الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثلوج على الطريق

نشر بتاريخ: 21/02/2015 ( آخر تحديث: 21/02/2015 الساعة: 19:37 )

الكاتب: صادق الخضور

في انتظارها، لتسكو ببياضها وجنات تلالنا، ثلوج منتظرة في الطريق، تجلب معها برودتها شعورا دافقا بالدفء والثقة بما هو آت، فأهلا بها إذ تتأهب لتسبغ على محيّا الأرض مشهدا وضّاء يسلب اللب، ويعيد للأرض بهجة طال انتظارها.

ثلوج على الطريق، ومعها طقوس ثمّة علاقة عجيبة تحكم مفردات حقلها الدلالي، فالتغيير في ترتيب الحروف يولّد كلمات جديدة، تتآلف في مضامينها، فالبرد القادم يجعل أطفال اليرموك يبحثون من جديد عن درب النجاة، والعاصفة تولّد ثلوجا عاسفة.

"غدف الثلج" تعبير لطالما رددناه صغارا، والغدفة هي الشال الذي ترتيديه المرأة ليزيدها جمالا ووقارا، وللثلج المفعول ذاته، فالأرض التي تكتسي بالثلوج تبدو كفتاة حالمة وادعة تظهر في حلّة قشيبة.

ثلوج منتظرة ترطّب جوف السفوح، جالبة معها فوجا جديدا من الفرح، وطقوسا خاصة، حيث الكانون المحتضن حطبا، وحيث الششبرك والرقاق وغيرها من المأكولات الشعبية التي لا يحلو الثلج إلا معها وبها.

الثلج جالب للبرودة حقيقها لا يساورها شك، لكنها تجلب أجواء الشعور بحرارة اللمّة الأسريّة، وأذكر فيما أذكر الثلجة السابقة حيث كانت فرح تداعب سديل، وطارق يناجي محمدّا، وعلاء يتوسّط المشهد بنظراته التي تستنطق البراءة في كل حين.

ثلوج منتظرة لتغدو التلال بعدها بالخضرة تموج، بياض تتلوه خضرة، وكأن الثلج يفتح الباب على مصراعيه لتتداخل الألوان في ألق لا يشبهه ألق، ولا يجاريه جمال أخّاذ.

ثلوج منتظرة لتكسو روابينا، تنثر عبير الشعور بالمكان فينا، تعيد لنا بعضا من الأحساس بالجمال وكأنه بات مع دوران الأيام كنزا دفينا.

ثلوج في الطريق، تجلب معها الراحة والبريق، وتعيد للأرض شعورها بالحياة وكأنها تنبعث من جديد كما الفينيق، وترسي دعائم الإشراقة حتى وإن توارت الشمس لأيام، فالإشراقة الحقيقية هي إشراقة الروح متى ما لامسها خير جادت به السماء.

كثيرون باتوا يتنبأون بالطقس، وقلة هي التي تحتفي بما يولدّه ما يجود به الطقس من خيرات، وتطلّ علينا بانا تحاول أن تتلمس الطريق وسط الثلج، وإيلين تناجيه من وراء النافذة وكأن الثلج خاطب المهج، وتسترسل ميار في وصف الثلج في كل حين.

ثلوج تتلمس دربها نحو بلادنا، حاملة معها بشائر الخير الذي أطل، راسمة لوحة من فسيفساء التلازم بين المكان والزمان، ومرسية باقة من باقات التأمّل.
للثلج طقوسه الخاصة، ف" الغدفة"، و" الدقموس"، وغيرها من المصطلحات تعاود الحضور في دائرة التعبير، وأجمل ما في الثلج أنه الجمال في حدّ ذاته، بل هو الجمال في أرقى مراتبه.

بريء هو براءة الأطفال، وادع وداعتهم، أبيض كقلوبهم، نقيّ كتعابير وجوههم، ناصع كطموحهم في أن يكون الغد أكثر إشراقا.