الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تهمة "بديش أقلق منك"

نشر بتاريخ: 04/09/2021 ( آخر تحديث: 04/09/2021 الساعة: 14:34 )

الكاتب: د. رمزي عودة



يعرف الإعتقال الإداري بأنه حبس شخص دون محاكمة بدعوى أنّه ربما ينوي مخالفة القانون مستقبَلاً ولكنه لم ينفّذ بعد أيّة مخالفة. وتستخدم دولة الاحتلال إسرائيل هذه الوسيلة بشكل جارف وروتينيّ، بحيث إعتقلت على مرّ السنين آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة نسبياً. وفي العادة تحكم المحاكم العسكرية الاسرائيلية على الموقوفين الفلسطينيين إداريا لمدة ما بين 4 الى 6 شهور تبعاً لملف سري حسب الادعاء العام العسكري. وغالباً ما يتم تمديد الاعتقال الاداري مرارًا وتكرارًا وحبس فلسطينيّين طيلة سنين دون أن يُدانوا بإرتكاب أيّة مخالفة. ووفقاً لتقارير مؤسسة بيت سالم الاسرائيلية، فإنه منذ بداية العام 2015 وحتى نهاية تمّوز 2017 صدرت 3,909 أوامر اعتقال إداري، من بينها 2,441 (62.4%) أوامر تمديد اعتقال. ومن بين أوامر الاعتقال الـ3,909 فقط 48 أمرًا (1.2%) تمّ إلغاؤها على يد المحكمة العسكرية والبقيّة صادقت عليها هذه المحكمة. وتفيد تقارير نادي الأسير الفلسطيني بان إسرائيل تعتقل في سجونها في الوقت الحاضر نحو 4850 أسيرا، بينهم 41 أسيرة، و225 طفلا، و540 معتقلاً إدارياً.
ويرتقي الإعتقال الإداري لمنزلة جرائم الحرب في القانون الدولي، حيث يتم الاعتقال وفقاً للشكوك بنية الفعل وليس بالفعل نفسه، ومن المعروف أن روح ونص القانون لا يعترف الا بوقوع الجرم وليس بالنية بفعله. آخذين بعين الاعتبار أن القانون الدولي سمح لمواطني الدول المحتلة ومنها فلسطين بمقاومة الاحتلال بهدف وقف العدوان والتمتع بحق تقرير المصير للشعوب المحتلة. وبالضرورة، فنحن نتحدث في سياق ضرورة معاملة جميع المعتقلين الفلسطينين معاملة إسرى الحرب وفقا لاتفاقيات جنيف، ولا يجوز التعامل معهم كمخربين أو إرهابيين كما يتم التعامل معهم حالياً وفقا لقانون دولة الاحتلال. ومع هذا، فإن إسرائيل لا تكتفي بخرق قواعد القانون الدولي في حالة الحرب بالنسبة للاسرى الفلسطينيين، ولكنها أيضاً تمعن في إنتهاكاتها لحقوق الاسرى الفلسطينيين من خلال سياسة الاعتقال الإداري، والتي تصاعدت بشكل ملفت في السنوات الأخيرة.
أخبرني أحد الاسرى الاداريين الذي أُعتقل مؤخراً بأن ضابط المخابرات الاسرائيلي إستدعاه أكثر من مرة قبل إعتقاله للمرة الرابعة إدارياً، مهدداً إياه بالاعتقال لفترة طويلة وليس سنتين كالعادة، فما كان من هذا المعتقل الا أن ضحك ساخراً مخبراً الضابط بانه لو كان يمتلك أية معلومة لإدانته لتم اعتقاله على الفور كملف قضية وليس كملف إداري. وعندما تم إعتقال هذا الشخص لم يتم التحقيق معه، وإنما تم الحكم عليه إدارياً 4 شهور، يُتوقع أن تجدد كما المرات السابقة حتى تصل الى عامين. وعادةً ما يتكون الملف السري الذي تتمسك به المخابرات الإسرائيلية وتعرضه على المحكمة العسكرية، من مؤشرات تشير الى أن المعتقل يمكن أن يقوم بعمل عدائي ضد اسرائيل. وتشتمل هذه المؤشرات، التي لا ترتقي الى مستوى الأدلة، على عناصر ظنية ونفسية بالأساس؛ مثل إنتماء المعتقل المحتمل لتنظيم سياسي، سخط المتهم على الاحتلال، توفر عناصر الشخصية الراديكالية المتطرفة في شخصية المتهم، وجود شهيد في أسرة المتهم، مشاركة المتهم لتجمعات مناهضة مثل تشييع جنازة شهيد أو ندوة ضد الاحتلال...الى آخره من المؤشرات العامة والتي يعتقد ضابط المخابرات أنها مقلقة لأمن اسرائيل. وفي إحدى المرات التي تم إعتقال أحد المتهمين الفلسطينيين إدارياً، أخبره الضابط الاسرائيلي أثناء الاعتقال بانه يدرك أنه لم يفعل شيئا ولكنه " ما بدو يقلق منه" . وهذا التهمة؛ "تهمة بديش أقلق منك" ربما تستمر عقوبتها سنتين وحتى 10 سنوات، وفي الغالب فإن الضحية هي الفلسطيني المعتقل إداريا هو وعائلته التي تنتظر بحرقة إنتهاء فترة الحكم الأولى الى أن يتم تمديدها فترة أخرى وهكذا.
أعتقد أن علينا كفلسطينين أن نتبنى حملة وطنية ودولية لإنهاء الاعتقال الاداري في المعتقلات الاسرائيلية، وأن نرفع القضايا في المحاكم الدولية لوقف هذا الاعتقال وتعويض المتضررين منه. كما على المعتقلين الاداريين أن يشرعوا بإضراب شامل أو جزئي عن الطعام للضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عنهم كما حدث لدى العديد من الأسرى وأخرهم الغضنفر عطوان الذي أُفرج عنه بعد صمود أسطوري عن الامتناع عن الطعام لمدة 65 يوماً. وبالنتيجة، يجب أن نطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على إسرائيل لاستمرار سياساتها المتعلقة بالاعتقال الاداري. كما على الجماهير الفلسطينية أن تساند المعتقلين الاداريين في إضراباتهم بهدف خلق حراك محلي ودولي ضد سياسة الاعتقال الاداري في السجون الاسرائيلية. وفي النهاية، وبرغم مرارة الاعتقال الاداري، فلن ينتصر السجان على إرادة المعتقلين، وكانت وستظل إرادة الاسرى قوية وأسطورية، وستعلو حتماً الى العلياء والمجد والحرية.