إلى والدتي رحمها الله

الكاتب: الدكتور عدوان نمر عدوان

اترك يدي فأنا صرت في البعيد
ألج سمائي السابعة
لا يؤخر قدمي سوى طفلي الذي يتشبث بردائي
لم يعد لي مجد ولا نفس
وتركت لك دفء فراشي
وأنسام رائحتي
لم يعد لي حياة في بيتك
أنا بيتي
في الضوء الشفيف
في اللابيت
امكث لبعض الوقت وسيأتي من يعيدك إلي لنجلس معا تحت سدرة المنتهى
اتذكر الدريقة التي قطعتها لأجل عينيك
لو كان للهدهد دمعتان لبقيتا ماستين معلقتين وشكانا لسليمان في الآخرة
فرحا كان قلبك والفرخان التصقا في حضن الشجرة
وعلى غصن أدنى من حبل الوريد
بكت على زغبين مرتجفين
أمهما وبكت معها أختها الشجرة
من يحزن أكثر؟
هل يحزن الهدهد على فراخه
أم تحزن الشجرة على
ظلها المفقود ؟
أترك يدي كي أقابل أبي
ليقدم لي هداياه
ويحملني بخفة طائر محلق
لا مكان لي اليوم هناك بين حجارة بيتنا ولا في ساحة مهدنا القديمة
حيث مر سيدنا ومسح رؤوسنا بالزيت والبركة
أنا هنا في بيت ينتظرني
وبهو يتسع ويضيق كما الحلم المشتهى
لي قبة فوق الصخرة
ومحراب أتأمله ويتأملني
لي وحدي ما أريد
لي وحي الإله
ومهرتي المجنحة
تحملني كالسندباد فوق الريح
لي كيفما أشاء أن أغني أو أحصد أو أستريح
وسأتعشى كضيف جميل وأتلو قوانين الوطن الموعود
لا قاطع طريق هنا
وحرس الحدود لا يقتحمون الحدود
لا جندي يقتلني غدا ليعيدني لماضي
لا ساعي بريد يحمل رسالة بين النسر والقبرة
فهما يجلسان ويحتسيان شمس الصباح
النسر يشرب قهوة إفرنجية
والقبرة تشرب القهوة العربية
ويتبادلان النكات
ولك شجرة السرو هذه في أرضك
فحدود أرضك هي حدود حريتك
أترك يدي لأدخل هذا البياض
لم يعد لي عمل في هذا العالم اللازوردي
مرت التسعون وبعدها سبع سنون
وأعطيتك ما لم يعطه النهر أو الينبوع
أنا هنا ابنة أبي فلا خوف علي
ولست أم ابني لأحنو عليك
أنا هنا وأنت هناك فاقطع الطريق كي نلتقي
عند ضفة النهر
ونسير سويا كما كنا نسير على تلال بلدتنا أو في سوق المدينة القديمة
ستكون كهلا
وأنا في عمر زنبقة تتطاول في الحقول
أو نحلة تحمل جناها
لتهدي جائعا رزقا
أو وردة تنحني لسيدة الأساطير
اترك يدي لأعبر الممر
بعد التل الأخضر
وأتنهد عند الصخرة الأخيرة
علنا نتقابل يوما
سأنتظرك عند المهد الجديد
لنعيد دورة القمر الجديدة
سأخيط لك بنطالا
وقميصا حريريا
وأربط لك حذاءك
كُل يبني طعامك بيمناك
واجلس احتراما لملكوت الله
فهنا تعيش الأشبال
لتخدم الوعول
والعشاق لا خوف عليهم
ولا يملون
اترك يدي لم يعد هناك طعم
للزيتون والليمون
اترك يدي لأعرف قدري وحدي
فانا في الحقيقة
والخيال خلفي
كانت مهمتي أن أبحث لك عن السراب في الصحراء
أو الحليب من أرض السباع
لن أقطع لك شومرة برية بعد اليوم
خذ منجلك واقطع انت لابنك برتقالة
أو لوزة
ربما وردة
أو عليقة
قشر له تينة معسلة
ربما خسة برية
أو خردلة فيها
حرقة النبيذ
أو ثمرة سكرية
من تفاحة
زرعناها يدا بيد
وقل لي سلاما
وفوق السلام سلام
أنا هنا وأنت هناك وكلانا القريب البعيد والبعيد القريب .