الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تجديد الفكر الديني للقضاء على الإرهاب أم الجهاد؟!

نشر بتاريخ: 05/05/2015 ( آخر تحديث: 05/05/2015 الساعة: 11:35 )

الكاتب: د. وليد القططي

تزايدت الدعوات الرامية إلى تجديد الفكر الديني مؤخراً ، تحت وطأة انتشار الفكر الديني المتطرف انتشار النار في الهشيم ، وما أفرزه من عنف مدمر وإرهاب دموي أينما يحلان لا يأتيان بخير, ويتركا المجتمعات التي تصطلي بنارهم أعجاز نخل خاوية . و تمحوّرت هذه الدعوات حول تشخيص ظاهرة التطرف و الإرهاب لمعرفة أسبابها ومحاولة معالجتها ووضع الحلول لها , و كان آخرها دعوة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في كلمته أمام منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في دولة الإمارات التي قال فيها:"إن المجتمعات العربية في أشد الحاجة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لبعض المفاهيم في التراث الإسلامي للأجيال الناشئة في مقررات دراسية جادة تسهم في تحصينهم من الجماعات المسلحة".

و هذه الدعوات المنادية بتجديد الفكر الديني الإسلامي لتخليصه من التطرف الفكري والإرهاب الدموي هي دعوات في الاتجاه الصحيح المتفق مع الإسلام - نصاً وروحاً - باعتباره الدين الخاتم الصالح لكل زمان و مكان ، ولا يكون صالحاً لكل زمان ومكان إلا بالتجديد الذي يحافظ على جوهره وروحه ، والذي يعني تجاوز التراث الفكري الناتج عن تفاعل عقول المسلمين على مدار مئات السنين مع النص – القرآن و السنة - أي تجاوز فهمهم لهذا النص ، وليس النص نفسه إذا كان قطعي الثبوت و الدلالة ، خاصة إذا كان هذا الفهم يضرنا في واقعنا المعاصر، و مستنداً إلى نص ظني الثبوت أو الدلالة ويجوز الاجتهاد فيه . إضافة إلى حاجة الأمة لهذا التجديد الذي ينقلها من ضيق التطرف إلى سعة التسامح , ومن جور الإرهاب إلى عدل الإسلام ، ومن التخلف و التفرقة والصراع و الاستبداد و التبعية إلى التقدم و الوحدة و التعاون و الحرية و الاستقلال.

فإذا كانت هذه الدعوات للتخلص من التطرف الفكري الذي يحصر الإسلام في رؤية محددة واجتهاد واحد , ويخرج الرؤى والاجتهادات الأخرى من دائرة الإسلام , وللقضاء على الإرهاب الدموي القائم على عقيدة الفرقة الناجية الوحيدة التي تستحق الحياة وحدها في الدنيا و الخلود وحدها في الجنة ، فهي دعوات ايجابية بناءة ومطلوبة .أما إذا قصد بهذه الدعوات القضاء على فكرة الجهاد وروح المقاومة في الأمة فهي دعوات سلبية هدامة ومرفوضة ، لأنها تهدف إلى التخلص من كلمة السر التي أحيت الأمة وكانت السبب في إنشائها والحفاظ على هويتها على مدار السنين ، وطردت الغزاة من بلاد العرب و المسلمين وأعادتهم إلى بلادهم مهزومين ، وهي كلمة السر التي لا زالت توقد شعلة الجهاد و المقاومة في فلسطين ، وتبقيها حاضرة حية في عقول وقلوب المسلمين حتى يأذن الله بالنصر المبين.

و لقد وجدت هذه الدعوات التي تستهدف فكرة الجهاد وروح المقاومة آذاناً صاغية في بعض الدول العربية والإسلامية ، حيث بدأ بعضها في إعادة صياغة مناهجها الدراسية بما يتفق مع هذا التوّجه ، وآخر فصول هذه المسرحية الهزلية ما تناقلته بعض المواقع الإخبارية في إحدى الدول العربية عن حذف وحدات دراسية تتناول سيرة البطلين:عقبة بن نافع - فاتح شمال أفريقيا -، وصلاح الدين الأيوبي - محرر القدس – وذلك بدلاً من أن تبحث في المنابع الفكرية الحقيقية لانتشار التطرف و الإرهاب ، والمتمثل في الجمود الفكري الذي أصاب المسلمين و أبقاهم أسرى لاجتهادات دينية عقيمة تم استنباطها في أزمنة وأمكنة و مجتمعات أخرى ، وأبقاهم مقيدين بفتاوى بعض العلماء السابقين الذين أضفى عليهم اتباعهم هالة من القدسية ما أنزل الله بها من سلطان . ولم يكن التطرف و الإرهاب ثمرةً للجمود الفكري و استحضاراً لمنهج التكفير من أرشيف التاريخ فقط ، بل كإحدى ردود الفعل على الاستبداد السياسي و العنف الحكومي و احتكار السلطة و الثروة في الداخل ، واستمرار الظلم و العنف الموّجه من الغرب ضد الأمة وأهم تجلياته اغتصاب الصهاينة لفلسطين بدعم الغرب لهم.

وختاماً فإن تجديد الفكر الديني يجب أن يكون من أهم أهدافه تنقية التراث الفكري الإسلامي من التطرف الفكري الذي يقود إلى الإرهاب الدموي الذي يضر بالأمة الإسلامية و يفرّقها و يقسّم الشعب الواحد و يشتته , مع التمييز الواضح بين الإرهاب و الجهاد كي لا ننزع مصادر قوتنا بأيدينا ونخرّب بيوتنا بأنفسنا , لأن الجهاد هو كلمة السر التي تحيى الأمة وتجدد روحها و تحرر الإنسان والأوطان ، وتزرع في نفوس الناس مقاومة الاحتلال و الاستبداد و الفساد والظلم و كل أنواع الشر.

------------------------------------------------------------------------------