السبت: 31/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

ما بين خطأ التقدير وضيق الخيارات من الحوار مع الأميركيين إلى فخ ويتكوف

نشر بتاريخ: 30/05/2025 ( آخر تحديث: 30/05/2025 الساعة: 10:08 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي

في خضم تصاعد وحشية المجازر المتواصلة على شعبنا في غزة ، ومع تزايد الضغوط الإقليمية والدولية ، كان من الطبيعي أن تبحث "المقاومة" عن كسر للحصار السياسي والعسكري بعد ان تكبدت ما تكبدته وشعبنا في غزة من نتائج محرقة القرن ٢١ التي تدور في ظل تواطئ البعض أو صمت البعض الآخر ، سوى من مواقف شعوب العالم المتضامنة مع قضية حرية شعبنا وخلاصه من الأحتلال الإستعماري ومواقف عدد من الدول الصديقة التي اخذت مكانة الدول الشقيقة في مواقفها المفترضة اليوم من محاسبة وعزل دولة الأحتلال .

غير أن الخطأ الأكبر لم يكن في مجرد فتح قنوات تواصل مع الأميركيين ، بل في سوء تقدير طبيعة الدور الأميركي ذاته . فواشنطن لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً ، بل هي الذراع السياسي والدبلوماسي للمشروع الصهيوني ، والشريك المباشر في القتل والتجويع ، والداعم العسكري الأول لآلة الحرب الإسرائيلية منذ بداية جريمة النكبة وحتى اليوم مروراً "بفخ أتفاق أوسلو" وتبعاته والتنكر الأسرائيلي له لاحقا مما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم .

إن التعويل على الأميركيين أو بعض وعودهم عبر الوسطاء دون وجود رؤية وطنية فلسطينية موحدة وجامعة ضاغطة ودون موقف عربي واحد وواضح خاصة خلال زيارة ترامب الى المنطقة الاسبوع الماضي لتدفيع الثمن ، ودون قراءة واضحة لأهداف هذا الأنخراط الأميركي في التفاوض ، أدى إلى فتح الباب أمام عروض هشة ، مشروطة وتفصيلية على مقاس نتنياهو ومأزقه . بل الأسوأ ، أن هذه العروض التي نُسبت إلى الوسيط ويتكوف الذي لا يسعى لشيئ سوى لحماية دور اسرائيل بالمنطقة قد أُخذت كمرجعية ، وتم تسويقها وكأنها فرصة تاريخية يجب أغتنامها اليوم ، في حين أنها في محتواها مجرد فخ سياسي وأخلاقي لا يبتعد في جوهره عن السياسات الأمريكية التاريخية وعن سعيها اليوم في تنفيذ رؤية الشرق ألأوسط الجديد بما يتضمن "إسرائيل الكبرى" بعد التدجين والتطويع الحاصل .

فالمسودة المطروحة اليوم لا تُنهي حرب الإبادة التي قيل انه تم التلاعب في صياغتها ، ولا ترفع الحصار ، ولا تضمن حماية شعبنا من التجويع والتهجير خاصة بعد وجود الشركات الأمريكية العاملة بمسمى توزيع المساعدات ، بل تكرس واقعاً من الإذلال والأستسلام التدريجي ، وتمنح إسرائيل هدنة تكتيكية لا أكثر ، تُمكن نتنياهو من التقاط أنفاسه داخلياً وشراء صمت الأوروبيين دولياً والسعي الى محاولات فك عزلته ، ومن ثم الأستمرار في تنفيذ رؤيته المتعلقة بالتهجير وتوسيع الضم والأستيطان بالضفة والقدس وفقا لما جاء بقرارات حكومة الأحتلال بالخصوص يوم أمس لفرض وقائع جديدة يقابل بها المؤتمر الدولي حول حل الدولتين المقرر انعقاده بالأمم المتحدة اواسط حزيران القادم ، وحبذا لو كان هذا المؤتمر على أهميته ، سيقام تحت مسمى أقامة دولة فلسطين المستقلة والأعتراف بها ، بدل عنوان "حل الدولتين" في واقع وجود الدولة الأخرى القائمة أصلاً على انتهاكات القرارات الدولية والقانون الدولي منذ عام ١٩٤٨ وخاصة القرار ١٨١ .

هنا ، وبكل وضوح فقد وجد نفسه "المفاوض" بين نارين ، إما قبول "اتفاق" لا يحقق له شيئاً سوى هدنة مشروطة ومجتزأة ، أو رفضه وتحمل أستمرار المجازر ، مع ما يرافق ذلك من حملات إعلامية منظمة ستتهم المقاومة بأنها المسؤولة عن أستمرار الحرب ، وتُحول الجلاد إلى وسيط سلام والضحية الى جلاد .

إن هذه النتيجة القاسية ، التي أوصلنا إليها سوء إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة التي سارت بها "حركة حماس" منفردة أو بدعم من حركة الأخوان المسلمين الدولية التي تسعى لدور لها بالمتغيرات الجارية بالمنطقة ، دون تقديرات موقف صحيح حتى من حيث أدارة المعركة بداية التي كان يتوجب التزامها بتكتيك حرب العصابات كمقاومة شعبية وليس كجيش يقاتل جيوش الغرب الإستعماري مجتمعة دون اخذ امكانيات شعبنا بالصمود والمواجهة ، لا ينبغي أن تكون مدخلاً للجلد الذاتي اليوم أو لمزيداً من الأنقسام . بل لحظة وعي وطني شجاع يُعاد فيها تقييم الأدوات والسياسات والبرامج ، ويُعاد فيها بناء الموقف الفلسطيني الموحد على قاعدة واحدة ، لا مفاوضات إلا من موقع وحدة وطنية حقيقية واسعة تجسد وحدة الأرض والشعب والقضية من خلال الحوار الوطني الجاد والمسؤول على قاعدة استقلالية القرار ووضوح الرؤية الإستراتيجية للمشروع الوطني التحرري المغيبة اليوم ، والأرتقاء بدور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية التمثيلية كجبهة وطنية واسعة بشكل فعلي وتوسيع قاعدتها الشعبية عبر الآليات الديمقراطية ، وبقوة نضالية مقاومة سياسية وشعبية ، وبخطاب دبلوماسي لا يعتمد على ما يمكن تسميته بـ"استراتيجية الضعيف"، وهي المقاربة التي ترتكز على الأستعطاف وأستدرار المشاعر عبر أستحضار الألم الفلسطيني بلغة دامعة ومشحونة بالعاطفة ، بل بخطاب مقاوم يتحدث بلغة الحقوق غير القابلة للتصرف ، والمحاسبة والعقاب وعزل دولة الأحتلال ونظامها الإستعماري .