الكاتب: حسن الفقيه
في الذكرى السنوية الثالثة لاستشهادها، لا تزال شيرين أبو عاقلة حاضرة في قلوب ملايين الفلسطينيين والعرب، وفي ذاكرة كل من عرفها صوت الحق وعدسة الحقيقة، نقلت وجع الوطن دون تزييف، وامتلكت قلبًا ينبض بالصدق والوفاء لقضية لم تفارقها يومًا، ولم تكن مجرد مراسلة أو اسمًا لامعًا في سماء الإعلام، بل كانت مرآة يراها العالم.
ثلاثة أعوام على غيابها الجسدي، صورتها ما زالت تملأ الشاشات والقلوب، نفتقدها في كل خبر عاجل من جنين وطولكرم وطوباس وقطاع غزة، وفي كل بث مباشر من القدس، نفتقد صوتها الثابت رغم القصف، وعينيها التي تبحث عن الحقيقة، نفتقد صدقها الذي كان مرآة الواقع، وضمير الخبر.
في ظل نيران الحرب المصوّرة التي لا تهدأ، ومع كل شهيد يسقط، وكل بيت يُهدم، وكل طفل يُيتم، يتجدد ألم فقد شيرين: كيف لا وهي من جعلتنا نرى الصورة كاملة لا مجتزأة؟ كيف لا نشتاق إليها وقد كانت في كل نشرة أخبار وتفاصيل كل تقرير وأبعاد كل تحليل تنقل الحقيقة عن قضية شعبها المظلوم والمضطهد؟
تغيب شيرين عن الشاشات، لكنها لا تغيب عن الميادين. يسكن اسمها كل أزقة القدس وشوارع رام الله وسهول جنين وأسواق طولكرم، يُرددها الزملاء في الميدان دعاءً وحافزًا، تذكرها الأمهات في صلواتهن، خشعت لها القلوب والأرواح، كانت واحدة منّا، وكانت صوتنا.
"في زمن باتت فيه الحقيقة عملةً نادرة، كانت شيرين من القلائل الذين حافظوا على نقاء الكلمة، وشرف المهنة: لم تتلون، لم تتردد، ولم تساوم، ولهذا كان استشهادها صدمةً إنسانية، وجريمة لا تسقط بالتقادم."
بعد ثلاث سنوات من التعتيم والتضليل، ومن غيابٍ مخزٍ للضمير العالمي، كشفت التحقيقات الصحفية اسم وصفات ومصير الجندي القاتل، وصفات الدولة التي كرّمته وجعلت من صورة الضحية هدفًا لتدريب جنود آخرين في ميادين القنص والرماية.
نعم، يا شيرين، الاسم لم يكن مجهولًا، بل كان معروفًا لدى الإدارة الأميركية منذ وقت طويل، لكنهم اختاروا الصمت، وحاولوا طمس الحقيقة وتبرئة المجرم بغطاء سياسي ودبلوماسي.
ثلاث سنوات من التواطؤ لم تكن كافية لدفن صوتك، ولم تنجح في إسكات الحقيقة التي نطقتِ بها طوال مسيرتك.
في زمن مات فيه الضمير، تبقين أنتِ الضمير الحيّ، وتبقى شهادتك أقوى من رصاصهم وأبقى من كذبهم.
شيرين… نشتاق إليك؛ ليس فقط لأنك غبت عن المشهد الفلسطيني، بل لأنك كنتِ الأمل في وسط العتمة، والبوصلة حين تاهت الاتجاهات. فلسطين فقدتك، لكنك صرتِ جزءًا من ترابها، وصرخةً باقية في ضميرها.