الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسفة ضد التطرف

نشر بتاريخ: 05/09/2021 ( آخر تحديث: 05/09/2021 الساعة: 14:04 )

الكاتب: المتوكل طه


فيلم أمريكي إسباني بعنوان أغورا "Agora"، للمخرج اليخاندرو أمينابار، العام 2009 ، ومن بطولة؛ راشيل وايز،ماكس مينغيلا،أوسكار إيزاك،أشرف برهوم،مايكل لونزدل،وروبيرت إيفانز،.. يتناول حياة الفيلسوفة السكندرية هيباتيا، التي راحت ضحية التطرّف والظلامية العمياء .
فإذا كنتَ تمجّ وتكره كلّ أشكال الاستغلال والاحتلال والتعصّب والإقصاء والعنصرية والعنف ! إذاً أستمع لسيرة هذه ال"هيباتيا" الاسكندرانية ، عميدة الفلسفة وعالمة الفلك في مكتبة الإسكندرية.
إنّ زمن هيباتيا هو زمن الكراهية والعنف ! وكأنني أرى أتباع الدّين الجديد من المسيحيين .. يحرقون مكتبة الإسكندرية ويحيلونها إلى زريبة للبهائم والعنكبوت ، وكيف رجموا اليهود آنذاك وآذوهم .. ثم كيف قطعوا رؤوسهم وذبحوهم دون رحمة ، بعد أن غدر اليهودُ بالمسيحيين ونصبوا لهم فخّاً مُحكماً قضوا بواسطته على معظم الرهبان النصارى .
إن التطرّف في عصرها قد بلغ ذروته ، حتى أن الكهنة قد رجموا والي الإسكندرية المسيحي .. لأنه رفض الركوع لكلمات الكاهن المهووس ،الذي جعل المرأة في الحضيض وقال إنها منذورة للسكوت والعبودية .
لقد كان ديفوس الذي أحبّها ، وسينيوس من تلامذتها ، وكذلك ريستوتيس ، الذي صار والياً للاسكندرية ، هذا الذي قد عزف لها بالناي على مسرح الحَجر ، وأعلن عشقه لها ، لكنها ردّت شغفه بها ، بهديّة قدّمتها له ، وهي منديلٌ أبيض عليه دمُ عادتها الشهرية ، كأنها تريد أن تقول له : يا هذا ؛ لا يوجد شيء رائع في الشهوة الجسدية.
لقد كانت هيباتيا فيلسوفة ، تفكّر في الكون ، وتحاول إثبات فرضيات بطليموس وأرستاراخوس وأبولونيوس وأفلاطون وهيبارخوس ، وكانت تتمنّى أن تفكّ لغز الكون ، وتصل إلى حقائقه الفيزيائية ، لتكون امرأة سعيدة في قبرها بعد الموت .
كانت تحاول إضاءة العجائب الكونية ، كما كانت تؤمن بالفلسفة، وكان المتطرّفون النصارى وحوشاً يحرقون الكتب والإبداع .
لم ترفض هذه الفيلسوفه الدّينَ ، لكنها رفضت استغلال الدّين ، الذي قام به الكاهن سيريل المتعصّب ، فاتّهموها بالسِحر الوثنيّ الأسود وبالشعوذة ، وساقوها إلى الرَّجْم ، بعد أن عرّوها تماماً وشوّهوها .. وسحلوا جسدها وأحرقوا ما تبقّى منه ! في الوقت الذي صار فيه سيريل قدّيساً مكرّساً للمؤمنين !
وهنا أقول ؛ إنّ سلوك المتطرّفين هو الذي جعل الفيلسوفة تأنف من الدّين ، بمعنى ، أنّ التأويل الخطأ للدّين أو تقديمه بطريقة ناتئة مغلوطة يُنتج نوعين من الناس : الأوّل يكون متعصّباً جاهلاً عنيفاً ، والثاني مُلحداً كافراً بهذا الدّين .. أي أنّ الدّين بروحه المتسامحة الوسطيّة هي التي تجذب البشر للإيمان والتقوى .