الكاتب: د. محمد عودة
في خضم الحرب العالمية الأولى اجتمع وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا بغية تقاسم الشرق الأوسط بموافقة من الإمبراطورية الروسية ومن إيطاليا ووقعا معاهدة سايكس بيكو السرية والتي نصت على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى. اعتمدت الاتفاقية على فرضية أن الوفاق الثلاثي سينجح في هزيمة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ويشكل جزءًا من سلسلة من الاتفاقات السرية التي تأمل في تقسيمها.
وقد جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23 نوفمبر 1915 و3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16 مايو 1916. ومن أجل إنجاح المشروع وللحيلولة دون أي إتحاد أو وحدة في الشرق الأوسط صدر وعد بلفور بعد سايكس بيكو بعام والذي وضع اللَّبنة الأساسية لقيام دولة إسرائيل.
في فبراير 1920 انعقد مؤتمر المجلس الأعلى للحلفاء للبحث في شروط الحلفاء لقبول الصلح مع تركيا وبعد شهرين من مؤتمر لندن عقد المجلس الأعلى للحلفاء مؤتمرا في مدينة سان ريمو الإيطالية، في المدة ما بين التاسع عشر والخامس والعشرين من نيسان (أبريل) 1920؛لمواصلة البحث في شروط الحلفاء للصلح مع تركيا، وقد بحث المؤتمر معاهدة سيفر التي رسمت مستقبل المنطقة العربية التي تضم العراق وسورية بما فيها لبنان والأردن وفلسطين، والتقسيمات والانتدابات حسب مصالح دول الحلفاء، بحيث تقسم سورية الكبرى إلى أربعة أقسام: سورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين..
حضر المؤتمر الحلفاء الرئيسيون في الحرب العالمية الأولى يمثلهم رئيس وزراء المملكة المتحدة جورج لويد، رئيس وزراء فرنسا ألكسندر ميلران، رئيس وزراء إيطاليا فرانشيسكو سافيريو نيتي، وسفير اليابان ماتسوي كيشيرو وممثل عن كل من بلجيكا واليونان إضافة الى وفد يهودي ضم كل من، حاييم وايزمان، ناحوم سوكولوف، وهربرت صموئيل.
في اعقاب الحرب العالمية الثانية اجتمع الحلفاء المنتصرون (السوفييتي جوزيف ستالين والبريطاني ونستون تشيرشل والامريكي روزفلت) في مدينة يالطا السوفيتية على شواطئ البحر الأسود في الفترة ما بين الرابع والحادي عشر من شهر فبراير 1945 من تجلي تقسيم الغنائم من خلال توسيع نفوذ هذه الدول. كان مؤتمر يالطا هو الثاني بين ثلاثة مؤتمرات أساسية انعقدت وقت الحرب عُرفت باسم الثلاثة الكبار. سُبق مؤتمر يالطا بمؤتمر طهران في شهر نوفمبر 1943 وتلاه مؤتمر بوتسدام في شهر يوليو 1945. يقول شارل ديغول انه استثني بسبب عداء فرانكلين روزفلت الشخصي تجاه فرنسا وتجاهه شخصيا.
اليوم وبعد مضي ما يقارب احد عشر عقدا على اتفاقية سايكس بيكو وعشرة عقود على اتفاقية سان ريمو وثمانية عقود على اتفاقية يالطا يعيش العالم مخاضاً لا ندري من سيكون المنتصر فيه ،الحرب الروسية الأوكرانية، العدوان الصهيوني على غزة، اخراج سوريا ولبنان من المعادلة ،العمل على قصقصة اجنحة ايران من خلال التضييق على ما بقي مما يعرف بمحور المقاومة في العراق واليمن وضمن المشاريع المطروحة إسرائيليا وامريكيا والهادفة الى إيجاد الشرق الأوسط الجديد على المقاس الصهيوامريكي ،ان غياب فعل عربي جاد وموحد إضافة الى الانقسام الفلسطيني قد يضعا القضية الفلسطينية في ثلاجة الموتى في حال انتصر الحلفاء( أمريكا، بريطانيا، المانيا وإسرائيل ) وعندها ربما يعقدون مؤتمرهم في غرين لاند التي يرغب دونالد ترامب بضمها الى مملكته .في هذه الحالة قد نحتاج الى عشرة عقود لنعيد طرح قضايا الامة وعلى رسها القضية الفلسطينية على أي من طاولات بحث المستقبل.
آن الأوان لتعيد دول مناهضة أمركة العالم النظر في مواجهة المشروع الذي يمتد ابعد بكثير من الشرق الأوسط، فالمكسيك وبنما وكندا مهدّدة بالضم وغالبية دول العالم مهدّدة بضرائب باهظة على صادراتها، آن الأوان لتتحد دول العالم فرادى ومجموعات لإيجاد عالم متعدد الأقطاب يسوده العدل والازدهار تحكمه القيم الإنسانية المبنية على أسس المساواة والتي تمكن شعوب العالم واولها الشعب الفلسطيني، الوقت ينفذ وكل مشاريع الشرق الأوسط الجديد ضمن الرؤيا الاستعمارية تسير على قدم وساق فلنوقفها قبل ان يفوت القطار.