الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفعل السياسي ما بعد العودة الى المدارس

نشر بتاريخ: 29/04/2023 ( آخر تحديث: 29/04/2023 الساعة: 18:07 )

الكاتب: تحسين يقين



- درس؟
- ......
كنت أسمع، وأقول كما أسمع: نتعلم، نقرأ ونكتب، ثم سمعنا فعل الأمر ادرسوا، فدرسنا. كانت المدرسة هي الفضاء الراقي والجاد، وما ينفع في الشارع وحتى في البيت قد لا ينفع في المدرسة، وهكذا فقد كنت ككثيرين وككثيرات نعظّم المدرسة والمعلمين. وهكذا مضينا من درس الى درس، حتى اليوم.
هل من درس هنا ما بعد عودة جزء كبير معلمي الضفة الى المدارس بعد إضراب ملتبس؟
هو إضراب ملتبس، في ظل ظروف ملتبسة، ونظام سياسي ملتبس، لكن المهم هنا هم طلبة فلسطين الذين ضاعت منهم لا ال 80 يوما منها ربما 50 يوما دراسيا فقط، بل ضاعت فرصة الدراسة العادية في ظروف قيمية فضلى؛ فالطلبة اليوم ليسوا تماما قبل الإضراب، وصار لزاما علينا جميعا التفكير ليس في ترميم ما تهشم من تعليم ونظام وقيم، بل العمل الجدي ألا يتكرر ذلك مستقبلا، وهذا هو موضوع مقالي.
بمسؤولية عالية، وطنية وإنسانية، وشفافية، ومساءلة لنا: هل كان بالإمكان أبدع مما كان؟
مؤسسة الرئاسة، والحكومة، ووزارة المالية ووزارة التربية والتعليم، والقضاء، والمؤسسة الأمنية، والاقتصاديون، والمجتمع المدني، والإعلام، وفصائل العمل الوطني والإسلامي وحزب التحرير، وأية قوى كان لها أثر، أو كان عليها دور، مطالبون بأن نفكرّ ونحاسب أنفسنا، حتى فعلا نكون قد استفدنا من الدرس!
كل بما فعل، واجتهد، وكل بما لم يفعل ويجتهد، وأظن أن كل جهة هنا تعرف المسافة التي قطعتها، وتعرف أيضا ما المنجز الذي لم ينجز، كذلك جسم المعلمين، من قلم بفعل الإضراب، صار لزاما أن يتعلم المعلمون والمعلمات من الدرس.
ولعلنا لا ننسى فضل من ساهم مبديا الاهتمام، وأخص هنا حركة فتح، من خلال أمانة السرّ، فقد كان لجدية الأخ جبريل الرجوب دور ضمانة الحركة الوطنية للاتفاق مع الحكومة، وعدم التعرّض للمعلمين بعد عودتهم الى المدارس.
والآن، وفي ظل احترام الجميع، وفي ظل بعض الهدوء والتأمل في الحكم والإدارة، فإن النتيجة (والدرس) التي نخرج منه، هو أن ما قبل العودة لا ينبغي أن يظلّ ما بعدها؛ ومن الواجب والضمير فعلا، البحث عن ربان آخر يقود العمل الحكومي في فلسطين الآن، لأن الأزمات مستمرة، ولا بدّ من المكاشفة والمحاسبة، وهذا هو حصاد البيادر.
وهنا، فإن على المستوى السياسي البحث من جديد وبشكل جاد، عن طاقم حكومي جديد، يرأب الصدوع، ولا يكتفي بعمل لجان متأخرة، لبحث ما كان!
ذلك طلل دارس، ولا بد من حاضر ومستقبل، ولا بدّ من قادة حكوميين يرتقون فعلا لهذا الاشتباك المتعدد الصور؛ لأنه للأسف كان من الممكن حلّ هذه القضية في وقت أسرع، كذلك كان من الممكن فعل بسيط، بدلا من ردود الفعل التي لا تليق بالحكم العقلاني.
نحن أبناء وبنات الحاضر والمستقبل، والطلبة كل المستقبل، ترى هل نحن فعلا نعمل لهم؟ للمستقبل؟
إن نظرة سريعة للإدارة الحكومية، منذ أن ترأسها الراحل أبو عمار حتى اليوم، على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، تؤشّر لنا إن تحلينا بالموضوعية والنزاهة، الى ما يجب القيام به.
ففي ظل احترام من خدم، وتقدير ما اجتهد به، فإنه من باب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه يبدو أن المشهد الحكومي الآن يحتاج جهودا أخرى.
إن تقييم موضوعي لأداء المنظومة الحاكمة، خصوصا الحكومة، ووزارة المالية ووزارة التربية والتعليم، والقضاء، والمؤسسة الأمنية، يقودنا الى ما نطالب به، فإن قال أحد قمنا بدورنا، فإننا نقول، الله يعطيكم العافية، كان من الممكن أن نقوم به بشكل أفضل، فلا ندري ما سوف يجد من أزمات مستقبلا.
المستوى السياسي الوطني يدرك أكثر من أي وقت مضى أين يضع ثقته ثانية، من خلال تكليف رئيس وزراء بكامل الصلاحيات، يكون من مهامه ومهام طاقمه، استعادة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات، والمشاركة في تفعيل اقتراح الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، لتحقيق اشتباك ذكي وفعال مع الاحتلال.
