الكاتب: عوني المشني
كثيرة هي محاولات ومبادرات ومؤتمرات المصالحة وانهاء الانقسام ، ومتنوعة الاشكال والسياقات ايضا ، لا تكاد تحصى مبادرات الدول ، مصر ، السعودية ، الجزائر ، روسيا … الخ ، اما مبادرات فلسطينية فهي اكثر ، وثيقة الاسرى ، مبادرات مستقلة ، ومبادرات من فصائل ، واحيانا مبادرات من اطراف الانقسام ذاتها ، لكن رغم التنوع والتعدد وصلت كل تلك المبادرات الى طريق مسدود ، لهذا فان اي محاولة وفي ذات السياق تصبح وكانها تكرار لنفس المحاولات الفاشلة ، هذا يضعنا امام سؤال وتحدي في ذات الوقت : هل اصبح الانقسام حالة فلسطينية دائمة ؟؟ وهل انعدمت الطوق لتجاوزه ؟!!!!
امام هذا السؤال المزدوج كان لا بد من النظر الى جوهر كل المبادرات السابقة اولا ، ومن ثم التفكير بمبادرة من نوع مختلف . كافة المبادرات السابقة كانت تنطلق من رؤية ان المطرف المبادر بطلب من اطراف الانقسام ذاتها العمل على انهاء الانقسام والانتقال لنظام فلسطيني موحد وواحد سواء في السلطة الفلسطينية او عبر منظمة التحرير الفلسطينية ، وطالما انت تطالب ولا تجد استجابة حقيقية عن طرفي الانقسام بغض النظر عن اسباب ذلك فهذا يعني ان المبادرة ذاتها اصبحت رهينة بيد طرفي الانقسام ، والطرف المبادر لا يمتلك سوى " الدعوى الحسنة " واحيان بعض الضغوط كونه لا يمتلك الى القليل منها .
مبادرة من نوع مختلف وعلى ارضية مختلفة هي المطلوب ، مبادرة تقوم على ان الطرف المبادر وهو الشعب الفلسطيني بصفته المتضرر الاول والاكبر من هذا الانقسام مطلوب منه ان يفعل شيئا لانهاء الانقسام وتحقيق الوحدة دون انتظار موقف او دور طرفي الانقسام ، وهنا جوهر الموضوع ، ان الشعب الفلسطيني يرغب في انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة ويبادر ويقوم بخطوات محددة لتحقيق ذلك دون ان يبقى مرتهنا لرغبات او مصالح طرفي الانقسام .
من هنا جاءت فكرة عقد مؤتمر فلسطيني توحيدي يحضره اكبر عدد ممكن ومن شخصيات فلسطينية وازنة تمثل الطيف السياسي والاجتماعي الفلسطيني في الوطن ، كل الوطن ، وفي كل انحاء الشتات ، هذا المؤتمر تتمثل فيه الاراء المختلفة والمتنوعة ولا يكون فيه محاصصة فصائلية من اي نوع ، وليس تحت مظلة دولة اقليمية او غير اقليمية . ان مثل هذا المؤتمر لا يشكل اطارا تمثيليا لشعبنا لان القناعة الاكيدة ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني ، وهنا يأتي دور المؤتمر الاساسي في استرجاع المنظمة واعادة الاعتبار لها لتستعيد دورها عبر بناءها كاطار وطني جامع وموحد على اسس ديمقراطية ودون محاصصة او استثناء لاي من مكونات الطيف الفلسطيني الجغرافية او السياسية . ان هذا المؤتمر لن يكون صوت لمرة واحدة بل سيأخذ صفة الاستمرارية والاستدامة لتحقيق غايتين اساسيتين ، الاولى الوصول الى منظمة تحرير موحدة واحدة تجمع ولا تفرق ديمقراطية وليست محاصصة على اساس برنامج وطني يجسد الميثاق الوطني الفلسطيني ولا يتعارض معه ، والغاية الثانية تعبئة كثير من الفراغات التي لا يعبئها احد في النضال الوطني الفلسطيني وخلق مناخات التنسيق والبرمجة للكثير من الفعاليات على مستوى العالم ، اليوم نرى بوضوح موجة التعاطف مع الحق الفلسطيني تجتاح العالم باسرة وبقوة غير مسبوقة ، ان الحفاظ على ديمومة تلك الموجة وتعزيزها مهمة وطنية من الدرجة الاولى ، سيعمل المؤتمر عبر ادواته المتخصصة على تحقيق ذلك بفعالية وقوة وبمزيد من البرمجة والمأسسة للحفاظ على هذا الزخم ، كذلك تعزيز المقاطعة وتحويلها الى ثقافة انسانية مرتبطة بقيم الحرية . ان هناك الكثير من المهام التي لا يشغلها احد وتحتاج الى رعاية وتعزيز وهي في صلب اهتمام المؤتمر دون ان يشكل ذلك منافسة او مناكفة مع احد ، المؤتمر سيكون حيث يغيب الاخرون وحيث يحتاجنا شعبنا دون اي مظهر من مظاهر التزاحم والمنافسة .
