الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجامعات بين من يصنع رائد ومن يُطلق خريج في مُجتمعه

نشر بتاريخ: 05/09/2021 ( آخر تحديث: 05/09/2021 الساعة: 11:51 )

الكاتب: صخر المحاريق

كانت الجامعات وما زالت تلعبُ دوراً ريادياً في تطور المُجتمعات وتحضُّرها، فهي بالأساس تُعد مصنعاً للتنمية البشرية المُحركة لجهود التنمية الأخرى وأهدافها خاصة الاقتصادية والاجتماعية منها، وهذا ما عملت به وراهنت عليه جميع الدُول المُتقدمة والمتحضرة اليوم، حينما أدركت أهمية الجامعات ومراكز البحث العلمي فيها كمولدات للأفكار ومصانع للإبداع والابتكار في مختلف المجالات والاختصاصات.

لا تستغرب عزيزي القارئ اليوم من وُجود خريجين جامعات يحملون مُؤهلاً علمياً ولا يُجيدون التعريف بأنفسهم بالشكل الصحيح، أو قد يجهلون معلومات وعناوين أساسية في حقول اختصاصاتهم، تلحظ فيهم التردد، والارتباك، والتشتت، وعدم التركيز. أسهل كلماتهم (لا أعرف، مش فاهم، إذا مُمكن تعيد، ما أخذناه في الجامعة ...)، ناهيك عن تراجعِ المُستوى الثقافي والإدراكي العام في كُلِ ما يدور حولهم، فترى الجهل واضح بالموروث الديني، والتاريخي، والوطني ... والكثير الكثير، وهذا الأمر أصبح حقيقة جلية وواضحة يلمسها الجميع أفراد ومؤسسات.

وهنا أصل بالقارئ الكريم إلى التساؤل والذي يطرحه المقال وهو؛ هل فقدت الجامعات تأثيرها الحقيقي في التنمية البشرية وعملية التنمية بشكلٍ عام؟ بحيث أصبحت مُجرد عبئ عليها بدلاً من كونها سبيلاً لها، وهل يُفترض بالجامعات تهيئة فرد أو أفراد يحملون مُؤهلات علمية للالتحاق بسوق العمل فقط؟ منتظرين فرصة الحُلم الوظيفي في طابور البطالة، أم هل يُفترض بها صناعة وصقل أفراد يرودون مجتمعاتهم ويقودونها؟ بحيث يصنعون من الموجود فيها ما هو مفقود منها بأفكارهم وإبداعاتهم.

لا يكاد يخفى على أحد مُعدلات البطالة المُرعبة في مُجتمعاتنا العربية ومجتمعنا الفلسطيني إحداها، ومنها بطالة مُجتمع الخريجين من حملة المُؤهلات الجامعية في اختصاصات مُتنوعة، فقد أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن مُعدل البطالة للأعمار بين (19-29) سنة من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى حوالي (54%)، بواقع(69%) للإناث مقابل(39%) بين الذكور.

أنا أرى بأن الأمر لم يُعد يُمثل ناقوسَ خطرٍ كما يُشاع رسمياً وشعبياً، بل هو الخطر بعينه، بحيث أصبحت صورة الإحباط الذهني من عدم نيل فرصة عمل تدور في مُخيلة كل فرد يرغب في التعليم والتعلم، بل أصبح الأمر صورة سوداوية عامة تجاه عملية التعليم برمتها في مُجتمعاتنا، وهذا سيؤثر بالدرجة الأولى على الجامعات نفسها، والدور الحقيقي المنوط بها مُجتمعياً.

إن سوق العمل يقف في اختياراته المهنية للعمل والتوظيف أم عدة تصنيفات من الخريجين إذا ما تجرد الأمر من الواسطة والمحسوبية: أولاً: خريجٌ يملكُ الكفايات العلمية المطلوبة من معرفة ومهارة متخصصة ويملك ميزات إضافية أخرى يستطيع من خلالها تسويق ذاته في سوق العمل، ثانياً: خريجٌ يملكُ المعرفة والمهارة المطلوبة ولكن لا يملك القدرة التي يستطيع من خلالها تسوق ذاته في سوق العمل، ثالثاً: خريجٌ يملكُ جزء من المعرفة والمهارة المطلوبة لكن يملك القدرة على تسويق ذاته، وخريجٌ لا يملك المعرفة والمهارة المطلوبة وبالتالي لا يملك القدرة على تسويق ذاته في سوق العمل.

لذا يجبُ على الجامعات إعادة النظر في عمليةِ استقطابها للطلبة بالاستناد إلى عدة عوامل أهمها: الغربلة في الاختيار بناءً على (المُيول والاهتمامات الشخصية، مُعدل الثانوية العامة، واختبارات القُدرات المعرفية والعلمية)، مما يصبُ في بوتقة التكوين والبناء العلمي والمهني السليم لطلبتها، والذي يجب أن تُطبق فيه معايير "الجودة الشاملة" في جميع أركان العملية التعليمية بدءًا (بالمعلم المُتميز، الطالب الراغب والقادر، الخُطط والمناهج المُتخصصة والمُستحدثة، الوسائل التعليمية المُساندة والمُتكاملة، والبيئة الجامعية المُحفزة).

خُلاصة الحديث؛ إن هذا الأمر إذا ما طُبقَ بحذافيره سيقودُ إلى الشكل الأول من الخريجين ممن يملكون الكفايات العلمية المطلوبة من معرفة ومهارة مُتخصصة، إضافة إلى ميزات أخرى يستطيع من خلالها الخريج تسويق ذاته في سوق العمل، وهذا ما عملت عليه ولا زالت تعمل مُعظم الجامعات العالمية المرموقة مثل (أكسفورد، هارفرد، وكامبريدج ... وغيرها)، تلك التي ركزت على صناعة النخب من الخريجين القادرين على قيادة وريادة مُجتمعاتهم في مجالات اختصاصهم، بحيث أصبحوا محط فخرٍ لجامعاتهم وقصصَ نجاحٍ ليس لذواتهم فقط بل لها أيضاً، وهذا الأمر هو أهم رُكن يجبُ البناء عليه في عملية التسويق الأكاديمي السليم.