نحتاج حكومة الكل من أجل الواحد، والواحد من أجل الكل، في اسجام نبيل، فتكمل أركان المنظومة، فتكون مثلا الحكومة هي حكومة خلاص تعليمي، وخلاص وطني بشكل عام.
لقد جدّت أمور سياسية عربية وإقليمية تقتضي التحرك، لأجل توظيفها وطنيا؛ فوجود حكومة خلاص وطني، مدعومة من قبل فصائل العمل الوطني والإسلامي، ستستطيع تحقيق اختراقات سياسية وتمويلية، كون أن هناك إجماعا عربيا على دعم فلسطين المحتلة، وأن هناك واجبا على المتعاقدين على اتفاقية أوسلو ينبغي تفعيله بذكاء، من أجل كسر أي تحرك إسرائيلي في ما يسمى بمناطق جيم، والتي تشكل معظم أراضي دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن ننجح في هذا المسعى الناضج والعقلاني والوطني، بدعم فتحاوي وحمساوي، فسنسير فعلا باتجاه تحقيق المصلحة العليا لفلسطين.
معا سنستطيع، ومعا قادرون، فالعبرة في الحصاد الذي يمكن أن يكون وفيرا.
لعل هناك من جميع المستويات، من خلال الحرص على المصلحة العامة وما تقتضيه، من يبادر الى التغيير، بحيث يصبح تقدين استقالة الحكومة للسيد الرئيس فعلا نبيلا.
ولعل بيننا من يرى، بأن الكبير هو شعبنا الذي إنما نحن كحكومة موظفون لديه، وإن أي فوائد نجنيها هي لشعبنا، ولا مجال للحساسيات غير الضرورية، بل المجال كله، بمنح المسؤولية لمن يمكن القيام بها، ومساءلته دوما.
خلال أي تغيير حكومي، ينبغي فحص البنى الحكومية من مديري إدارات، بحيث ينعكس تجديد الفعل ضخ دماء جديدة، تستعيد رشاقة العمل الحكومي الذي ترهل.
ولتكن إدارة المال الفضلى مدخلا مهما إدارة جوانب العمل الحكومي، حت تكون الحكومة، والسلطة الوطنية بشكل عام رافعة مهمة لمنظمة التحرير وليست فقط ذراعا لها.
- ودرس؟
- ........
في صيف سبعيني، في الإجازة الصيفية، سمعت الوالد وهو يخبرنا بأننا سندرس غدا على النوادر، والنوادر كلمة شائعة في بيت دقو من ريف القدس، وتعني البيادر. سعدنا ونحن "ندرس" حصادنا من الشعير والقمح، والعدس، والفول، وأتذكر أننا استخدمنا الطريقة الآلية، من خلال "الدراسة"، وفي مرة استخدمنا الدواب، لمحدودية الكمية، حيث تدور الدابة في النهار الحارّ على "الحصيدة"، حتى يتم هرس السيقان والسنابل وما يماثلها، وبعد ذلك "بالدقران"، كان الوالد يذّري، ليفصل الحب عن التبن. وفيما بعد تعرفت على "لوح الدراس"، الذي يستخدم في تسريع هرس "الحصيدة".
سعدنا بذلك الصيف، لكن بقيت أفكر في العلاقة بالدراسة في المدرسة والدراسة على النوادر!
- درس؟
- .....
تجددت الكلمة، ربما سريعا في المدرسة، في عبارة طلل دارس، (وما فهمت وقتها ما الطلل الدارس؟) ليستمر المصطلح معنا ويتكرر ويتعمق في دراستنا للأدب العربي، والذي لم يقتصر على شعر عصر دون عصر، فإنه بالرغم من تغير أساليب الشعر العربي التقليدي، إلا أن المضمون ظل في ذهن الشعراء والروائيين بعد ذلك حتى الآن، بما يعرف بالحنين، أو النوستالوجيا.
عدت لسؤال الطفولة، عن العلاقة بين درس الكتب ودرس الحبوب، وارتجلت تفسيرا، بأن هناك علاقة بينهما، تقوم على جامع التدريس، أي تركيز الدرس، فكما نهرس الزرع الجاف ونفصل الحب عن التبن، فإن التدريس يعني أن يتعلم الطالب كل الكتاب. ارتحت لهذا التفسير الزراعي التعليمي، ولم أعد لذلك السؤال.
دروس الزراعة، بل والأمثال الشعبية، ملهمة، بما يحضر من مفاهيم ومعتقدات وسلوك حياة، وليس فقط بما يحمل فصل الحب عن التبن من رموز، لأنه حتى التبن مهم، كل شيء في الأرض منها مهم، لذلك كله، فإن الحكومة الفلسطينية أولا هي حكومة أرض وأطفال، كلا النبات والأطفال ينمون، وسيكون ثمرا طيبا، خبزا وعنبا وزيتا، وقديما قالوا: "الطحين والزيت سبعين في البيت"..سبعين مثنى سبع، والمعنى أنهما وحدهما يحميان الإنسان الفلسطيني من العوز.
[email protected]