الأربعاء: 01/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

على كف عفريت

نشر بتاريخ: 09/08/2015 ( آخر تحديث: 09/08/2015 الساعة: 11:58 )

الكاتب: رامي مهداوي

جميع من حولي يجمع بأننا نعيش ظروف غير عادية على كافة الأصعدة، وأنا أيضاً أشاركهم رأيي بأن البلد تضيق على بعضها البعض لدرجة أصبحنا مُنعزلين مع ذاتنا، أصبحنا نهرب من واقعنا المرير الذي يفرز أمراض مجتمعية خطيرة يقلل الكثير من أهميتها وكأن شيء لم يكن!! ولا أخفي عليكم بأنني في بعض الأحيان أواسي ذاتي وأردد ما قاله الشاعر عمرو بن الأهتم التميمي "لَـعَـمْــرُكَ مَـــــا ضَــاقَـــتْ بِـــــلاَدٌ بِـأهْـلِـهَــا وَلَــــكِــــنَّ أَخْــــــــلاَقَ الــــرِّجَــــالِ تَـــضِـــيْـــقُ".
الصراع على السلطة هو الأكثر وضوحاً من عملية التحرير _بأي شكل_ لذلك أعتقد أن الصراع على السلطة لا يمكن فهمه في إطار كونه جزء من عملية التحرير، وهذا الصراع جعل الشعب يعيش حالة من العزلة التي فرضها على ذاته لأنه يرى بشكل يومي بأن الأمور أصبحت في الهاوية من نواح عديدة، وهنا أدعي_ قد أكون مخطئ_ أن الصراع على السلطة بمختلف الجوانب أسس الحفرة التي ستدفن بها قضيتنا الفلسطينية بأيدينا وليس بيد المحتل.
الجميع ينتظر اللحظة المفصلية التي سينهار بها كل شيء في لحظة واحدة، بسبب عدم معالجتنا قضايانا المختلفة مما أدى الى تراكمها على الصعيد النظام السياسي المتكلس على ذاته، أو على صعيد مواجهة الاحتلال وكشف أنيابه على صعيد المؤسسات الدولية، أو على صعيد العدالة الاجتماعية المندثرة مما أدى الى بروز البرجوازية السياسية وتشكيل طبقي وولادة طبقة تعتبر ذاتهم مضطهدين في المجتمع في زمن تلك البرجوازية. مما جعل المشروع التحرري الآن في حالة ضياع وتيه وفقدان البوصلة، وجعل التوجه توجهات والتحرر بأدواته مختلف ومتصارع عليها لمصلحة من يريد أن يحكم ويحافظ على حكمه بما يعزز ثبوته ومقدرته على التحكم بأكبر عدد من المواطنين التائهين في ظل غياب طريق للتحرر لأن الأمور هي صراع على السلطة أولاً وأخيراً ومن يملك الكمية الأكبر من الأوكسجين حتى يستمر بالتنفس على عرش التحكم بالعباد الذين يغرقون في سفينة الوطن التي تسرق وتضرب من قبل الاحتلال الإسرائيلي وأدواته.
والأكثر خطورة من كل ذلك، هؤلاء الذين يؤمنون بأن الأمور تحت السيطرة، رائعة لدرجة لا توصف، نحن في أفضل وقت، وعندما تسمعهم حقيقة ما يحدث بالشارع الفلسطيني وأن المؤشرات على أرض الواقع من أحداث مختلفة على سبيل المثال لا الحصر أحداث نابلس، بيت لحم، المخيمات الفلسطينية تبرهن بأن الشارع الفلسطيني في مرحلة الإنفجارات الداخلية وبالتالي التشرذم والتشتت يجيبون هؤلاء إجابات ليست فقط سخيفة وإنما إجابات تبرهن بأنهم بعيدين كل البعد عن الشعب الغلبان الذي يستحق كل الأفضل. وبدل أن يقوموا بتقييم المرحلة بشكل جدي واستخلاص العبر وإجابة العديد من الأسئلة منها: ماذا كان وضع الشعب الفلسطيني قبل اتفاق أوسلو؟ قبل الإنتفاضة الثانية؟ قبل استشهاد القائد ياسر عرفات؟ الانقسام؟ هل المجتمع الفلسطيني موحد وواحد؟ ما هي القضايا التي كان من المتوقع أن يعالجها السيد الرئيس محمود عباس على صعيد حركة فتح؟ منظمة التحرير الفلسطينية؟ المفاوضات والاحتلال؟ هل هناك معارضة فلسطينية؟ أين ما يسمى باليسار الفلسطيني؟ هل الحركات الإسلامية أولويتها التحرير أم السيطرة على الحكم؟ لماذا لم يولد أحزاب جدد؟ أين الدم الشاب في قيادة الأحزاب والمؤسسات؟ لماذا استطاعت اسرائيل زيادة وتكثيف عملية بناء المستوطنات؟ هل انتهى مشروع الدولتين والآن نحن في مرحلة الدولة الواحدة؟
ان القضية الفلسطينية تدمر بسبب فعل الذات وليس بسبب فعل الآخر، لأن الآخر من البداية يسعى أن لا تكون أنت أنت بل أنت لا أحد ضمير غائب كشعب بين الشعوب. وبوضوح أقول إن هرمية القيادة وعدم التجدد في أدوات المؤسسات بالتالي أهدافها أدى وضع البلد بكل مستوياتها على كف عفريت. إن التخوف الدائم بأن البلد على كف عفريت بازدياد دائم، وإن التساؤل حول حتمية انهيار السلطة أمر محفوف بالأخطار من جهة، وعدم وجود تفسيرات لما يحدث والتفكير بمسارات وبدائل من جهة أخرى.
لهذا على قيادتنا أن تعلم وتقر بأن البلد على كف عفريت، بالتالي عليها الاعتراف بمسؤوليتها لما أوصلونا عليه الآن، أن معالجة مظاهر المرض بدلا من المرض نفسه قد تسبب في موت المريض، وخلق حالة من الفراغ على كافة الأصعدة جعلت البلد الآن سريعة الانهيار في حال حدوث أي حدث متوقع أو غير متوقع ليكون ذلك العفريت هو المتحكم في قضيتنا.