الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ذبح الذات

نشر بتاريخ: 12/07/2015 ( آخر تحديث: 12/07/2015 الساعة: 11:45 )

الكاتب: رامي مهداوي

إذا قمنا بقراءة واقعنا منذ بداية العام الحالي_ فقط_ من زاوية تحليل المضمون للأخبار التي تنشر عبر الوسائل الإعلامية الفلسطينية _فقط_ بأنواعها المختلفة؛ سنخرج بانطباع أولي سريع واضح المعالم دون أي ملابسات بأن قياداتنا الفلسطينية تقاتل ذاتها بذاتها، ولست هنا في مكان إعطاء الأمثلة وهي كثر في مختلف المجالات المكونة للحياة الفلسطينية. لهذا ما سأكتبه هنا ليس بالضرورة المقصود به شخص "قائد" بذاته، وإنما مشاهدات واقعية لما أراه أنا الكاتب، وإذا اعتبرتم هذا المقال موجه لحضرتكم، لمعاليكم، لسيادتكم، لعطوفتكم، لسيادتكم، لا أقصد "قائد" بذاته وإنما حالة الجمع ككل.
لم تعد الأيديولوجية التنظيمية للحزب الواحد هي التي تسود فوق أي خلافات، بل على العكس أصبحت المصلحة الفردية_فقط_ هي التي تسود فوق أي أيدلوجية، بالتالي_ وهو الأخطر_ ولدت منظومة مصالح خاصة بين "قيادات" مختلفة لا تجمعهم الأيديولوجية الواحدة والهدف الواحد بقدر ما يجمعهم المصلحة الذاتية الفردية في الحفاظ على ممالكهم التي تم إنشائها بإسم الوطن ومؤسساته لتصبح حكراً لهم ضمن حالة من الوهم والنرجسية الزائفة، لدرجة بأننا أصبحنا نعرف المؤسسة بإسم هذا "القائد" وهنا أتحدث عن مختلف أنواع المؤسسات. مع الأخذ بعين الإعتبار هناك من وضع ذاته في عدد من المؤسسات وهو لم ينجح في مؤسسة واحدة!!
والأخطر من هذا كله؛ يحظر ويمنع دخول أي شخص لمساحات يعتبرها بعض القيادات ممتلكات_ بشكل مملكة_ خاصة له، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه المساحة هي للشعب الفلسطيني وحق لكل مواطن أن يبدع ويفكر وينتج، بالتالي يتم محاربته بأدوات مختلفة، إذن وضع " القائد" ذاته في معسكر ومساحة خاصة يمنع التجادل معه، أو كمواطن إبداء رأيك في موضوع ما، لأن هذا سيتم اعتباره تدخل في ملكوت هذا "القائد" وبالتالي تصبح أنت مندس، عميل، صهيوني، أمريكاني، أو يتم وصفك بأسماء قيادات أخرى لأنك تابع لهم مثل: "عرفاتي" "عباسي" "فياضي" "دحلاني" "برغوثي" "جماعة هنية" "جماعة الرنتيسي" "جماعة خالدة".
وما أجده في وسائل الإعلام الاجتماعية والإلكترونية من حروب متقنة ضد بعضنا البعض، وذبح ذاتنا من خلال قطع رؤوسنا بأيدينا يجعلنا نقوم بمهام العدو أو نسلم أنفسنا لمرحلة جديدة بدأت ملامحها تظهر بوضوح في العالم العربي، لهذا تضيع الجهود المبذولة لبناء الذات، التحرر، حملات إعلامية تعري المحتل وتساند قضايانا المختلفة على الصعيد العالمي، محاربة الفساد وتعزيز الحلول الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ الى جهود معدومة وتصبح أولوياتنا قضايا ثانوية.
بالمحصلة النهائية تشتعل الحرب بيننا ونبدأ إطلاق النيران على بعضنا البعض بطريقة مريضة تعبر عن جهل وظلامية الفكر الذي يحمله البعض بعقله، لتبدأ حرب الإشاعات والذبح المجاني لذاتنا الفلسطينية وتجريدها من القيم في بناء المواطنة من خلال المساءلة وحرية الرأي والتعبير، لنصبح غابة تمجد وتهلل "للقائد" فنتحول أدوات لهم فقط لا غير وهم من يجني ثمار اقتتالنا بعضنا البعض من أجل أكلنا نحن؛ وفي وقت من الأوقات سيصطلحون ونكون نحن الضحية وربما سيتم تحميل السلحفاة أو الأرنب مسؤولية إثارة الفتن والمشاغبات لندفع ثمن ذلك بأن نكون قربان لهم ولأمجادهم فقط.
أصبحنا مليشيات تابعة لهم مسلحين بأدوات مختلفة تقدسهم، والبعض جعلهم آلهة يقدسونهم حتى إشباع رغباتهم، ومن يقدس شخص؛ هو ذاته من سيعض آلهته عند رحيلها ليمجد آلهة جديدة تقدم له العظم من أجل النباح على الغير، لهذا أصبح البعض وربما أكثر من البعض جزء من الهرمية الأبوية "البطرياركية" بالتالي أصبح المفهوم النقدي بأكمله بحاجة ماسة إلى إعادة نقد من أجل الحفاظ على ديمومة الحياة الفلسطينية بمختلف جوانبها وخصوصاً في ظل غياب أي برنامج عملي مخطط له من أجل التحرر، بالتالي أي عمل تنفذه جهة معينة يعتبر تدخل في "الملكية الخاصة" لذلك القائد مما سيقابل بقذائف مختلفة لأنه تدخل بما لا يعنيه!! وما لا يعنيه هو القضايا الوطنية وكأن الوطن أصبح مفصّل لهذا القائد أو لهذا الحزب فقط.
ان موجات النبذ والاستصغار التي تضعها القيادات كأدوات حامية لهم، وتصغير قضيتنا الأساس على مختلفة الأصعدة لهو حالة من المرض يجب استئصاله بأسرع وقت_ وهذا ما لا أعتقد حدوثه_ وما نحتاجه الآن هو كتابات وأصوات عقلانية تتمتع بمقدار من الصحو والاستنهاض، مع الرفض المطلق بأن التاريخ الفلسطيني بدأ وسينتهي بوجود هذا "القائد" من عدمه، لأن التاريخ لا ينتهي ولا يكتمل؛ لكن التاريخ يحاسب وحاسب، إذن علينا نحن أن لا نقف_ أو يجعلونا أن نقف_ كشاهد صامت على تهافتهم المستمر. بالنهاية أكرر هذا المقال ليس ضد "قائد" بحد ذاته وإنما هو ضد الجمع الفعلي لمن يعتبرون ذاتهم "قيادة".