ان المؤتمر لا يسعى ان يكون بديلا للمبادرات الاخرى التي جاءت في هذا السياق ، وان يكون كذلك ، هو محاولة لوضع كل تلك المبادرات في سياق واحد لزيادة قوتها وفعاليتها هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يقدم افكار ابداعية جديدة تساهم في تحقيق ذات الغايات التي انطلقت تلك المبادرات لتحقيقها ، هذا المؤتمر هو تطوير نوعي لتلك المبادرات وتعزيز لها وجعلها تتقدم باليات اكثر فعالية ، ولهذا فاننا في هذه الخطوة لا نراكم المبادرات بقدر ما نضعها في سياق واحد فاعل مؤثر يمتلك ادوات عمل اكثر فاعلية لتحقيق نفس الغايات . ان شعبنا لا يريد تراكما كميا لعدد المبادرات بل يريد ادوات تجعل تلك المبادرات تنجح وتحقق اهدافها وهذا ما يسعى اليه المؤتمر .
قد يكون هذا المؤتمر متأخر كثيرا ، او قد يراه البعض مبكر جدا على اعتبار انه يجب اعطاء فرصة اطول للجهد الذي يبذل لانهاء الانقسام وتحقيق الوحدة ، لكن في حقيقة الحال فان هذه حرب الابادة التي يشنها العدو على شعبنا جعلت ما قبل هذه الحرب مختلف عما سيأتي بعدها ، فهذه الحرب تحمل معها متغيرات استراتيجية تجعل من البقاء في خانة الانقسام والتشرذم كارثة وطنية بكل ما في الكلمة من معنى لهذا فان انهاء هذا الفصل واعادة الاعتبار للكيانية الفلسطينية على اساس الثوابت الوطنية تعبر مهمة في غاية الالحاح والجدية واي تأخير في ذلك يلحق اضرار يصعب اصلاحها ، هذا جعل توقيت عقد المؤتمر استجابة موضوعية وفي وقتها تماما لسيرورة الاحداث ليصبح اي تأخير غير مبرر مطلقا . ان لدينا كشعب اوضاعا غاية في الاهمية وطريقة التعاطي معها سيحدد باي اتجاه نأخذ قضيتنا الوطنية ، والمؤتمر يشكل محاولة جادة وحقيقية لاخذ شعبنا باتجاه توفير ظرفا فلسطينيا ذاتيا قادرا على الاستجابة لمتطلبات الفعل الوطني الملتزم .
اننا امام تحول تاريخي دوليا واقليميا ومحليا ، تحول اقليمي بفعل تداعيات الحرب الاوكرانية الروسية وتحول اقليمي بفعل الاصطفافات المتحولة في المنطقة وتحول محلي بفعل الحرب الفلسطينية الاسرائيلية ، كل تلك التحولات تجعل هناك ضرورة ملحة لنكون كشعب جاهزين للتعاطي معها وتجيير ما هو هو ممكن منها للانعتاق من الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني ، هذه مهمتنا التي ان يقوم بها احد غيرنا كشعب ، المؤتمر محاولة جادة ومسئولة في هذا السياق ، وسيكون الامر ممكنا طالما توفرت الارادة والوعي
وهناك محددات واضحة في سياق هذا المؤتمر : الثوابت الوطنية الفلسطينية كما وردت في الميثاق الوطني ، حق الشعب الفلسطيني في استخدام كافة اشكال النضال وصولا للحرية والاستقلال والعودة ، التغيير الامن يستدعي ان لا بدائل ولا اطر موازية .