية الذراع النقابية للفصائل الفلسطينية جميعها.

وبعد إنشاء السلطة الوطنية مارس أبناء شعبنا حقهم الانتخابي في أكثر من استحقاق، وكانت أول انتخابات تشريعية فلسطينية في العام ١٩٩٦ وانتخب وقتها الشهيد القائد ياسر عرفات رئيساً للسلطة الوطنية، وجرت اول انتخابات محليه في العام ٢٠٠٥ تبعتها الانتخابات التشريعية الثانية التي فازت فيها حركة حماس بأغلبية ساحقة، وبعدها قامت "حماس" بالانقلاب على نفسها وسيطرت على قطاع غزة بقوة السلاح، ومنذ ذلك الوقت لم تجري انتخابات تشريعية وتعطل عمل المجلس المُنتخب على الرغم من الأهمية القصوى للسلطة التشريعية

ومنعت حماس إجراء أي انتخابات في قطاع غزة "لا في جامعات ولا بلديات ولا حتى نقابات، ومنعت كل شيء الا تنفيذ سياساتها الاستبدادية بحق أبناء شعبنا الذي مارست بحقه كل الممارسات من اعتقال وقتل وتعذيب واتبعت سياسة تكميم الأفواه في المقابل الحياة الديمقراطية، فيما لم تتوقف في الضفة الغربية في الجامعات والمعاهد والنقابات والاتحادات وكذلك الانتخابات المحلية ومع هذا فإنه برز هناك أخطاء في إدارة الحُكم وانتقدتها الناس ومؤسسات حقوق الانسان وأصبحت هناك حراكات قوية وفعاليات نقابية وفرت لها كل سُبل الأمن والأمان أقواها حراك المعلمين وحراك الضمان ولم نسمع عن قمع لهذه الحراكات ومع هذا فإن الأحزاب المُعارضة، بقيت على سياستها هو تشويه صورة الحكم وانتقاده بحق وبدونه وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان التي كانت تصدر التقارير الدورية عن كل الأحداث التي حصلت في الضفة الغربية، وإن ما حصل مع قضية نزار بنات لم يتعدى أكثر من التعسف في استعمال القانون، ما أدى إلى وفاة مواطن أثناء الإعتقال بعد تعرضه للضرب، إن هذه الحادثة يتوجب التعامل معها بالقانون وهو مُحاسبة كل من له علاقة بها، فيما خرجت المُظاهرات في كل المدن مُنددة بالحادث لكن ما تم استغلاله من قبل بعض الجهات المُغرضة والتي أرادت أن تُشعل نار الفتنة وإحداث فوضى عارمة هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا أحد يُنكر أنه حصلت أخطاء حتى في التعامل مع هذه التظاهرات، كان يجب أن لا تحصل وهذا لا يعفي البعض الذي كان يتخذ من هذه التظاهرات ستاراً له ليفرغ سمومه من خلالها لبث الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، هذه الكراهية التي تعزز الفرقة والانقسام .

كنا نتمنى على الجميع أن يتعامل بنفس المكيال مع الشق الآخر من الوطن الذي يمنع الفرد والجماعة من ممارسة حقوقهم سواءً بالانتخابات أو من خلال التظاهر لتحسين أوضاعه المعيشية والكل شاهد ولاحظ حالات القمع التي تعرض لها أبناء شعبنا هناك وعمليات السحل والضرب في الشوارع وقد قتل تحت التعذيب العشرات، لكن شاهدنا صمت واضح من الأحزاب المُعارضة ومن مؤسسات حقوق الانسان التي علا صوتها هنا وسكتت هناك .

إن حالة المُقارنة بين شقي الوطن ليست من أجل تبرير خطأ هنا وتجريم خطأ هناك بقدر ماهي تحريم للأخطاء في كل مكان وتوجيه انتقاد لأحزاب المُعارضة ولكل الحراكات التي يجب عليها التعامل مع الوطن كوحدة جغرافية واحدة، وأن تكون المعايير التي تستخدمها واحدة وأن تكيل بمكيال واحد وأن تزن الأمور بعدالة بعيداً عن شخص ووجهة المسؤول.

إن توحيد المعايير والتعامل بحكمة مع الأمور يُساعد الجميع على تضميد الجرح والتسريع في إعادة الوحدة بين كل أبناء شعبنا الجريح الذي عانى ويلات الاحتلال ودفع ثمناً لهذا الانقسام البغيض.

ليعلو صوت واحد يُنادي لهدف واحد : وحدة الصف وتقوية الجبهة الداخلية كي نتمكن جميعاً من عبور هذه المرحلة الخطيرة إلى بر الأمان كي نتمكن من ممارسة حياتنا الديمُقراطية بكل سهولة لنصل الى شراكة حقيقية تُمكننا من دحر الاحتلال وصولاً الى الدولة المُستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

* كاتب وســياسـي