الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أحجار على رقعة

نشر بتاريخ: 22/02/2015 ( آخر تحديث: 22/02/2015 الساعة: 12:38 )

الكاتب: رامي مهداوي

منذ الولادة وحتى مواجهة ملاك الموت نسير بخطوات مختلفة، للأمام أو الخلف وربما الاثنين معاً، نسقط من علو لا نعرفه ولا نعرف متى ستنتهي عملية السقوط وكأننا خلقنا فقط للسقوط. والبعض منّا يسقط بمحض إرادته وهو بكامل قواه العقلية مدركاً بأن السقوط في اللانهاية أجمل من السمو المرحلي لحياة لن تطول ولا يستطيع أن يحافظ عليها فيقرر بقناعة بأنه يمضي كيفما هو يشاء فيراه الغير بأنه الخاسر، فبين ما نراه بذاتنا وما يروه بذاتنا تكمن القناعة الأبدية للمجتمع المادي الذي بدأ يزداد بطريقة تكاثر الميكروبات أو الفطريات.

الخطوات التي نخطوها بمختلف الاتجاهات، ليست هي الوحيدة التي تحدد أقدارنا بالرغم من أنها فعل نحدده نحن حتى نمضي الى ما نريد وما لا نريد، فخطواتنا تتأثر بخطوات من حولنا بمسافات مختلفة ضمن معادلة القرب والبعد وهنا أيضاً لا يوجد معادلة واضحة بين من يؤثر علينا أكثر القريب أم البعيد أو الاثنين معاً بمعادلة ثابتة. لكن الصراع يولد بشكل عنيف فجأة مع القريب بشكل قد يغير مسار الحياة التي كنتما قد رسمتموه معاً من أجل ما هو أفضل لكم. وهناك من هو بعيد تولد مؤشرات ما من خلال عمليات استشعار عن بعد لخطر قادم ممن لا تتوقع بأنهم سيؤثرون على طريق حياتك، لتجد نفسك تحارب أعداء تم ولادتهم لمصلحة أشخاص يريدون منك ان تكون دونكيشوت وتحارب طواحين الهواء، لا لشيء سوى بأنهم يريدون كسب الوقت، وربما كما نقولها بحياتنا العادية اليومية غيره وحسد، وربما بأن سمو عملية البناء التي تخوضها في حياتك منذ البدء وحتى ما كنت عليه تزعج وتقلق كينونتهم، بالتالي أنت أصبحت عدو بطريقة غير مباشرة لما هم عليه.

قوة العدو لا تكمن فيما يملك وإنما فيما لا نملك، فهو دائماً يريدك ان لا تملك ليس لكي تكون تابع له وإنما حتى تنهار وتتم السيطرة عليك وتكون عبد مسلوب الإرادة، فهناك فرق كبير بين التابع والعبد. فالتابع قد يحاول أن يجد مساحة جديدة له كي يتمرد، أما العبد فهو يريد أن يثبت الولاء المطلق للسيد حتى ولو كان ذلك على حساب عبد آخر. العدو يولد من لا شيء وقد يولد من الحب الذي لا نحب إلا سواه، وبهذا يتحول حب التملك إلا الحب المدمر فإما أن تكون عبد أو/و تابع أنت من تختار... تذكر دائماً هي في الأشياء التي لا نملكها!!

لنتخيل لعبة الشطرنج فنحن أشبه بتلك القطع المتكونة من: جندي.. ملك.. حصان..وزير... كل قطعة تعلم الدور من خلال خطوتها وليس من خلال مسماها ووظيفتها فما الفرق بين الحصان والقلعة سوى الخطوات لأنهم جميعاً محاصرين بمساحة جغرافية واحدة، الخطوات والمربعات التي تجتازها تلك القطع هي بمقدار ذكاء من يحركها، لكن الأدوار التي أعطيت لتلك القطع ستبقى تلازمها ما لم يقرر شخص ما أن يقلب الأدوار والمساحات والمسميات ويعلن بأن اللعبة انتهت "جيم أوفر".

أصبحت حياتنا اليومية مبنية على مربعات الشطرنج محاصر بمربعات الغير، نتقدم نتراجع دون هدف سوى هدف من يحركنا ونحن لا نعلم بأننا ننقاد الى نهايات لا نريدها، ونمضي من مأزق الى آخر وكلما تنفسنا استقرار ما ولو للحظات تمتد نحونا يد لتحرك مساراتنا حسب مصلحة ما أنت لست بالحساب سوى أنك قطعة بمربع ما تؤدي الخدمة المراد تحقيقها من أجل اكتمال لوحة تباع في المزاد العلني بإسم الوطنية، الدين، المصلحة العليا أو القيم والثقافة المسلوخة من ماضي لم نشارك بصياغته سوى إنها ضريبة القومية والقطرية التي ورثناها لأننا ولدنا في هذا المربع.

الأدوار النمطية هي أحد أهم الأسباب في عدم تقدمنا كأفراد لأننا قررنا بأن نستمر كما نحن عليه، فأصبحنا نبحث عن الوجبة السريعة التي تملئ المعدة دون البحث عن متعة تذوق الطعام، المعلومة السريعة دون قراءة الخبر أو المقال ونقده، السيارة السريعة دون الاهتمام بالطريق، تدوير النفايات لكن هل أطعمنا المحتاجين؟ في كل صباح نستيقظ لأنه علينا أن نفعل ذلك دون أن نخطط في أي المجالات الأخرى علينا أن نستيقظ من سباتنا الذي لا نعرف متى علينا أن نستفيق منه؟ وكيف؟ لن أدعوكم بأن نستمر بالخطوات، بل علينا كقطعة في المربعات أن نحاول إعادة تعريف أعمالنا النمطية اليومية، وعلى كل منا أن يمضي كيفما اختار أن يعيش لكن دون الأدوار التي ترسم لنا بيد غيرنا، القدر معك إن كنت أنت معه.