الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

شيرين أبو عاقلة وحدت فلسطين وفضحت جرائم إسرائيل

نشر بتاريخ: 15/05/2022 ( آخر تحديث: 15/05/2022 الساعة: 10:04 )

الكاتب: د. مصطفى البرغوثي

وحدت شيرين أبو عاقلة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وإتجاهاته، والذي أصر على تشييع جثمانها من شوارع مخيم جنين ومدينتها وأزقتهما ومدينتها، ونابلس وأحيائها، وعبر قرى الضفة الغربية وصولا إلى رام الله، والقدس التي شهدت واحدة من أكبر الجنازات الشعبية في تاريخها رغم أنف الاحتلال وقمعه الوحشي.
كأننا رأينا شيرين تخرج من كفنها صباح يوم الجمعة، لتفضح إجرام الاحتلال الفاشي مرة أخرى، و جنوده ينقضون بوحشية على المشيعين الذين يحملون تابوتها، وعلى أعلام فلسطين التي تكلله. لم يسقط تابوت شيرين، ولم تسقط أعلام فلسطين في ساحة المستشفى الفرنسي، بل سقط الاحتلال الفاشي العنصري وسمعته في وحل من الدناءة المخزية.
وحتى في جنازتها شدت شيرين انتباه العالم كله لمعاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال ونظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الإسرائيلي.
ولم يكن ذلك غريبا، لأن مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، دخلت كل بيت فلسطيني وكانت ضيفة مرحب بها من كل عائلة فلسطينية.
وتربى مع صوتها وصورتها وهي تنقل الحقيقة في فلسطين، وعن فلسطين، جيل بكامله على مدار خمسة وعشرين عاما.
ولذلك كان الإحساس بفاجعة فقدانها شاملا لكل الفلسطينيين، ولكل من تابع على امتداد ربع قرن من الزمان تقاريرها على محطة الجزيرة، وكذلك لكل من شعر بفداحة جريمة جيش الاحتلال في اغتيال صحفية تميزت دوما بمهنيتها وموضوعيتها، ورزانة تقاريرها، وشجاعتها في الوصول إلى مواقع الخطر، من أجل نقل الحقيقة.
وربما يذكر إستشهادها على يد جيش الاحتلال العنصري، بتاريخ طويل من الاعتداءات والجرائم التي يمارسها ضد حرية الصحافة، والصحفيين الذين يكابدون معاناة لا توصف، لممارسة مهنتهم النبيلة.
فمنذ عام 2000 إستشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي 55 صحفيا،ومنهم محمد شاهين وعبد الحميد الكولك ويوسف محمد ابو حسين أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2021.
ومنهم عزيز يوسف التنح الذي استشهد برصاصة إسرائيلية في الرأس تماما كما جرى لشيرين.
ومنهم عماد أبو زهرة الذي استشهد أثناء مجزرة مخيم جنين وغطت إستشهاده شيرين أبو عاقلة قبل عشرين عاما، لتعود إلى نفس المكان، وتستشهد بنفس الطريقة في مخيم جنين الذي أحبته لنقائه، ووحدة مناضليه، وصلابة سكانه.
وثقت مؤسسة مراسلون بلا حدود اعتداءات جيش الاحتلال ضد 144 صحفى وصحفية، فلسطينيون وأجانب، خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وشمل ذلك إطلاق النار والرصاص الحي عليهم، والرصاص المعدني، وقنابل الصوت، وقنابل الغاز، والضرب والسحل والتنكيل.
وأكدت لجنة دعم الصحفيين وقوع 653 انتهاكا ضد الإعلاميين الفلسطينيين في عام 2021 وحده.
ولم يقتصر قتل الصحفيين على الفلسطينيين، إذ قتل الجيش الإسرائيلي، الصحفي البريطاني، جيمس ميللر، في أثناء إعداده لفيلم وثائقي في رفح عام 2003، كما أودى بحياة الصحفي التركي جودت كيللر أثناء اقتحام سفينة أسطول الحرية في مايو/ أيار من عام 2010.
وإلى جانب الصحفيين برع جيش الاحتلال الإسرائيلي في إغتيال الأطباء، والمسعفين والممرضين وهم يؤدون واجبهم الإنساني كما جرى لمسعفة الإغاثة الطبية رزان النجار التي قتلت برصاصة قناص إسرائيلي في القلب، وهي تسعف الجرحى عام 2018 في قطاع غزة.
لن يكفي التحقيق في الإعدام الميداني الذي نفذه جنود الدوفدوفان ( المستعربون) الإسرائيلي ضد شيرين أبو عاقلة، ولن تكفينا معاقبة من نفذوا الاغتيال البشع، إن عوقبوا، لأن التحقيق والعقوبات يجب أن لا تقتصر على من اغتالوا شيرين أبو عاقلة، وجرحوا زميلها الشجاع علي السمودي، ويجب أن لا تقتصر على كل من قتل صحفيا أو طبيبيا أو مسعفا، بل ما يجب التحقيق فيه وتنفيذ العقوبات ضده هو منظومة الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلية بكاملها، وهي تشمل حكام إسرائيل السابقين والحاليين، بمن فيهم نفتالي بينيت رئيس الكيان الصهيوني، ووزير جيش الاحتلال غانتس، اللذان حاولا التغطية على الجريمة بنشر الأكاذيب، كما تشمل جيش الاحتلال بكامله، والمنظومة الإسرائيلية العنصرية بكل مكوناتها العسكرية، والاستخبارية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية، لأنها توفر البيئة العنصرية المتطرفة، وتنتج الفاشيين من طراز عضو الكنيست الإسرائيلي بن غفير الذي لم يتورع، في لحظة استشهاد شيرين أبوعاقلة، عن تشجيع الجيش الإسرائيلي على إطلاق النار على الفلسطينيين، وعلى الصحفيين الذين، حسب رأيه، يعرقلون عمل هذا الجيش.
من يجب أن يعاقب هم أولئك المسؤولون عن استشهاد ما لا يقل عن 100 ألف فلسطيني منذ عام 1948، وعن التطهير العرقي والتهجير لما أصبح اليوم 6.5 مليون فلسطيني، وعن الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، ومنظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري التي تُجمع منظمات حقوق الإنسان على أنها أسوأ من نظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب أفريقيا.
ومن كان صادقا في إدانته لاغتيال شيرين أبو عاقلة، يجب أن يطالب بفرض العقوبات والمقاطعة على المنظومة التي اغتالتها.
تحمل شيرين أبو عاقلة، بالإضافة إلى مواطنتها الفلسطينية الجنسية الأميركية، ولكم أن تتخيلوا ردود فعل الإدارة الأميركية، وقنوات التلفزة الغربية، لو أن شيرين أبو عاقلة استشهدت في أوكرانيا وليس في فلسطين.
ولذلك فإن الصدق في إدانة اغتيالها يفرض أيضا إدانة إزدواجية المعايير الدولية عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وتغيير كل السياسات التي سمحت لحكام وجيش الاحتلال أن يكونوا فوق القانون الدولي، محصنين من المحاسبة والمسائلة، رغم وضوح جرائم الحرب التي يرتكبونها.

لم تمت شيرين أبو عاقلة لحظة إستشهادها، بل واصلت عملها وأداء دورها النبيل في نقل حقيقة ما يجري في فلسطين إلى لعالم بأسره، وصار إستشهادها الشهادة الأكبر على الظلم الذي يعيشه شعب فلسطين، والمحفز على النضال من أجل الخلاص منه.
كما صار الوفاء لها، إكمال رسالتها بإيصال الحقيقة للعالم، وعدم السماح لمرتكبي جريمة إعدامها بالإفلات من العقاب.
وما رأيناه في ذلك السيل البشري العارم من آلاف الفلسطينيين يشيعونها، و يقهرون إرادة الاحتلال في القدس، لم يكن مجرد تشييع جثمان مهيب لشهيدة الحقيقة و الكلمة الحرة، بل كان أيضا تأكيدا بأن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية تنهض، وتعود مرة أخرى إلى فلسطين، كما ينهض طائر العنقاء من الرماد.